اختار القضاء الفرنسي سياق مناقشة الجمعية الوطنية الفرنسية للبروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية التعاون القضائي في الميدان الجنائي بين حكومتي المغرب وفرنسا، وكذا الخروج الاعلامي لمنظمة العفو الدولية بعقدها ندوة حول التعذيب في المغرب، ليبلغ القضاء المغربي بشكل رسمي بوقائع قضية اتهام مدير مديرية مراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي ب "تورط مزعوم في ممارسة التعذيب بالمغرب". وصرحت المحامية كليمانس بيكتارت التي تتولى الى جانب الرئيس الفخري للفدرالية الدولية لروابط حقوق الانسان المحامي باتريك بودوان الدفاع عن مومني ،بعد تحقيق تمهيدي استغرق 14 شهرا اعتبرت النيابة أن الوقائع جدية بما يكفي لتبرير هذا الابلاغ الرسمي، مؤكدة أنه جرى في 27 مارس. وبموجب الاتفاقات القضائية بين البلدين يترتب على القضاء المغربي إطلاع نيابة باريس بالإجراءات التي ينوي تنفيذها لمتابعة هذا الابلاغ الرسمي، بحسب مصدر قضائي. ولم تغلق نيابة باريس التحقيق التمهيدي بالرغم من انتهاء التحقيقات. ويأتي هذا الابلاغ الرسمي فيما يضع البرلمان الفرنسي اللمسات الاخيرة على اتفاقية جديدة للتعاون القضائي بين البلدين، أبرمت في أواخر يناير. وفي بلاغ نشر نهاية أبريل دعت خمس جمعيات فرنسية للدفاع عن حقوق الانسان، من ضمنها منظمة العفو الدولية بالإضافة الى نقابة القضاة الفرنسيين، دعت البرلمانيين الفرنسيين الى رفض التصويت على مشروع القانون الرامي الى التصديق على تعديلات اتفاق التعاون القضائي بين باريس والرباط. وكانت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية للجمعية الوطنية الفرنسي، النائبة الاشتراكية اليزابيث غيغو قد استمعت الى "مخاوف" هذه الجمعيات الحقوقية، وصرحت أنها "ليست لها نفس القراءة في المرحلة الحالية". وحسب نص الاتفاق الجديد، يتوجب على فرنسا أن تخبر المغرب "على الفور" بكل مسطرة تتعلق بجرائم أو جنح قد يتورط فيها مغربي.. حيث تعتقد جمعيات حقوق الانسان أن ذلك "يمس في الصميم استقلالية القضاء الفرنسي"، على اعتبار مبدأ سرية التحقيق هذا بالإضافة إلى أن مقتضيات البروتوكول الجديد المكمل للاتفاقية القضائية بين البلدين، حسب تخوفات الجمعيات الحقوقية، تضرب في العمق الاختصاص الكوني للقضاء الفرنسي خاصة في ما يتعلق بالجرائم الخطيرة والمتعلقة ببعض القضايا الحساسة. وأجازت الاتفاقية المصالحة بين باريس والرباط بعد خلاف صاخب وغير مسبوق استمر عاما، التي تكللت بلقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وجلالة الملك الملك محمد السادس في قصر الاليزيه. هذا، ولا يمكن للقضاء الفرنسي الاستماع الى أطراف الملف ومن بينهم الحموشي لأن الاتفاقية القضائية الجديدة تلزم فرنسا بإحالة أية شكاية ضد مسؤولين مغاربة الى القضاء المغربي المختص في النظر في مثل هذه القضية. وقد تقدم زكريا مومني، السنة الماضية، بعدما بلغ الى علمه رفع فرنسي من أصل مغربي يدعى عادل لمطالسي، الذي حكم عليه ب10 سنوات سجنا نافذا في قضية تهريب مخدرات، والنعمة أسفاري، المواطن المغربي المتورط في أحداث مخيم إكديم إزيك قرب مدينة العيون، شكاية ضد الحموشي بتهمة »التعذيب«. وأثار رفع عدد من الدعاوى ضد الحموشي أزمة دبلوماسية خطيرة غير مسبوقة بين باريس والرباط التي علقت تعاونها القضائي لأزيد من سنة. وفي ختام التحقيق التمهيدي في قضية مومني، وجهت نيابة باريس الى السلطات القضائية المغربية "ابلاغا رسميا بهدف الملاحقة" عن الوقائع الواردة، بحسب مصدر قضائي. ولا يمكن للقضاء الفرنسي الاستماع الى أطراف الملف ومن بينهم الحموشي. يذكر أن مجلس الحكومة، وافق الخميس الماضي، على مشروع قانون رقم 15-37 يوافق بموجبه على بروتوكول إضافي ملحق باتفاقية التعاون القضائي في الميدان الجنائي الموقعة بالرباط في 18 أبريل 2008 بين الحكومة المغربية والحكومة الفرنسية، موقع بالرباط في 6 فبراير 2015، الذي سبق لفرع باريس لأمنيستي الإعلان صراحة عن رفضه لهذا الاتفاق الذي وضع حدا لخلاف دام سنة كاملة بين البلدين، داعيا البرلمانيين الفرنسيين إلى عدم التصويت عليه، بل إن ممثلين للفرع رافعوا عن هذه الأطروحة. وأوضح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في لقاء صحفي عقب انعقاد المجلس، أن هذا البروتوكول الإضافي يهدف إلى تعزيز التعاون بين السلطات القضائية للبلدين لضمان حسن تدبير الإجراءات، ولاسيما حين تكون الأفعال المبلغ عنها قد ارتكبت على إقليم الطرف الآخر. وأضاف الوزير أن هذا البروتوكول يأتي تبعا لمحضر المفاوضات الموقع بباريس بتاريخ 31 يناير 2015 بين وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، وحافظة الأختام وزيرة العدل الفرنسية. ولقيت الاتفاقية الجديدة انتقادات من قبل منظمات حقوقية، فيما اعتبرت بيكتارت أنها ترمي الى ضمان "استحالة اللجوء الى قاض فرنسي في المستقبل". واعترافا بالدور الهام والجوهري للمغرب في المعركة العالمية ضد الإرهاب، أعلن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازونوف، شهر فبراير الماضي، أن بلاده ستوشح قريبا المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي بوسام جوقة الشرف من درجة ضابط. وشكل توشيح عبد اللطيف الحموشي بأهم وأكبر الأوسمة التي تمنحها الجمهورية الفرنسية لشخصية أجنبية، بعد أن كان ضحية واقعة قضائية غريبة في فبراير 2014، فوق التراب الفرنسي، اعترافا واضحا وصريحا بمهنية وفعالية الأجهزة والمصالح الأمنية المغربية، وخطوة تسير في اتجاه وضع حد لكل المساعي والجهود التي سعت إلى تسميم العلاقات بين فرنسا والمغرب. وتجدر الإشارة إلى أن تفاني وجدية الأجهزة الأمنية المغربية، قد حظيت في أكتوبر الماضي، بتقدير واحترام كبيرين من طرف بلد آخر صديق للمغرب، ويتمثل في إسبانيا التي وشحت المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومديرين مركزيين بالمديرية، تقديرا للدور الذي يضطلع به المغرب في مجال السلم والأمن في العالم«.