في 6 فبراير 2015، وقع كل من وزير العدل والحريات عن الحكومة المغربية، وسفير فرنسا بالمغرب عن حكومة الجمهورية الفرنسية، البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية التعاون القضائي في المادة الجنائية بين المغرب وفرنسا، الذي صدر ظهير الأمر بنشره بتاريخ 19 نونبر 2015. وقد جاء توقيع هذا البروتوكول الإضافي لينهي مسار أزمة سياسية وقضائية جدية نشأت بين المغرب وفرنسا واستمرت لزهاء سنة، بعد أن قام قاضٍ فرنسي للتحقيق باستدعاء المدير العام لمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف الحموشي آنذاك، للمثول أمامه من أجل التحقيق معه في اتهامات بالتعذيب في حق مواطنين فرنسيين حاملين للجنسية المغربية أيضاً. وقد ردت الحكومة المغربية على ما اعتبرته تصرفاً غير مقبول بإيقاف اتفاقية التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا، لتدخل العلاقات بين باريس والرباط في مرحلة جفاء استمرت لمدة عام، قبل أن تنصلح هذه العلاقات بتوقيع البروتوكول الإضافي المذكور، وبعدها بأشهر قليلة سيعين عبد اللطيف الحموشي من طرف الملك بعد التداول في المجلس الوزاري المنعقد في 15 ماي 2015 مديراً عاما للأمن الوطني، مع احتفاظه بمنصب المدير العام لمراقبة التراب الوطني. بمقتضى هذا البروتوكول الإضافي، يلتزم طرفا التعاون، المغرب وفرنسا، بأن يخطر كل منهما السلطة القضائية لدى الطرف الآخر عند الشروع في أي مسطرة قضائية قد تستتبع عقوبات على مواطنيه، وهو ما أثار انتقادات شديدة باعتباره ينتهك مبدأ السرية التي يفترض أن تحترم عند إجراء التحقيق. وينص أيضا على إعطاء الأولوية للسلطة القضائية المغربية المعنية لاتخاذ التدابير الملائمة، بما فيها فتح المسطرة، لدى النظر في الشكايات الموضوعة لدى السلطات القضائية الفرنسية ضد مغاربة، حتى وإن كانت فرنسا تحتفظ لنفسها بالمتابعة القضائية لكل من اتهم بالضلوع في جرائم تخضع للاختصاص الكوني في المسطرة الجنائية الفرنسية، متى ما داست قدماه التراب الفرنسي، ولو من باب العبور. غير أن هذا البروتوكول الإضافي يصطدم من الناحية النظرية بإشكالية جدية في حالة دراسة فرضية إقامة دعوى ضد رئيس النيابة العامة على قاعدة الاختصاص الكوني. فإذا افترضنا جدلاً أن أحد الأطراف المؤهلة للتقاضي في فرنسا لجأت إلى وضع شكاية مباشرة ضد رئيس النيابة العامة المغربي، عند قضاء التحقيق الفرنسي بناء على قاعدة الاختصاص الكوني أو لسبب آخر يعطي الاختصاص للقضاء الفرنسي حسب القانون الجنائي الفرنسي والمسطرة الجنائية الفرنسية، فإن قضاء التحقيق الفرنسي سيواجه معضلة حقيقية لتطبيق المادة 23 مكرر من اتفاقية التعاون القضائي في المادة الجنائية بين المغرب وفرنسا، كما وقع تعديلها وتتميمها. وذلك لاحتمالين إثنين، قد يجتمعان معاً وقد يفترض وجود أحدهما دون الآخر. الاحتمال الأول: في حالة تمت إثارة المسؤولية الجنائية لرئيس النيابة العامة بناء على موافقة رئيس النيابة العامة أو سكوته عن فعل معين تترتب عنه مسؤولية جنائية طبقاً للاتفاقيات الدولية التي التزمت بها فرنسا. فإن قاضي التحقيق الفرنسي في هذه الحالة سيواجه إشكالية إحالة الشكوى على السلطة القضائية المغربية المختصة، التي ستكون في هذه الحالة هي رئيس النيابة العامة نفسه بحكم أن اختصاصات وزير العدل كرئيس النيابة العامة نقلت إليه، وهو أيضا ممثل النيابة العامة الذي سبق له أن حفظ الشكوى التي اعتبرت موافقة أو سكوتاً عن فعل معين تترتب عنه مسؤولية جنائية طبقاً للاتفاقيات الدولية التي التزمت بها فرنسا. وبالتالي، فما الجدوى من إحالة الشكوى عليه إن كان قد سبق أن اتخذ قراره فيها ونتج عن هذا القرار إمكانية إثارة مسؤوليته الجنائية في فرنسا بناء على قاعدة الاختصاص الكوني أو لسبب آخر يعطي الاختصاص للقضاء الفرنسي حسب القانون الجنائي الفرنسي والمسطرة الجنائية الفرنسية؟ الاحتمال الثاني: في حالة تمت إثارة المسؤولية الجنائية لرئيس النيابة العامة بناء على أعمال لم يسبق له كممثل للنيابة العامة أن اتخذ فيها قراراً من قبل، ولكن بناء على قاعدة الاختصاص الكوني فقط أو لسبب آخر يعطي الاختصاص للقضاء الفرنسي حسب القانون الجنائي الفرنسي والمسطرة الجنائية الفرنسية. فإن قاضي التحقيق الفرنسي في هذه الحالة سيواجه إشكالية إحالة الشكوى على السلطة القضائية المغربية المختصة، التي ستكون في هذه الحالة هي رئيس النيابة العامة نفسه بحكم أن اختصاصات وزير العدل كرئيس النيابة العامة نقلت إليه، وهو أيضا ممثل النيابة العامة الذي عليه أن يدرس بنفسه الشكوى الموجهة ضده في فرنسا، والتي ترمي إلى إثارة مسؤوليته الجنائية هناك طبقاً للاتفاقيات الدولية التي التزمت بها فرنسا. وهو ما سيحول دون تطبيق مقتضيات البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية التعاون القضائي في المادة الجنائية بين المغرب وفرنسا بشكل تام وغير قابل للحل. إن السبب الرئيس لنشوء المأزق القانوني سالف الذكر هو وضع مفتاح الولوج إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض بين يدي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض دون سواه، وذلك بسبب عدم تعديل المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية أو حذفها نهائيا، بعد نقل اختصاصات رئاسة النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض مما خلق وضعاً شاذا وغريبا، يستحيل معه محاسبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض جنائيا أمام غرفتها الجنائية. إن عدم تعديل المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية أو حذفها نهائيا يعد خرقا جسيماً للدستور لكونها جعلت الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض منزها عن المحاسبة الجنائية، وفي حالة صارخة من تضارب المصالح التي نص الدستور على معاقبتها.