أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    افتتاح معرض جيتكس إفريقيا بمراكش    عمر هلال: نترقّب الإغلاق النهائي لقضية الصحراء المغربية بدعم أمريكي حاسم    إغلاق دار الثقافة بالقصر الكبير فصل جديد من التهميش الثقافي    مجلس النواب يصادق بالإجماع على مقترح قانون يتعلق بكفالة الأطفال المهملين    بنك المغرب يطلق بوابة إلكترونية جديدة لتمكين المواطنين من الاطلاع على معلومات حساباتهم البنكية    كلاسيكو الشمال.. المغرب التطواني ينتصر على اتحاد طنجة في مباراة مثيرة    وزير الداخلية الفرنسي من الرباط: المغرب بلد صديق وشريك ثمين لفرنسا    طنجة.. توقيف شاب بسبب السياقة الاستعراضية للمرة الثانية في أقل من شهرين    روتايو يشيد بتعاون فرنسا والمغرب    طرد الجزائر لدبلوماسيين فرنسيين: تأكيد على تدهور النظام العسكري واتباعه لسياسات عدائية    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مراكش تحتضن المؤتمر الإفريقي الأول للتتشخيص النسيجي للأمراض المعزز بالذكاء الاصطناعي    الدريوش: قطاع الصيد البحري يوفر حوالي 260 ألف منصب شغل مباشر    وهبي يحدد لائحة منتخب "U20"    منظمة مهنيي الصحة التجمعيين تثمّن قرار وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بإحداث مراكز الدكتوراه في علوم التمريض وتقنيات الصحة    باها: "منتخب الفتيان" يحترم الخصم    في لقاء جمع إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، بالفريق الاشتراكي: ملتمس الرقابة خطوة قابلة للتحقيق    بين نزع الملكية وهدم البناية، الإدارة فضلت التدليس على الحق    ممرض شاب يشرف على توليد امرأة نواحي تنغير بتنسيق مع «قابلات» باعتماد الاتصال عن بعد    ميناء المهدية.. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد الساحلي والتقليدي ب 28 بالمائة في مارس    السلوك الإيراني الذي امتد إلى... «بوليساريو»    الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين الفرص والتحديات الأخلاقية    أسلوب فاشل بالتأكيد    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    فرق ضوسي يفوز بتنائية على اتحاد البجيجيين في المباراة الإفتتاحية    مجلس النواب يدين بقوة العدوان الإسرائيلي ويجدد دعمه للقضية الفلسطينية    اختراق جدار وسرقة ذهب.. سقوط "عصابة الحلي" في قبضة الأمن    فرنسا والمغرب يشكلان مجموعة عمل مشتركة لتسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين    "جاية" للإخوة بلمير تتصدر قائمة الأغاني الأكثر مشاهدة بالمغرب    جريمة ب.شعة بطنجة.. رجل يجهز على زوجته بطع.نات ق..ات/لة أمام أطفاله    توقيف الفنان جزائري رضا الطلياني وعرضه أمام القضاء المغربي    تسريبات CNSS تفضح التهربات والأجور الهزيلة لعمال شركات كبرى في طنجة    السغروشني تلتقي بحاملي المشاريع المنتقاة في إطار مبادرة "موروكو 200"    الشركة "إير أوسيون" ترد بتفاصيل دقيقة على حادث انزلاق طائرة في فاس    "تم بتر إحدى رجليه"..