مما لاشك فيه أن مستقبل المغرب وتطوره السياسي يبقى مرهونا بنتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة ل25 نونبر لا من حيث نسبة المشاركة الشعبية أو كيفية تدبير الدولة لها، او قدرة الأحزاب تقديم مرشحين نزهاء ومؤهلين بالنسبة للدوائر المحلية ( 92 دائرة انتخابية خصص لها 305 مقعدا برلمانيا مرشحا)، او بالنسبة للائحة الوطنية ( خصص لها 90 مقعدا منها 60 مقعدا للنساء و30 مقعدا للشباب)،ولهذا نؤكد ان انتخابات 25 نونبر ستكون صعبة على الدولة وعلى الأحزاب السياسية لكون نتائجها ستكون مصيرية لمستقبل المغرب السياسي، إما أنها ستؤمن مستقبله السياسي، او تجعل هذا المستقبل مفتوحا على كل الاحتمالات.لذلك تبقى كل الاحتمالات واردة ، وان كانت عملية الحسم فيها يبقى مرتبطا: أولا بالإرادة السياسية عند كل المؤسسات والفاعلين السياسيين، وثانيا بمدى حياد الدولة وتطبيق القانون، وثالثا بالعرض الحزبي والبرامج الانتخابية،ورابعا بمدى جاذبية او رداءة الحملة الانتخابية،وخامسا بإرادة المواطن بالمشاركة او المقاطعة.. ومن المتوقع ان لا تخرج نتائج هذه الانتخابات عن احد الاحتمالات آلاتية: الأول : إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية نتيجة ضعف نسبة المشاركة الثاني : فوز التجمع الوطني للأحرار وترأسه للحكومة المقبلة في إطار تحالف موسع الثالث : فوز حزب العدالة والتنمية وترأسه للحكومة المقبلة في إطار تحالف مع أحزاب الكتلة وبعض الأحزاب الصغرى. الرابع : فوز حزب الاستقلال وترأسه للحكومة المقبلة في إطار تحالف مع أحزاب العدالة والتنمية وبعض أحزاب الكتلة وبعض الأحزاب الصغرى. الاحتمال الاول : وهو أكثر الاحتمالات ورودا وهو احتمال فوز حزب التجمع الوطني للأحرار بالرتبة الأولى في هذه الانتخابات التشريعية المقبلة ليعين الملك السيد مزوار رئيسا للحكومة وهذا ما تراهن عليه الدولة وبعض صناع القرار السياسي بالبلاد ولتحقيق هذا الهدف تم تشكيل التحالف من اجل الديمقراطية لتسهيل عملية التنسيق بين الأحزاب الأساسية المشكلة لهذا التحالف وفي مقدمتها حزب الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري في كثير من الدوائر الانتخابية المحلية ، مع دفع حزب الأصالة والمعاصرة التراجع شيئا الى الوراء ليجعل حزب التجمع الوطني للأحرار يتموقع في الواجهة في ظل استمرار تنديد الحركات الشبابية بحزب الأصالة والمعاصرة . وفي هذه الحالة يمكن ان تكون لحزب التجمع الوطني لأحرار أغلبية حكومية وبرلمانية مريحة من خلال التحالف الثماني الذي سيخدم حزب النهضة والفضيلة وحزب العمال وبالخصوص أمينه العام الذي من المنتظر ان يفوز بمقعد اذا ما تم الالتزام بدعمه من طرف حزب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية في دائرة ترشحه . لكن رئاسة الحكومة من طرف رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار يمكن ان يدخل الدولة في متاهات وفي صدامات مع حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية اللذان يمكنان ان ينددا بعملية تزوير الانتخابات لصالح التحالف الثماني ، بالإضافة الى كيفية مواجهة حكومة يقودها التجمع الوطني للاحرار الحركات الاحتجاجية الشبابية وتدبير ملفات الحوارات الاجتماعية التي تهيمن عليها النقابات التابعة لأحزاب الكتلة ونقابة العدالة والتنمية، وأيضا كيفية مواجهة المعارضة البرلمانية التي ستتقوى أكثر بتحالف الفرق البرلمانية لأحزاب الكتلة مع الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان وهو ما سيشكل خطرا حقيقيا على استمرار حكومة سيقودها السيد مزوار. لهذا ستحاول الدولة إقناع حزب الاتحاد الاشتراكي بالانضمام الى أغلبية مزوار الحكومية والبرلمانية لإعطائها نوعا من الدعم السياسي والنقابي والجمعوي والحقوقي والمدني او حزب الاستقلال ، دون ان ننس إمكانية تتدخل بعض القوى النافذة في صناعة القرارات السياسية بالبلاد لدى بعض قادة الاحزاب الصغيرة من أجل ضمان أغلبية برلمانية وحكومية مريحة لحزب التجمع الوطني للأحرار . وهناك أكثر من مؤشر على إمكانية تحقق هذا الاحتمال، حيث يتتبع الكل دفع عدد من المرشحين الاقوياء والكائنات الانتخابية التابعة لأحزاب الحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري وباقي الأحزاب الأخرى الصغيرة للترشح باسم حزب التجمع الوطني للاحرار في عدد من الدوائر الانتخابية المحلية بهدف تقوية حظوظه ليحتل المرتبة الأولى يوم اقتراع 25 نونبر ليترأس أول حكومة في ظل الدستور الجديد. الاحتمال الثاني: كثير من المؤشرات تدل على ان حزب العدالة والتنمية يمكن ان يحتل المرتبة الأولى اذا جرت الانتخابات التشريعية المقبلة في جو نزيه وديمقراطي بعيدا عن تدخلات بعض القوى والشخصيات النافذة في صناعة القرار السياسي بالمغرب والمناوئة لحزب العدالة والتنمية ، واذا تمكن الحزب من تغطية كل الدوائر الانتخابية، وتجاوز بعض الهفوات التي ترتكب من طرف قيادته في تدبير الملف خصوصا وان رقعته الانتخابية تتسع يوما عن يوم . وفوز حزب العدالة والتنمية بالرتبة الاولى في هذه الانتخابات يعني تعيين احد قاداته في منصب رئيس الحكومة، هذا التعيين الذي يمكن ان تواجهه إشكالات حقيقية على مستوى تشكيل الأغلبية البرلمانية النسبية التي تتطلب اكثر من 200 برلمانيا ما دام ان مجلس النواب أصبح يتشكل من 395 برلمانيا ، وأيضا على مستوى تشكيل الأغلبية الحكومية حيث انه سيجد نفسه في وضعية صعبة لأنه سيجد نفسه محاصرا في زاوية مغلقة ولن يجد أمامه الا مخرجا واحدا وهو التحالف مع أحزاب الكتلة هذه الأخيرة التي ستفرض عليه شروطا صعبة لتقبل التحالف معه خصوصا اذا احتل حزب الاستقلال المرتبة الثانية في هذه الانتخابات إضافة الى رغبة أحزاب الكتلة البقاء في ممارسة السلطة . لذلك فإذا ما تم تشكيل تحالف حكومي بين حزب العدالة والتنمية وأحزاب الكتلة فانه سيفرز أغلبية حكومية وبرلمانية قوية مقابل معارضة برلمانية ضعيفة ،لكون أحزاب التحالف الثماني وباقي الأحزاب الأخرى لن تمارس المعارضة التي نص عليها الدستور الجديد لكونها لا تتوفر على نقابات قوية او شبيبات او منظمات نسائية منظمة او تجذر في المجتمع المدني والحقوقي والجمعوي او منابر إعلامية قوية وبالتالي فتشكيل حزب العدالة والتنمية تحالفا حكوميا مع أحزاب الكتلة سيربك كل حسابات الدولة .لذلك يستبعد قيام هذا التحالف الحكومي الا في حالة واحدة وهي الضغط على حزب الاتحاد الاشتراكي للخروج من هذا التحالف وانضمامه الى التحالف الثماني الذي يمكن ان يتسع وهنا يمكن ان يقع نوعا من التوازن ولكنه صعب التحقيق. لذلك ستتحرك كل القوى المضادة المكشوفة والخفية المناوئة لحزب العدالة والتنمية للحد من إتساع نفوذه السياسي قبل وأثناء إجراء هذه الانتخابات حتى لا يمكنه الفوز بالمرتبة الأولى اللهم اذا كانت الدولة تريد ان تدفع بحزب العدالة والتنمية الى تدبير الشأن العام لتعريته أمام الرأي العام لان موقع المعارضة ليس هو موقع المسؤولية كما عملت مع أحزاب اليسار. وهناك افتراض ثاني يتعلق بهذا الاحتمال وهو الدفع برئيس الحكومة المعين من حزب العدالة والتنمية الى الاستقالة اذا عجز في تشكيل الحكومة في الآجال القانونية وهي مدة شهر ليتم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي احتل المرتبة الثانية وهو أمر اذا ما وقع يمكن ان تكون له عواقبه الوخيمة .