لم يحدث من قبل، خارج الولاياتالمتحدة، مثل هذا الاهتمام الحالي الكبير بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي. إذ أن كثيراً من الأوروبيين يأملون في أن تأتي تلك الانتخابات بنتيجة تلجم مواقف الرئيس ترامب المتشددة. فاجأت مجلة "دير شبيغل" الألمانية قراءها بإصدار ملحق حول استطلاع آراء الناس بشأن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي. ويكشف استطلاع الرأي الاهتمام الكبير للرأي العام الألماني بهذه الانتخابات، وإلا لما تم اختيار هذا الموضوع الأمريكي. ولا يريد الألمان، وكذلك الأوروبيون، من هذه الانتخابات النصفية الأمريكية سوى معرفة هل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيغير نهجه في السياسة الخارجية؛ لو فاز الديمقراطيون المعارضون في هذه الانتخابات. والبعض الآخر يريد حصول غالبية داخل الكونغرس تفتح المجال لسحب الثقة من الرئيس. وتشهد الولاياتالمتحدةالأمريكية في ال6 من نوفمبر انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب. أما الغرفة الثانية للكونغرس، مجلس الشيوخ، فسيتم انتخاب ثلث مجموع المقاعد من جديد. ومازال الجمهوريون يستولون على الأغلبية في كلا الغرفتين. مراقبة أكبر للرئيس الأمريكي؟ وفي تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية يحصل في الانتخابات النصفية تقليديا تقوية المعسكر المعارض، وهذا ما يعول عليه أيضا إلمار بروك، خبير الشؤون الأوروبية من الحزب المسيحي الديمقراطي والمقرب من المستشارة أنغيلا ميركل. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي لDW سيكون "جيدا للاختبارات والتوازنات" أن يفوز الديمقراطيون على الأقل بغرفة واحدة، أغلب الظن مجلس النواب. لكن بروك يرى أيضا الواجهة الأخرى: "الرئيس ترامب سيركز كليا على العلاقات الخارجية، لأنه لا يقدر في الإصلاحات الداخلية على فرض شيء. وهذا قد يزيد من قلقنا". والأوروبيون قلقون منذ الآن بسبب الخلاف حول التجارة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالتوجه الجديد لترامب في سياسة التجارة الأمريكية أدى إلى حصول تصادم حقيقي مع جميع الدول الصناعية. وهدد الرئيس الأمريكي الاتحاد الأوروبي بعد فرض رسوم جمركية على الصلب والألومينيوم بفرض رسوم على السيارات، لأنه يريد حماية المنتوجات المحلية. وهذا قد يلحق ضربة موجعة بشركات صناعة السيارات وبلد الصادرات ألمانيا. وفي القضايا التجارية يتحدث الأوروبيون بصوت واحد، والمفوضية الأوروبية تمثل في سياسة التجارة جميع الدول الأعضاء. وقبل موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس قد يبرم رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر "نوعا من وقف إطلاق النار" مع ترامب: لا لرسوم جديدة مادامت المفاوضات مستمرة. حرب تجارية بين حلفاء وفي حال فوز الديمقراطيين فعلا بالانتخابات النصفية، فهذا لن يعني مباشرة أن يأتي بانفراج في الحرب التجارية بين ضفتي الأطلسي. في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP) في برلين يشغل يوزف برامل منصب خبير الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو لا يتوقع حصول تغيير في سياسة التجارة الأمريكية: "الديمقراطيون راديكاليون منذ مدة فيما يرتبط بالتجارة الحرة. فهم يتخذون منذ مدة مواقف حمائية. والجديد هو أن ترامب أعطى للقوى الداعمة للحماية بين الجمهوريين صوتا". ويضيف برامل أن غالبية ديمقراطية تعني أكثر من ذلك "فرصة" لترامب، لأن الرئيس بإمكانه بأصوات الديمقراطيين تمرير برامج بنية تحتية بمليارات الدولار عبر الكونغرس. وانتصار انتخابي ديمقراطي في هذه الانتخابات النصفية قد يشكل أساسا لإعادة انتخاب ترامب كرئيس بعد سنتين. مشاريع ترامب تهدد الاتحاد الأوروبي موقف ترامب من الاتحاد الأوروبي واضح: ففي قضايا التجارة يسمي ترامب الاتحاد الأوروبي ب"عدو" الولاياتالمتحدةالأمريكية إذن ليس خصما أو منافسا، بل عدوا، ومخططات ترامب السياسية تبدو كتهديد. وفي برلين وبروكسل يمكن سماع أصوات متحفظة عندما يتعلق الأمر بسيناريو أن يغادر ترامب كرسيه قبل الموعد المحدد في البيت الأبيض. والمحقق الخاص الأمريكي مولر يبحث ما إذا كان ترامب أو فريقه الانتخابي قد حصلوا على مساعدة من روسيا. وفي حال عثور مولر على أدلة، فإن عرض سحب الثقة سيصبح ممكنا. وغالبية ديمقراطية في مجلس الشيوخ قد تقوم بتحريك ذلك. حالة كبيرة من عدم اليقين بشأن المسار الذي سيتخذه الرئيس دونالد ترامب بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. مواقف ترامب مترنحة ويخشى مراقبون أمريكيون في ألمانيا أن تدفع هذه الأزمة الوجودية ترامب إلى اتخاذ مواقف غير محسوبة عندما يأمر مثلا بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران أو كوريا الشمالية. وسحب الثقة من ترامب قد يتحول إلى لعبة بالنار. وكيفما ستكون نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فإن الوضع من منظور أوروبي لن يتحول إلى ما هو أفضل. فالمؤشرات توحي فيما يرتبط بسياسة التجارة باستمرار الخلافات. فرئاسة ترامب مطبوعة منذ الآن بإلغاء قواعد دولية، ويبقى الرئيس غير موثوق فيه تجاه الحلفاء في حلف الناتو؛ لتبقى جميع السيناريوهات ممكنة بعد الانتخابات النصفية. ويقول يوزف برامل، خبير الشؤون الأمريكية في برلين، إن قواعد الموازنة والمصالح في الولاياتالمتحدة "لن تصلح لنا، وعلينا التفكير في أنفسنا، علينا أن نتعلم أن نفكر بثقة أكبر كأوروبيين". ويتفق برامل مع ما يتكرر سماعه في أوروبا منذ فوز ترامب في الانتخابات قبل عامين، أي الدعوة إلى التحرر من هيمنة أكبر قوة غربية، والدعوة إلى استراتيجية متماسكة وذات مصداقية، يضع من خلالها الاتحاد الأوروبي نفسه في السياسة العالمية، بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض أو ما تسفر عنه انتخابات التجديد النصفي في الولاياتالمتحدة.