عندما تتأمل خريطة العالم، تجد أن لكل دولة سمات تميزها عن الأخرى؛ سمات جغرافية، وتاريخية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية. ولعل من بين مميزات كل بلد توفره على تضاريس معينة، وانتماؤه لقارة معينة وتوقيت معين، لم يكن لأحد الفضل فيه وليس للحكومة دخل فيه من قريب أو بعيد، بل هو عطاء طبيعي رباني. ومن بين أهم المزايا الجغرافية التي اختص بها الله بلدنا المغرب، في نظري، توفره على توقيت "غرينيتش" العالمي، توقيت نشترك فيه بالصدفة مع "المملكة المتحدة U.K" ويعترف به الكون بأسره، بل قد لا نبالغ إن قلنا إنه توقيت نُحسد عليه. وكمثال بسيط، يكفي أنك تجده معلقا على الساعات الحائطية للفنادق العالمية أينما وليت وجهك على سطح الأرض، قد يبدو هذا المعطى بسيط، بيد أنه في العمق نعمة كبيرة، فعندما تكون خارج أرض الوطن يكفي أن ترى على شاشة تلفازك بالفندق أن البرنامج الفلاني سيبث على الساعة الفلانية بتوقيت "غرينيتش" ليخالجك شعور بأنه توقيت مألوف لديك منذ نعومة أظافرك. لكن عندما تجد أن حكومة مثل حكومة المغرب تتدخل في هذا المعطى الطبيعي وتعبث فيه، تارة بالزيادة وتارة بالنقصان، فسرعان ما تتناسل في ذهنك عشرات الأسئلة تبقى غالبا من دون أجوبة، أولها: لماذا سلبت منا حكومتنا الموقرة التوقيت الطبيعي لبلدنا؟ ومن له مصلحة في بلبلة البلد؟ حاولت -فاشلا-أن أجد سببا مقنعا يوقف طرحي لهذا السؤال المحير من دون جدوى، وإليك عزيزي القارئ ما يجول بذهني الآن: اقتصاديا: يقال إن زيادة ساعة سيؤدي إلى توفير الطاقة من خلال إطفاء الأنوار وقت الاشتغال، لكن هذا المعطى عار من الصحة، حيث إن الاستيقاظ الباكر الذي تسبب فيه التوقيت الجديد يؤدي لا محالة إلى استخدام الكهرباء في البيوت ومقرات العمل. صحيا/بيولوجيا: هل هناك ما هو أفضل من التوقيت الطبيعي؟ ذاك التوقيت الذي يجعلك تعيش الشتاء شتاء والصيف صيفا، وتستمتع بوقت الغروب صيفا دون أن تنكد صفوك نظرة في ساعة بيدك، تجعلك تهب للدخول في النوم قبل وقت النوم، وتخرج للعمل صباحا وأنت في قمة الحاجة إلى النوم، لأن نومك بالأمس لم يكن نوما طبيعيا بل مجرد استدعاء "قيصري" للنوم، ناهيك عن الأكل قبل الوقت الطبيعي للأكل، وغير ذلك. اجتماعيا: هل بإمكان كل الأسر إيصال فلذات أكبادها إلى المدارس في الوقت–غير الطبيعي-وهل تعلم الحكومة الموقرة أن هناك أماكن نائية لا يصلها النقل وقد كنت أشتغل بإحداها أعرف معاناتها؟ ألا يعلمون أن على المواطن أحيانا أن يأخذ أربع وسائل نقل (جلها لا يتواجد صباحا) من أجل الوصول إلى الملحقة الإدارية؟ فماذا لو كابد كل هذا وفي الأخير قيل له عند وصوله: "لقد أغلقت الادارة" لأنها تعمل بالساعة الجديدة؟ أمنيا: أليس حريا بالحكومة أن تعلم بأنها تعرض المواطنات والمواطنين لأخطار أمنية بإجبارهم على الخروج في ساعة مظلمة، ظالمة، باكرة، حالكة؟ قانونيا: غرينيتش هو التوقيت الرسمي/ القانوني لهذا البلد، وهو شأن من شؤون المواطنين، ألا يستدعي تغييره-قانونيا-الاستشارة مع الشعب وأخذ رأيه في موضوع يعنيه بشكل مباشر؟ لماذا تم اختراع شيء اسمه الاستفتاء (بنعم أو لا) referendum؟ أليس بمثل هذه المواقف نعلم هل الشعب يريد تغيير توقيته الطبيعي أم لا؟ وبالتالي، فان اتخاذ الحكومة لهذا القرار دون الرجوع إلى الشعب يعتبر مخالفة دستورية بالمعنى الحقوقي للكلمة، بل مخالفة ديمقراطية لا تشاركية، إن لم نقل خيانة لثقة شعب أمل في زيادة شيء إيجابي لحياته اليومية فما زادته إلا ساعة عقيمة لا فائدة ترجى من ورائها. وفي الأخير، نوجه سؤالا صريحا إلى السيد رئيس الحكومة المحترم: إذا كان الله قد أعطانا توقيت غرينيتش فبأي حق سلبتموه منا حضرتكم؟