رشيد الوالي يكشف عن الوضع الحرج للفنان محسن جمال    مديرية الضرائب تطلق خدمة إلكترونية جديدة لطلبات الإبراء من الغرامات والزيادات    ماريو فارغاس يوسا.. الكاتب الذي خاض غمار السياسة وخاصم كاسترو ورحل بسلام    محاميد الغزلان.. إسدال الستار على الدورة ال 20 لمهرجان الرحل    الفارس عبد السلام بناني يفوز بالجائزة الكبرى في مباراة القفز على الحواجز بتطوان    في ظرف ثلاثة أيام.. حقينة سدود كير-زيز-غريس تنتعش    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    هذا موعد كلاسيكو الليغا بين البارصا والريال    جبهة دعم فلسطين تواصل الاحتجاج ضد التطبيع وتدعو لمسيرتين شعبيتين ضد رسو "سفن الإبادة" بالمغرب    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    محاولة اختطاف معارض جزائري على الأراضي الفرنسية.. الجزائر تتورط في إرهاب دولة    جايسون إف. إسحاقسون: إدارة ترامب حريصة على حسم ملف الصحراء لصالح المغرب تخليدًا لعلاقات تاريخية متجذرة    بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    الكعبي وأوناحي يتألقان في اليونان    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نشر تحقيق لمخطوطة قرآنية ولاختلافها مع مصحفنا
نشر في هسبريس يوم 05 - 11 - 2018

يقر المسلمون بتعددية القراءات وبأن القرآن أُنْزِل على سبعة أحرف وأجمعوا ضمنيا (ولو بشكل مؤقت) على قراءة حفص كما قننتها الهيئة الأزهرية المكلفة في عهد الملك فؤاد الأول بالإشراف على طباعة المصحف بالقاهرة سنة 1924، قبل توزيعه على نطاق واسع. والحق أن مصر لم تكن سباقة لطباعة ونشر المصحف إذ يعود تاريخ أول طبعاته إلى سنة 1537. حدث ذلك بمدينة البندقية. لم تلق تلك الطبعة أي نجاح يذكر لأن إنجازها كان رديئا للغاية بالمقارنة مع جماليات الخط والإتقان الذي حظيت به المصاحف العثمانية في ذلك العهد. أما أقدم طبعة للمصحف لقيت شهرة وتداولا أوسع فهي تلك التي مولتها الإمبراطورة كاترين الثانية سنة 1787 حيث بقيت متداولة بين مسلمي روسيا وتجددت طبعاتها إلى حدود العقود الأولى من القرن العشرين. تلتها بالتسلسل التاريخي طبعة حجرية بطهران سنة 1828 ثم طبعة المستعرب الألماني Gustav Flügel التي أُنجزت بمدينة لايبتزيگ سنة 1834 وظلت معتمدة من طرف المستشرقين بأوروبا حتى الثلاثينات من القرن العشرين(1).
وبموازاة هذا الإجماع الضمني حول مصحف القاهرة، ظلت المتاحف والمكتبات والمؤسسات المتعددة تحتفظ لنا بمخطوطات متنوعة تنتظر من يقوم بدراستها وبتحقيقها قصد تهيء الأرضية العلمية لكتابة تاريخ المصحف بشكل موثق. وأخيرا فاجأتنا الثورة التقنية الحديثة التي مكنت هاته المؤسسات والمكتبات والمتاحف من تقديم صور فائقة الدقة للمحققين وللدارسين مع الإحتفاظ بتحفها بعد التصوير في منأى عن التداول الذي قد يهدد سلامتها. إضافة إلى هذا، أتاحت شبكة الإنترنيت لعامة الناس الإطلاع على بعض من هاته المخطوطات التي تعتبر عن حق تحفا قيمة.
في نهاية غشت 2018 قَدَّمتُ لقراء هسبريس مقالا بعنوان ”الألمان يجمعون المصاحف“ تطرقت فيه للخطوط العريضة لمشروع ”Corpus coranicum“ الهادف إلى دراسة أقدم المخطوطات القرآنية دراسة علمية دقيقة وتقديم نتائجها للخبراء وللجمهور في آن معا. ويسعدني اليوم أن أقدم أول كتاب من سلسة ”Documenta coranica“ المنوطة بمهمة نشر ما ينجزه المحققون والمحققات المنخرطون في هذا المشروع. في هذا الإطار، قامت الدكتورة إلِيُونور سِلار Éléonore Cellard التابعة لل Collège de France بتحقيق أربع مجموعات من المخطوطات القرآنية تحتفظ (ويحتفظ) بها كل من :
المكتبة الوطنية الروسية (32 ورقة)
المكتبة الوطنية الفرنسية (6 أوراق)
متحف الفنون الإسلامية بالدوحة (36 ورقة)
الدكتور ناصر داڤيد خليلي (ورقة واحدة).
