انطلقت الحملة الانتخابية منذرةً هذه المرّة بعهد جديد تعمُّ فيه الكرامةُ والعدالة. وهي كما في كل الدول التي تتحسس طريقها نحو الديموقراطية مناسبةٌ للمصالحةِ الوطنية، إذ فيها يقدم المسؤولون اعتذارهم إلى شعبٍ ظلموه بين حملتين، وخلالها يعترفون أمامه بأن ثمةَ لصوصا جشعين سرقوه، وجلادين قساةً عذبوه، ووصوليين انتهازيين كذبوا عليه، وآن الأوان لمرحلة جديدة، ودولة جديدة، وعصر جديد. فطيلة هذه الأيام الانتخابية التي تسبقُ الهرولةَ إلى صناديق الاقتراع، ستحظى أيها الشعبُ الطيبُ ثانيةً بما تستحق؛ سينزل الإقطاعيون والمتسلطون من عليائهم إليكَ صاغرين، سينحنون تواضعاً مُنصتين إلى آلامك وأحلامك، وقد يبكون. سيترك الأثرياء الفاحشون ترفَ العيش وتبرّمهم منك، وسيشاركونك الطعام والكلام و... السلام. سيتخلى رجال الأعمال السيئون عن توجّسهم منك، وسيمشون معك في الأزقة المتربة والدروب الخلفية، ثم سيندهشون من كل هذا البؤس الذي ظلّ يحيط بهم حزاماً وهُم لا يعرفون، وقد يقسمون بالله بأنهم لم يكونوا يعرفون. أعرف أيها الشعبُ الطيّبُ أنك أذكى من أن تصدق أنهم قادرون حقا على التغيير، وأعرف أنك تكاد تسقط ذهولا واشمئزازا حين ترى من ظلوا مُصرّين طيلة ولايتهم على أنهم يطبقون برنامجا ملكيا، يأتون اليوم ليقترحوا برنامجهم الحزبي الذي سيصحح الأوضاعَ واعدين بالتغيير. أبرنامجهم الحزبي أفضل من البرنامج الملكي؟ يا للجرأة! تشعر كما لو أنهم يستغبونك حين يصرخون الآن من أجلك لإنقاذ البلاد من الخراب، وأنت تعرف أنهم هم الذين ساروا لسنوات بهذه البلاد نحو هذا الخراب. أعرفُ أنك تعبتَ من هؤلاء السياسيين الذين يغيرون أقنعتهم ولا يتغيرون، وأنك تحلم باليوم الذي تصحو فيه ولا يكونون، كأنْ تفتح عينيك ذات صباحٍ وتجدهم قد اعتزلوا السياسة، أو على الأقل دخلوا إلى السجن بعد محاكمات عادلة... لكن، إلى ذلك الحين، هم لن يتعبوا منك. مهما عزفت عنهم سيبحثون عنك، سيطاردونك في كل مكان، في الشوارع والأسواق والبنايات والغابات والجبال والواحات وتحت الأرض، سيطلعون لك مكرها من الإذاعات والجرائد وشاشات التلفزيون ومقاعد الحافلات والقطارات... ومن تحت الباب. يا هذا الشعب الطيب الذي اعتقد دوما بأن هؤلاء يكذبون، صدقهم هذه المرة. أرجوك، لا تغلق في وجوههم باب بيتك الآيل للانهيار، لا ترمِهم بالبيض الفاسد واللعنات، لا تسخر من خطاباتهم ووعودهم ونواياهم. هل نقول إنها فرصتهم الأخيرة؟ أعرف أنك منهم يائسٌ يائسٌ يائس. لكن، ماذا أنت فاعل في اليوم الذي يحتاج الوطنُ إلى صوتك؟ فمهما هربتَ منهم ستجدهم وراءك وراءك، لا مفر، وليس أمامك إلا أن تتوقف وتواجه، أليست المواجهة أفضل من الهروب؟ إما أن تضع صوتك خفيّاً في ظرف داخل معزل حالماً بالتغيير، أو تطلقه مُدوّيا في الشوارع أمام الملأ حالماً أيضا بالتغيير. وإني أطمئنك؛ إن الدستور الجديد يضمن لك أحد الخيارين، فماذا ستختار؟