ونشير هنا ان حزب العدالة والتنمية يشارك في هذه الانتخابات المبكرة وهو أكثر أريحية واستفادة من ثورات الربيع الديمقراطي العربي ومن فوز بعض الاحزاب الاسلامية بتونس وبمصر في الانتخابات ومن احتجاجات حركة 20 فبراير التي حركت المشهد السياسي المغربي الذي دخل في متاهات خطيرة بعد ظهور حزب الأصالة والمعاصرة . الاحتمال الثالث: إمكانية حصول حزب الاستقلال على المرتبة الأولى في هذه الانتخابات مما يعني فوزه برئاسة الحكومة المقبلة، وفي هذه الحالة يمكن لهذا الحزب المتمرن-على تشكيل التحالفات الحكومية - ان يتحالف مع كل الأحزاب وفي مقدمتها أحزاب الكتلة بالإضافة الى حزب العدالة والتنمية العدالة والتنمية، وان كانت حصيلة حكومته المنتهية ولايتها قبل الأوان غير مقنعة، وإن كان أمينه العام أكثر رؤساء الحكومات انتقادا من طرف السياسيين والإعلام في تاريخ المغرب المعاصر ،لكن حزب الاستقلال يتميز بتوفره على أجهزة وتنظيمات قوية ،وعلى كتلة ناخبة قوية تتوزع على المجال القروي الذي يهيمن عليه نفوذ الأعيان وأصحاب المال لذلك فحزب الاستقلال هو حزب انتخابوي بامتياز تمرس منذ سنين على ضبط زمن الإيقاع الانتخابي ليكون دائما في الصفوف الاولى في كل الاستحقاقات الانتخابية وهذا ما يؤهله ان يخلق المفاجأة ليحتل المرتبة الأولى في هذه الانتخابات اذا جرت الانتخابات في جو سليم .لكن يبدو هذا الاحتمال صعب التحقيق تحت خوف المواطن من عودة حزب الاستقلال الى السلطة ورئاسة الحكومة لأن هذا الاحتمال يتعارض وشعارات كل الاحتجاجات الشعبي والشبابية الداعية الى التداول على السلطة وتغيير رؤساء الحكومات والاحزاب التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال.. الاحتمال الرابع : إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية: عدد من المؤشرات تدل على ان هناك ارتباك كبير في تدبير الدولة لهذه الانتخابات ونفس الشيئ يمكن ان يقال عن الأحزاب السياسية التي برهنت على انها شبه تائهة، بالإضافة الى سلوك المواطن الذي يبدو انه غير مبالي ومهتم بهذه الاستحقاقات في ظل الاحباطات التي أصيب بها من بعد خطاب 9 مارس والتصويت على الدستور الجديد .والأكيد ان ارتباك الدولة وتيه الأحزاب السياسية في تدبير محطة هذه الاستحقاقات المبكرة سيؤثران بالطبع على نسبة المشاركة التي من المنتظر ان تكون ضعيفة .فالدولة لم تتخذ إجراءات عملية لمحاربة الكائنات الانتخابية ولم تكن لها الشجاعة الكاملة ليس في نشر لائحة المفسدين والفاسدين فقط بل متابعتهم قضائيا، ولم تنجح إقناع المواطن بأنها تمتلك منهجية واضحة للضرب بقوة على كل من يريد إفساد هذه الانتخابات المصيرية التي تجري في سياق وطني واقليمي ودولي صعب .