عنوان الكتاب الذي سأتحث عنه هنا هو ”Codex Amrensis 1“ وعدد صفحاته 321. تدلنا تسميتة، كما كتبت إلِيُونور سِلار، على المصدر المشترك لهاته الصحف، ألا وهو جامع عمرو بن العاص بالفسطاط (مصر). لقد تم طبع هذا الكتاب الأنيق والفاخر مؤخرا بليدن وبوستون(2) وسأشير إليه فيما يلي بعبارة ”مصاحف عمرو 1“. من المفيد الإشارة إلى أن هاته المخطوطة أنجزت بالخط الحجازي المتأخر، حسب ما بينته المحققة، والذي سبق استعماله تعميم ما يعرف بالخط الكوفي. والكتاب عبارة عن صور كبيرة، فائقة الدقة، لكل صفحات المخطوطة، يقابل كل صفحة منها نَسْخٌ واضح لمحتواها بكتابة آلية عصرية. ومما يسهل تفحص المخطوطة هو أن كل سطورها مرقمة وترافقها ملاحظات المحققة على الهامش وعلى نفس السطر الذي ترد به الكلمات التي تحتاج إلى تعليق. ولقد صَدَّرت إلِيُونور سِلار كتابها بتقديم وجيز بالعربية وبتحليل شامل باللغة الفرنسية.
الكتابة العربية الإختزالية
قبل الدخول في تفاصيل الكتاب ورسمه، الذي ليس اختزاليا بالكامل، أود القيام بمقارنة أولية بين أبجديتنا الحديثة والأبجدية العربية الإختزالية المجردة من كل تنقيط والتي اتسمت بها أقدم المصاحف المنشأة بالخط الحجازي الأول. تتكون أبجديتنا اليوم من 28 أحرف تضاف إليها الألف المقصورة والهمزة التي تكتب على سبعة أشكال (ء أ إ آ ؤ ئ ئ). ومن المعلوم أن رسم بعض الحروف يتغير حسب تواجدها في بداية أو وسط أو نهاية الكلمة أو منفصلة (ههه ه). بالإضافة إلى هذا، تعلمنا استخدام الحركات لتوضيح كيفية نطق الحروف التي تعتبر صماء. ولما نوجه نصنا لجمهور نفترض أنه يتقن القراءة، نكتفي باستعمال الحركات فقط لضبط قراءة المتشابهات من الكلمات. علاوة على هذا كله، نستعمل اليوم رموزا عديدة منها علامات الإستفهام والتعجب والفواصل والنقط التي تدلنا على نهاية الجمل، إلخ. ولا يخفى على أحد أن مطابع المصاحف تستعمل علامات إضافية لا نستخدمها في كتابتنا اليومية.
وبالمقابل إتسمت الكتابة العربية العتيقة بالإختزال التام حيث اكتفت ب 16 حرف واستغنت عن التنقيط وعن كتابة الهمزة وعن كل ما اخترع فيما بعد من حركات وعلامات. وإليكم مقارنة لهاتين المجموعتين من العلامات، أبجديتنا الحالية بمقابل الأبجدية العتيقة :
ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي ء أ إ آ ؤ ئ ئ
ا ى ى ى ح ح ح د د ر ر س س ص ص ط ط ع ع ڡ ڡ ك ل م ى ه و ى مع غياب الهمزة
بعض أوجه الغرابة في التنقيط ب“مصاحف عمرو 1“
لم تقدم المحققة أي نسبة مائوية للتنقيط أو لغيابه. لكن إحصاءً سريعا لأول صفحة بالمخطوطة (الآيات السبع الأولى من سورة الأنفال) يدلنا على أن خمسين بالمائة من حروفها منقطة. لكن المشكل هو أن التنقيط ظل مترددا بحيث يتعسر على القارئ فهم قواعده. ولقد أوردت المحققة إلِيُونور سِلار لائحة تلخص فيها تنوع التنقيط وتعداد أوجهه بالمخطوطة. والنقط هي في حقيقة الأمر عبارة عن شرطات مائلة خفيفة. سأكتفي فيما يلي بالحديث عن تنقيط حرف الىاء وأقترح أن نسميه حرف السِّتَّاء لأنه يقوم مقام ستة أحرف : باء، تاء، ثاء، نون، ياء وألف مقصورة وسط الكلمة. وإليكم إقتباسا من بعض ما ورد بالصفحتان 9 و 10 من كتاب إلِيُونور سِلار تلخيصا لأشكال التنقيط االذي تميزت به هاته المخطوطة مقارنة بالتنقيط الذي اعتمده مصحف القاهرة، وبالتالي القراءة التي تبناها :
نُقِّطَت الثاء كالتاء بنقطتين فوف الىاء 7 مرات بالمخطوطة.
