ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش العلاقات المغربية الفرنسية

لا شك أن هناك مجموعة من العناصر التي أفضت إلى التوتر الذي يخيم على العلاقات المغربية الفرنسية منذ سنة . بيد أن أبرزها ، وربما العامل الأساس و الملموس داخلها إنما يكمن في محاولة القضاء الفرنسي إعمال ما يعرف بالاختصاص الكوني، عندما قام سبعة من رجال الشرطة الفرنسية بمحاولة تبليغ استدعاء قضائي .إلى مدير إدارة التراب الوطني السيد عبد اللطيف الحموشي بمقر إقامة السفير المغربي بباريز بدعوى التعذيب بناء على شكاية من منظمة غير حكومية ACAT . وأمام صعوبة الحصول على التوضيحات اللازمة من طرف السلطات الفرنسية حول هذا الحادث الذي يشكل خرقا واضحا للأعراف الدبلوماسية ، و خاصة اتفاقية فيينا لسنة 1961 و المتعلقة بالتمثيل الدبلوماسي ، فقد قررت وزارة العدل المغربية تجميد العمل بالاتفاقيات القضائية بين البلدين ، و منها الاتفاقية المتعلقة بالأحوال الشخصية التي تم توقيعها في سنة 1981، حتى يتسنى تقييم جدواها وإعادة تأطيرها بما يتيح تدارك ما يشوبها من اختلالات ونقائص.
لا شك أن هناك مجموعة من العناصر التي أفضت إلى التوتر الذي يخيم على العلاقات المغربية الفرنسية منذ سنة . بيد أن أبرزها، وربما العامل الأساس و الملموس داخلها إنما يكمن في محاولة القضاء الفرنسي إعمال ما يعرف بالاختصاص الكوني، عندما قام سبعة من رجال الشرطة الفرنسية بمحاولة تبليغ استدعاء قضائي إلى مدير إدارة التراب الوطني عبد اللطيف الحموشي بمقر إقامة السفير المغربي بباريز بدعوى التعذيب, بناء على شكاية من منظمة غير حكومية ACAT. وأمام صعوبة الحصول على التوضيحات اللازمة من طرف السلطات الفرنسية حول هذا الحادث الذي يشكل خرقا واضحا للأعراف الدبلوماسية، وخاصة اتفاقية فيينا لسنة 1961 والمتعلقة بالتمثيل الدبلوماسي، فقد قررت وزارة العدل المغربية تجميد العمل بالاتفاقيات القضائية بين البلدين، ومنها الاتفاقية المتعلقة بالأحوال الشخصية التي تم توقيعها في سنة 1981، حتى يتسنى تقييم جدواها وإعادة تأطيرها بما يتيح تدارك ما يشوبها من اختلالات ونقائص.
واضح أن الخلاف بين البلدين قد تفجر بفعل تحريك القضاء الفرنسي لما يعرف بالاختصاص الكوني . لذلك، فإن هذه المساهمة تتوخى فهم هذه المقاربة القضائية التي تحاول بعض الدول إقرارها بناء على بعض القواعد الآمرة للقانون الدولي، وما هي الإشكالات التي تطرحها على ضوء هذه النازلة التي كانت السبب الرئيس في هذا الفتور الذي تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية التي ظلت دائما متميزة، بفعل كثافة التفاعلات بين البلدين، وضرورة مواصلة التعاون من أجل استمراريتها في ظل الاحترام المتبادل .
-1 ماذا يقصد بالاختصاص
الكوني في المقاربة الفرنسية ؟
يشكل مبد أ الاختصاص الكوني أحد مظاهر العدالة الجنائية الدولية . وهو ينطلق من كون بعض الجرائم بما تمثله من خطورة، ومن انتهاك صارخ للقيم الإنسانية تسائل الجماعة الدولية برمتها، وبالتالي، فإن كل الدول لها الحق في مباشرة متابعة مرتكبي تلك الجرائم مهما كان المكان الذي ارتكبت فيه، أو مهما كانت جنسية مرتكبها. وبصفة عامة، تتمثل الجرائم التي تدخل ضمن هذا الاختصاص في جرائم إبادة الجنس البشري، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التعذيب والميز العنصري والعبودية... وبصفة عامة، فإن الاختصاص الكوني يمثل محاولة لتجاوز ما يمكن اعتباره بالمعايير الكلاسيكية للاختصاص القضائي، وهي المتمثلة في الاختصاص الترابي، أي أن محاكم الدولة لا تختص إلا في الجرام التي ارتكبت فوق ترابها، أو الاختصاص الشخصي الإيجابي الذي لايسمح للمحاكم إلا بالنظر في الجرائم التي يكون مواطنوها طرفا فيها، أو الاختصاص العيني وهو الذي يعطي الحق للمحاكم بالنظر في الجرائم التي تمس المصالح الأساسية للدولة.
