بعد فترة نقاهة استمرت لأكثر من 7 سنوات، بدأ قطاع السياحة في تونس ينتعش، وبات الهدف الذي حددته السلطات التونسية ببلوغ عتبة 8 ملايين سائح مع نهاية العام يبدو في المتناول أكثر من أي وقت مضى. التحسن الذي بدأ في النصف الثاني من عام 2017 تعزز، بشكل خاص، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي بفضل حملة ترويجية معدة وموجهة بشكل أفضل، واتخاذ تدابير أمنية مهمة في مختلف المناطق السياحية، مع التزام مختلف الجهات الفاعلة بتنشيط القطاع الذي يساهم بنسبة 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ويشغل أكثر من 200 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر. وقد سمحت هذه التعبئة لكبريات وكالات الأسفار الدولية باستئناف تسويق الوجهة التونسية، خاصة في أوروبا، حيث سجلت البلاد انخفاضات حادة في أعقاب الهجمات الإرهابية المتتالية المسجلة عام 2015، سواء في متحف باردو أو في منطقة سوسة السياحية. ومن الواضح أن كافة المؤشرات المسجلة حاليا تبعث على التفاؤل وتنبئ بسنة سياحية استثنائية. وسواء تعلق الأمر بتوافد عدد الأشخاص غير المقيمين أو الإيرادات بالعملات الأجنبية أو الليالي السياحية، فإن ما تحقق يتجاوز بكثير المستويات المسجلة في عام 2010، التي تعتبر السنة المرجعية بالنسبة لهذا القطاع، الذي راكم نتائج غير مرضية وواجه رياحا معاكسة كادت أن تؤدي إلى تفكك هياكله. وعلى الرغم من الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 29 أكتوبر الماضي وسط تونس العاصمة، فإن الأرقام تثبت أن عودة الوجهة التونسية إلى الانتعاش باتت حقيقية. وعادت وكالات الأسفار السياحية، التي راهنت على الوجهة التونسية مرة أخرى، إلى الاستفادة من مزاياها. وبالنسبة لوكالات الأسفار الأوروبية، فإن الوجهة التونسية تظل وجهة فريدة، ولا يمكن تعويضها من حيث الموقع الجغرافي، والأسعار وجودة منتجاتها. ونتيجة لذلك، تضاعفت عمليات الحجز، خاصة من فرنسا، حيث أضحت الوجهة التونسية الأسرع نموا خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة. وكشفت آخر دراسة ل "ترافل بور"، وهي منصة لتجارة الأسفار، أن الرحلات من فرنسا في اتجاه تونس سجلت 104 آلاف و146 عملية حجز أكثر مما تم تسجيله في السنة الماضية، أي بزيادة نسبتها 31 في المائة ما بين فاتح و31 غشت 2018. وقد تعزز هذا النمو من خلال زيادة قدرة رحلات شركات الطيران نحو البلاد بعد فترة طويلة من الاستقرار، حسب المدير الإقليمي ل"ترافل بور". وبالنسبة لتونس فإن الاختيار والتضحيات التي بذلت لإنعاش هذا القطاع لم تذهب سدى. فإلى غاية 10 أكتوبر الماضي سجلت عائدات السياحة قفزة، بلغت 46.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، محققة 3 مليارات و257 مليون دينار. وارتفعت الإيرادات بنسبة 26.8 في المائة إلى ما يزيد قليلا على مليار يورو. وإلى غاية 20 أكتوبر 2018، استقبلت تونس 6 ملايين و719 ألف سائح، مسجلة بذلك زيادة بنسبة 17 في المائة، فيما سجل عدد الليالي السياحية ارتفاعا بنسبة 24.2 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، لتستقر عند 22,488 مليون ليلة. وتتضح أكثر من هذه النتائج عودة السياح الأوروبيين الذين يستحوذون على "حصة الأسد" ب 43.9 في المائة من عدد الوافدين. ويأتي الفرنسيون في المرتبة الأولى ب663 ألفا و221 سائحا، بزيادة نسبتها 38,5 في المائة، يليهم الروس (591 ألفا و152) ثم الألمان (246 ألفا و110). وعلى الرغم من وعود بموسم استثنائي وتوقعات مشجعة بالنسبة لعام 2019، ما زال قطاع السياحة يواجه مشاكل هيكلية ترتبط بنموذج بلغ حدوده، مع عبء ديون يثقل كاهل قطاع الفنادق الذي يعتمد كثيرا على منظمي الأسفار السياحية والتأخر المسجل على مستوى اتفاقيات الأجواء المفتوحة (أوبن سكاي).