أما التاء فكتبت 14 مرة كالنون بشرطة فوق الىاء و 10 مرات كالثاء و 4 مرات كالباء ومرتين كالياء. والأغرب من هذا أنها نُقِّطَت كذلك بأربع شرطات : إثنتان فوق الىاء واثنتان تحتها (مرتان) وكذلك بثلاث شرطات، واحدة من تحت واثنتان من فوق (3 مرات).
أما الباء فلقد كتب 10 مرات كالتاء بشرطتان فوق الىاء و 3 مرات كالنون ومرتان كالياء ثم بشكل لم نعتده : نقطة فوق ونقطة تحت الىاء (3 مرات) ومرة واحدة بنقطتان فوق ونقطة تحت الىاء.
أما الياء فقد نقطت 35 مرة كالتاء و23 مرة كالنون بنقطة فوق الىاء و20 مرة كالباء ومرة واحدة كالثاء وكذلك بأربع نقط : إثنتان من فوق واثنتان من تحت الىاء (3 مرات) وأخيرا بنقطة من فوق ونقطة من تحت الىاء (مرتان).
أما النون في بداية أو وسط الكلمة فقد نُقِّط بأشكال غريبة عشرين مرة !
وهناك ميزات أخرى عديدة لعملية التنقيط لن أتطرق لها هنا. أحيل القارئ على تفاصيلها بالكتاب ليقف بنفسه على التردد الذي اتسمت به الكتابة المعتمدة بهاته المخطوطة القرآنية والتي يعود تاريخ إنتاجها إلى الربع الثالث من القرن الأول للهجرة (نهاية القرن السابع) علما أن عثمان بن عفان توفى سنة 35 ه.
حروف تنقص المخطوطة
لن أتطرق فيما يلي لغياب علامات الفصل بين كثير من الآيات مقارنة مع ما اعتمدته لجنة الأزهر سنة 1924. لقد أبرزتها المحققة إلِيُونور سِلار في محلها بلون أصفر. علاوة على هذا الإختلاف أو غياب التنقيط فإن أبرز ما تتسم به المخطوطة هو غياب الحركات، ليس القصيرة منها فحسب (والتي لم يكن قد تم ابداعها) بل حركات المد كذلك (الألف، الألف المقصورة، الياء والواو). والغريب في الأمر أن حروف المد هاته ليست غائبة غيابا تاما إذ كثيرا ما نصادفها بالمخطوطة دون أن تخلص المحققة إلى قاعدة عامة إتبعها خطاط أو لربما خطاطو(3) ”مصاحف عمرو 1“.
لقد قُمْتُ بتعداد 553 علامة صفراء تدلنا إلِيُونور سِلار بواسطتها على الأماكن التي ينقص فيها حرف أو أكثر. وإليكم أهم الملاحظات المثيرة للإنتباه :
يُكَوِّن الألف كحرف مد أغلبية الحروف الغائبة بالمخطوطة. فعلى سبيل المثال، نصادف كلمات مثل [فل = قال] - [الانڡل = الأنفال] - [الفتل = القتال]. وتشير المحققة إلى أن المحو ثم التصحيح قد طالا كلمتا [فل = قال] و [فلوا= قالوا] وأحصت 45,5% من المرات كتبت فيها كلمة قالوا مكتملة وبالتالي واضحة الدلالة على صيغة الماضي وليس الأمر.