لكن مبدأ الاختصاص الكوني الذي يستند على بعض القواعد الآمرة في القانون الدولي لايطبق بشكل مباشر وعام، بل لا بد من توفر بعض الشروط التي تسمح بتفعيله، ومن بينها وجود أساس قانوني مضمن في التشريع الداخلي يسمح به، وثانيها أن يكون هناك تحديد واضح للجريمة وعناصرها التكوينية. فضلا عن توفير الوسائل حتى يتسنى للمحاكم الوطنية بالنظر في مثل هذه الجرائم .
خلال التسعينات، عرف هذا الاختصاص اهتماما واسعا بفعل الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي عرفتها بعد الدول كما هو الأمر خاصة بالنسبة للحرب الأهلية في يوغسلافيا التي مورست فيها أبشع الجرائم، أو رواندا التي عانت من إبادة الجنس البشري. وأمام هول تلك الجرائم، وغياب آلية لمنع الإفلات من العقاب، فقد اضطر مجلس الأمن إلى إحداث محكمتين خاصتين بناء على الفصل السابع من الميثاق لمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم . في نفس السياق، فقد جاء اعتقال رئيس الشيلي السابق الديكتاتور أوغستو بنوشي في لندن بسبب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تمت في عهده ليطرح من جديد النقاش حول العلاقة بين الحصانة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب فيما يخص الجرائم المنتهكة لحقوق الإنسان . فقد رفض مجلس اللوردات كمحكمة عليا تمتيعه بالحصانة اعتبارا إلى أن تلك الجرائم لا تدخل ضمن مهام رئيس الدولة . وقد تميزت بلجيكا بتوفرها على تشريع يعود إلى سنة 1993 يرتكز على اختصاص كوني واسع كان يسمح بمتابعة المتهمين بارتكاب الجرائم المنتهكة لحقوق الإنسان حتى و لو كانوا خارج التراب البلجيكي . و قد أفضت بعض الوقائع كما سنلاحظ ذلك إلى تراجع بلجيكا عن هذا الاختيار . وبالتالي عادت إلى الاختصاص الكوني الضيق، أي المربوط بوجود المشتبه فيه فوق التراب البلجيكي .
بصفة عامة، يلاحظ أن هذا الاختصاص بقي مقتصرا على بعض الدول الأوربية الغربية .في حين، فإن كثيرا من الدول ما زالت لم تضع الإطار القانوني الذي ينظم مباشرة المحاكم الوطنية لهذا الاختصاص.
فيما يتعلق بفرنسا، فهي تأخذ بنموذج الاختصاص الكوني الضيق الذي لا يسمح بمتابعة المتهم إلا إذا كان موجودا فوق التراب الفرنسي . ويستند ذلك على مصادقة فرنسا على مجموعة من الاتفاقيات الدولية المناهضة لبعض الجرائم الخطيرة, وفي نفس الوقت إدماج مبدأ الاختصاص الكوني في مدونة المسطرة الجنائية كما هو الأمر بالنسبة للمادة 2- 689 المتعلقة بمناهضة التعذيب أو المادة 3- 689 المتعلقة بالإرهاب . وتربط المادة -1 689 تحريك هذا الاختصاص بوجود المتهم فوق التراب الفرنسي، وذلك على خلاف الاختصاص الكوني في بلجيكا الذي كان يعطي الحق في المتابعة حتى ولو كان المتهم خارج التراب البلجيكي .