اما بالنسبة للأحزاب السياسية فهي تمر بمرحلة صعبة في تدبير أزماتها الداخلية ويكفي ان نذكر كيفية تدبيرها لملف الترشيحات المتعلقة باللوائح المحلية واللائحة الوطنية بشقيها النسائي والشبابي حيث لم تعلن عن لوائح الترشيحات المتعلقة باللائحة الوطنية المتعلقة بالنساء وبالشباب الا ساعات من آخر يوم لإيداع التصريح بالترشيحات هو يوم 11 نونبر إضافة الى ان جل الأحزاب تعرف تمردات واحتجاجات لنساءها وشبابها بسبب غياب الشفافية والديمقراطية وعدم الالتزام بالقوانين الداخلية للاحزاب في اختيار مرشحي اللائحة الوطنية بشبابها ونسائها،وهو ما من شأنه ان يؤثر سلبيا في نسبة المشاركة دون إغفال الاحزاب السياسية والجمعيات والحركات الشبابية والجمعوية والحقوقية المنادية بمقاطعة الانتخابات . مع الإشارة الى انشغال الأحزاب السياسية بتدبير أزماتها الداخلية وملفات الترشيحات على حساب نزولها الى الميدان لإقناع المواطن بالمشاركة في هذه الانتخابات والمصالحة معه، لأنه لا يعقل ان تقنع الأحزاب السياسية المواطن في 12 يوما أي الآجال القانونية للحملة الانتخابية الرسمية التي ستنطلق يوم 12 نونبر على الساعة 12 ليلا وستنتهي يوم 24 نونبر على الساعة 12 ليلا بعد غياب دام أكثر من 5 سنوات، دون ان ننس موقف الجالية المغربية التي شعرت بنوع من الحكرة بعد تهميشها برفض السماح لها بالتصويت والترشيح في دوائر انتخابية في المهجر، والاستعاضة عن ذلك بإمكانية الترشيح فقط على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية والدائرة الانتخابية الوطنية، وبإمكانية التصويت عن طريق الوكالة . وأمام هذا الواقع هناك احتمال على ان تكون المشاركة ضعيفة مما سيفرض تشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب الأساسية لتدبير مرحلة ما بعد 25 نونبر لان مهام البرلمان والحكومة المقبلين ستكون صعبة، دستوريا يجب تشكيل مؤسسات تشريعية وتنفيذية قوية لإنزال مقتضيات الدستور الجديد،سياسيا تشكيل حكومة قوية قادرة على تدبير الملفات الاجتماعية وفي مقدمتها الشغل والصحة والتعليم ومواجهة الحركات الاحتجاجية ،وتشريعيا تشكيل مؤسسة برلمانية قوية لإخراج جميع مشاريع القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور الجديد وفي مقدمتها مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهوية وبالامازيغية الخ. وعليه فان احتمال تشكيل حكومة ائتلافية يبقى واردا في ظل المعطيات الحالية واعتقد ان نسبة تراجع نسبة المسجلين في اللوائح الانتخابية لسنة 2011 الى 13.626357 ناخبا مقارنة مع نسبة المسجلين في اللوائح الانتخابية لسنة 2007 اكثر من 15 مليون ناخبا له اكثر من دلالة وهو ما يؤشر على انه اذا كانت نسبة المشاركة ضعيفة ولم تفرز حزبا او اثنان او ثلاثة قوية فيمكن احتمال تشكيل حكومة ائتلافية تشارك فيها أهم الأحزاب لتأسيس تعاقد إصلاحي بين الملكية والقوى الديموقراطية لتدبير مرحلة ما بعد 25 نونبر . من خلال هذه القراءة البسيطة للمشهد السياسي المغربي لما بعد 25 نونبر، أقول ان مستقبل المغرب السياسي ما بعد هذا التاريخ يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات والسيناريوهات، ورغبة الشعب في التغيير هي الكفيلة بفرض احتمال دون آخر، لكن مع التأكيد على مسالتين : أولهما ان الحزب السياسي ورئيس الحكومة المقبل لن يكون خارج أحزاب التجمع الوطني للأحرار او العدالة والتنمية او الاستقلال.ثانيهما ان ترك صناديق الاقتراع يوم 25 نونير فارغة لأعداء الديمقراطية هو رهن مستقبل المغرب في يد كائنات ستذهب بالبلاد نحو الإفلاس السياسي والاجتماعي والاقتصادي الشامل لذلك على الدولة والأحزاب والمواطن اعتبار الانتخابات التشريعية مصيرية للبلاد وأية إنحرافات أو تزوير او إفساد او تدخل من أي مؤسسة او من أي شخص ولو كان من محيط الملك في العملية الانتخابية المقبلة يعد جريمة في حق الشعب وفي حق مستقبله السياسي لا تسقط بالتقادم. [email protected]