والجدير بالذكر كذلك هو غياب ألف التعريف بكلمات مثل [بلاىمن = بالأيمان] - [ىلىر = بالبر] - [بلاثم = بالإثم] - [ىلاحڡڡ = بالأحقاف] - [بلحڡ = بالحق] - [كلمهل = كالمهل] - [كلاعلم = كالأعلام] - [بلڡسط = بالقسط] - [ىلمعروف = بالمعروف]… خاصية عرف بها الخط الحجازي من طرازA كما صنفه (François Déroche (4.
غياب الألف الدالة على جمع مذكر في آخر الأفعال. مثال ذلك [راو = رأوا] (أربع مرات)، لكنها مكتوبة بكثرة في كلمات مثل [واطمنوا = واطمأنوا] - [اردوا = أرادوا] - [لىوطوا = ليواطئوا] - [وهموا = وهَمُّوا] - [شفوا الله = شاقُّوا الله].
غياب الألف المقصورة في كلمات مثل [بل = بلى] - [ونا = ونأى]… لكنها مكتوبة في كلمات مثل [لا الىه = لا إلاه] - [ىحوىهم = نجواهم] - [ىالىسرى = باليسرى].
غياب واو المد في كلمة [ىنصرىهم = ينصرونهم]، غير أنها واردة بشكل غريب في كلمات مثل [واولا الارحم = وأولو الأرحام] - [اولا الالبب = أولو الألباب].
غياب ياء المد بكلمة [اىرهم = إبراهيم] في بعض المرات - [ىمصىح = بمصابيح] - [اىىا = إيتيا]. لكنها متواجدة في كثير من الأحيان في [ابرهيم = إبراهيم] وكذلك بعبارات مثل [المطوعىن من المومنىن = المطوعين من المومنين] - [ىىديهم = يناديهم] - [الغوىن = الغاوين] - [ الاحدىت = الأحاديث].
غياب الهمزة والألف بكلمة [الڡرں = القرآن أو القرءان (أربع مرات)] - [ڡرىا = قرآنا أو قرءانا (ثلاث مرات)] .
غياب الهمزة في كلمات مثل [امعهم = أمعائهم] - [اشىهم = أشياءهم] - [امرته = إمرأته] - [امرتك = إمرأتك] - [اسلكم = أسألكم] - [سلتكم = سألتكم] - [نبنا = نبأنا] - [اوليكم = أولياؤكم] - [اولىه = أولياءه، أولياؤه] .
لكنه لربما مشار إليها بألف في كلمات [وراه = ورائه] - [الضعڡا = الضعفاء] - [ىابنا = يا أبانا] - [بالسوا = بالسوء] - [استادنك = إستأذنك] - [لبامم = لبإمام] - [وجاه = وجاءه] - [لاوه = لَأَوَّاه] - [باخرج = بإخراج].
ولربما يشار كذلك للهمزة بألف مقصورة في كلمات عدة مثل : [لىن = لئن] - [فىمه = قائمة] - [خزىن = خزائن] - [وصىف = وضائق] - [شركىكم = شركاءكم] - [تلڡى = تلقاء] - [ فىما = قائما] - [الدوىر = الدوائر] - [الخىنىن = الخائنين] - [- الطىفىىن = الطائفتين].
هناك حروف أخرى لم ترد بالمخطوطة يمكن للقارئ أن يحصيها وأن يتفحصها بسهولة إذ أبرزت المحققة مواضعها بلون أصفر مع إضافة توضيحات بالهامش.
حروف زائدة بالمخطوطة
لن أتطرق هنا للفواصل الزائدة بين آيات المخطوطة مقارنة مع ما اعتمدته لجنة الأزهر سنة 1924 فهي كثيرة ولم أقم بِعَدِّها. لقد أبرزتها إلِيُونور سِلار بلون أخضر لتسهيل مراجعة الكتاب لكل من يهمهم الأمر. سأكتفي هنا بالإشارة إلى كلمتين مكتوبتين بشكل غير مألوف :
أغرب ما يكتشفه قارئ المخطوطة هو كيفية كتابة كلمة شيء إذ وردت، حسب تعدادي الشخصي، أربعا وعشرين مرة على شكل [شاى]. وتنبهنا المحققة أن الكلمة كتبت بهاته الطريقة بنسبة سبعين في المائة من الحالات.
