على الرغم من المحاولات المتواصلة بشتى الوسائل لثني الوزراء والبرلمانيين عن التغيب عن جلسات المؤسسة التشريعية، إلا أن الأيام القليلة الماضية حملت ما يشبه "مقاطعة المسؤولين" لمناقشة تفاصيل مشروع قانون مالية 2019؛ ما دفع بالمعارضة إلى الاحتجاج على الحكومة، والتهديد بتفادي حضور ما تبقى من جلسات، قبل أن تستجيب القطاعات الوزارية المعنية ويحضر الوزراء. واستغربت فرق الأغلبية والمعارضة غياب الوزراء عن مناقشة قانون يُعد عماد توزيع المالية العمومية على عدة أصعدة، وقال رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، نور الدين مضيان: "من أجل مصداقية عمل البرلمان في التشريع يجب على الحكومة أن تحضر إلى الجلسات"، فيما قال عبد العزيز بوانو، عن فريق العدالة والتنمية: "لم يكن هناك من مبرر لغياب الحكومة، لأن البرلمان ظل يشتغل إلى الثانية صباحا". وتبعا لذلك، هدد رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، باتخاذ الإجراءات التي ستعطي مصداقية للمؤسسة التشريعية وللحكومة، عبر مراسلة بعث بها إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بخصوص الغياب وتوضيح دواعيه، فيما لوح حزب الأصالة والمعاصرة بالمقاطعة النهائية للجلسات المقبلة. وفي هذا الصدد، قال محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، إن "غياب الوزراء عن مناقشة قانون المالية خير مترجم لضعف التواصل السياسي بين البرلمان والحكومة"، مشيرا إلى وجود استخفاف بالمؤسسة التشريعية، مرجعا الأمر إلى اعتماد نظام "البرلمان المعقلن" الذي وضعت له حدود لا يمكن تجاوزها، لأن "النواب مكتوفو الأيدي في علاقتهم بالحكومة دستوريا". وأضاف زين الدين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "مشروع قانون المالية كان سيمرُ، سواء حضر الوزراء أو غابوا، على اعتبار أن طبيعة النقاش الذي يكون في البرلمان يتسم بالتقنية والبعد عن السياسة"، مشيرا إلى أن "غياب الوزراء من شأنه أن يضر بصورة المؤسسة التشريعية، ويعكس الانطباع الذي يجعلها لا تخرج عن نطاق السرك الفرجوي". وأردف أستاذ العلوم السياسية أن "التعديلات التي تطال قانون المالية لا تمس التوجهات العامة، والقانون لا يسمح للنواب برفع التكاليف أو تخفيض الضرائب"، وزاد أن "المساندة الأوتوماتيكية للأغلبية بدورها أمر مساهم فيما حصل، حيث يقف هذا الأمر قويا أمام معارضة ضعيفة لا تستطيع فرض تصورها على الحكومة". وأكمل المتحدث أن "ما حدث غير مبرر موضوعيا، ويزيد من الصورة المهزوزة التي كوّنها الرأي العام الوطني عن البرلمان"، مشددا على أن "الحكومة باستطاعتها تمرير القانون حتى في حالة غيابها عن النقاش، ولو أبدى البرلمانيون تحفظهم كذلك، لأنه بإمكانها اللجوء إلى مراسيم قانون المالية من أجل تمرير المشروع".