أضيفت ألف لكلمة ذو ب”مصاحف عمرو 1“ خمس مرات حيث نقرأ على سبيل المثال [ذوا الفصل العطبم = ذو الفضل العظيم].
محو وتصحيح وقراءات واردة أو مجهولة
بالإضافة لما سبق، أشارت المحققة بلون وردي وفي مواضعها للكلمات التي محيت نهائيا بواسطة حكها. وأبرزت بلون أزرق ما صحح من حروف أو كلمات، إما من طرف الخطاط ين أو غيره م(3)، مع تقديم شروحات على الهامش. إضافة إلى تصحيح [قال] و [قالوا] الذي سبقت الإشارة إليه، فإن أغلب التصحيحات تتعلق بالفواصل بين الآيات وهي كثيرة وبصمغ مختلف عن الأصلي.
والأهم مما سبق هو ما أبرزته المحققة بلون أزرق باهت من حروف أو كلمات بالمخطوطة تختلف مع ما ورد بمصحف القاهرة مشيرة بذلك إلى ما يمكن اعتباره، بالضرورة، قراءة مختلفة. وفي حالة ما إذا كانت القراءة معروفة وواردة بكتب المؤرخين (27,8% من الحالات) فإن المحققة عينت على الهامش أصحابها والأمصار التي اشتهرت بها تلك القراءة.
ومن ميزات المخطوطة تنقيط غريب (لربما للإشارة إلى قراءة مختلفة) بنقطتان تطوقان حرفي لام-ألف، هكذا [.لا.] أو بنقطة تحت لام-ألف. ولم تقدم إلِيُونور سِلار أي نظرية لشرح هذا التنقيط وتشير إلى أننا نصادفه في مخطوطة أخرى بالمكتبة الوطنية الفرنسية. وتمثل هاته الخاصية عشرين في المائة من الإختلافات مع مصحف القاهرة. تتبقى لنا إذن أكثر من خمسين بالمائة من الإختلافات التي تتميز بها المخطوطة، ما يعادل 115 حالة حسب إحصائي غير الآلي.
خلاصة
لا يسعني هنا سوى أن أحث القراء على مطالعة بل ودراسة هذا الكتاب القيم والأنيق ليقفوا بأنفسهم على نموذج من أعمال التحقيق الرصينة، عمل يتسم بوضوح سيمكن قراءه من معاينة وضعية الكتابة العربية بمصاحف يعود تاريخها إلى ما بعد وفاة عثمان بن عفان بعقود، لا ندري بالضبط كم هي.
يتبين من هذا التحقيق الدقيق ”لمصاحف عمرو 1“ أن الكتابة العربية بالخط الحجازي المتأخر (خط الشاى الحجازي كما يحلو لي أن أسميه) ظلت شبه إختزالية ومترددة حتى عهد متقدم من حكم الأمويين إذ لم تنضبط لأي تقنين سنه النحويون أو المخططون وتقيد به هؤلاء وأولئك. من المرجح أن تهجي كلماتها بشكل صحيح ظل صعبا للغاية. كان من اللازم أن يأخذ المرء بتصويتها عن قارئ-مقرئ يُلِمُّ بمحتوى المخطوطة ويتوجب عليه ترديد وحفظ ما يسمعه قبل أن يصبح قارئا بدوره. هذا ولا شك ما نتجت عنه حاجة ماسة لإبداع حركات التشكيل التي ظلت، كما ظهرت، للأسف الشديد، منفصلة عن الحروف الصماء.
أعتقد أن العرب والمستعربين ظلوا طويلا يكتفون بقراءة (أو بالأحرى تهجي ومراجعة) ما لهم علم مسبق به رغم أن تداول الكتابة العربية ظهرللوجود بعد خمسة عشر قرنا من نضج الكتابة الإغريقية. لقد شكلت الكتابة الإغريقة أول أبجدية مكتملة أقامت لحركات النطق نفس المكانة التي احتلتها الحروف الصماء. ولحد الآن لم تحظ العربية بمزايا هاته الكتابة التي كانت متدوالة آنذاك بمصر والشام والتي نَحَتْ نحوها كل الأبجديات الغربية. أميل إلى الإعتقاد أن وضوح النصوص الإغريقية وبالتالي بيانها هو ما قد يفسر الإستقلال السريع للفرد القارئ لها بينما ظل قراء العربية طويلا في حالة تبعية وبحاجة ماسة لمن يشرح لهم القراءات المختلفة لأن رسم العربية، المجرد في أغلب الأحيان من الحركات، حمال لأوجه ويتطلب سنوات وجهدا أكثر لإتقان ما نود تعلمه وتبليغه بسهولة.
ولربما يفسر (ولو جزئيا) هذا العائق التأسيسي والبنيوي المرتبة الرديئة التي تحتلها الدول العربية، بما فيها الغنية، المشاركة في الدراسات العالمية لمقارنة مستويات التَّعَلُّم. ومن بينها عدم إتقان لغة التعليم الأساسي. لذا، أميل إلى الإعتقاد أن قلة فهمنا وعدم تفاهمنا فيما بيننا وتأخر سن نضجنا ضارب وعريق في القدم وأن مرده لربما هو تعنت ومعاندة، تليق بالأطفال وليس بالمتعقلين، للغة الإغريق (الروم كما سماهم العرب في ذلك الحين) وبالتالي تحيز لكتابة سامية إختزالية امتطتها واستغلت قلة وضوحها فئة الفقهاء والمتكلمين وليس أساتذة ومهندسو الأكاديمية وفلاسفة الليسي وكتاب المسرحيات… كما كان شأن المثقفين بالحضارة الإغريقية القديمة. وهكذا احتكرت نخبة المفسرين والفقهاء سلطة السماء والأرض عبر كتابة دنيوية رديئة جدا لاستغلال كتاب سماوي لا أعتقد أننا سنعلم يوما ما بأمه محفوظ ومكنون. احتكار للسلطتين إذن في انتظار نضج العرب وانهيارٍ لا مناص منه لسماواتنا السبع طباقا لما سنعترف لأنفسنا، وليس لأقراننا من الأمم الأخرى، أن علم الفضاء الرحب قد حل محل علوم أفلاكنا المعقدة، أفلاك لم تنجح أبدا في تفسير ظواهر سماوية ممنوحة للمراقبة، كل يوم وليلة، بالعين المجردة. لقد أصابنا ما يشبه الشلل العقلي والفكري منذ أن فتحنا أعيننا على نفاق أنفسنا لأنفسنا وعلى إفلاس فكرنا وما سميناه ”علم اليقين“ بينما هو مجرد عقيدة لا يمكن دحضها ولا إثبات صحتها. فمتى سينتهي فصل طفولتنا لننتج فصلا للمقال فيما بين العقيدة والعلم من انفصال ؟ أتمنى أن نهتدي إلى دفن فقيهنا إبن رشد الذي توفى، كما نعلم، منذ زمان أيها الإخوان. فليس في نمط تفكيره من عقلانية رغم مدح مداحينا ”التقدميين“.
مراجع
(1) - للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة مقال
Michael MARX, Der Koran : das erste arabische Buch, Rottenburger Jahrbuch für Kirchengeschichte, Band 31, Stuttgart 2012, S. 25-48
Éléonore CELLARD, Codex Amrensis 1, Editions Brill, Leiden/Boston, Sept. 2018 - (2)
(3) - لا تجزم المحققة في عدد الأيادي التي خططت المصحف أهي يد واحدة بأقلام مبرودة عدة مرات أم بأياد مختلفة. من المحتمل، كما كتبت، أن تكون يد قد قامت بمحو بعض الكلمات ويدان قامتا بتصحيحين مختلفين لكلمة قالوا : فإحداهما ”تقدمية“ أضافت ألف المد والأخرى ”محافظة“ إذ أعادت كتابة الكلمة كما كانت من دون ألف.
François DÉROCHE, Cur'ans of the Umayyads, Editions Brill, Leiden/Boston, 2014 - (4)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.