لقد قلص هذا التقييد من القضايا التي عالجها القضاء الفرنسي .فبالرغم من الشكايات المتعددة التي رفعها بعض المتضررين أو المنظمات غير الحكومية، فإن القضايا التي تم البت فيها تبقى محدودة . من أبرزها القضية التي تعود إلى سنة 1999 حيث تمت متابعة أحد الضباط الموريتانيين بدعوى ارتكابه لجرائم التعذيب ما بين 1990 و1991. وقد انتهت محاكمته في سنة 2005 بإدانته من طرف محكمة الجنايات في مدينة نيم .
لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن القضاء الفرنسي يتوفر على إطار قانوني يسمح له بتحريك الدعوى بناء على شكاية من مواطن مقيم فوق التراب الوطني ضد كل مسؤول مشتبه في ارتكابه لجريمة مرتبطة بالتعذيب أو الإرهاب. واستنادا على ذلك، قررت إحدى قاضيات التحقيق متابعة مدير الإدارة الترابية بناء على شكاية مدعومة من طرف منظمة غير حكومية مهتمة بمناهضة التعذيب . لكن هذه المتابعة التي تتم في إطار الاختصاص الكوني لا تخلو من إشكالات و خلفيات ينبغي الوقوف عندها.
2 - بعض إشكالات الاختصاص الكوني
سواء تعلق الأمر بفرنسا أو دول أخرى، فإن الاختصاص الكوني لا يخلو من إشكالات يواجهها القانون الدولي:
يتعلق الأول بكيفية تواؤم هذا المبدأ مع مبدأ السيادة الذي يؤسس القانون الدولي اعتبارا إلى أن الدولة تبقى بمثابة الشخص المركزي في القانون الدولي. وفي نفس السياق، فإن العلاقات الدولية حسب ميثاق الأمم المتحدة ترتكز على المساواة السيادية بين مجموع أعضاء المنظمة، حسب منطوق المادة 2 الفقرة الأولى من الميثاق. فمتابعة مسؤول أجنبي خلال قيامه بمهامه قد يعتبر خرقا لمبدأ السيادة و الاختصاص الترابي. وقد ظهرت هذه الصعوبات واضحة عندما تصدى القضاء الفرنسي لمتابعة رئيس الكونغو برازافيل ووزير الداخلية والمفتش العام للجيش ومدير الأمن فيما عرف بقضية الشاطئ بدعوى ارتكاب جرائم مناهضة لحقوق الإنسان , و التي أفضت إلى رفع الكونغو برازافيل لدعوى أمام محكمة العدل الدولية . لكن الضغوط السياسية وتراجع القضاء الفرنسي عن مواصلة المتابعة، دفعت محكمة العدل الدولية إلى التشطيب على الدعوى بعدما لم يقدم الطرفان وثيقة إضافية مكتوبة حول القضية. وقد تم ذلك في 16 نونبر 2010 .
لقد طرح هذا الإشكال بشكل أكثر وضوحا أمام محكمة العدل الدولية التي تعتبر أعلى مرجع قضائي فيما يتعلق بتأويل المعاهدات في قضية وزير خارجية الكونغو هيروديا دمباسي. تعود الوقائع إلى سنة 2000، عندما اصدر القضاء البلجيكي الذي توسع أكثر في الاختصاص الكوني مذكرة اعتقال ضد وزير خارجية جمهورية الكونغو زايير بدعوى ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية عندما كان مديرا لديوان كابلا. وقد رفعت الكونغو دعوى إلى محكمة العدل الدولية تعتبر أن مذكرة المتابعة تمثل خرقا لمعاهدة فيينا الخاصة بالتمثيل الدبلوماسي، والتي تمنح وزير الخارجية خلال مدة عمله حصانة مطلقة. المحكمة في الحكم الذي أصدرته في فبراير 2002تبنت وجهة نظر الكونغو واعتبرت أن القضاء البلجيكي ليس مؤهلا لمتابعة مسؤول من هذا الحجم خلال مزاولته لنشاطه باعتباره يتمتع بحصانة مطلقة. . بيد أنه لا مانع من متابعته إذا فقد تلك الحصانة. . الأمر الذي جعل القضاء البلجيكي يتراجع عن ممارساته . هل يمكن تعميم ذلك ليشمل مسؤولين آخرين يشتغلون باسم دولهم خاصة في قطاعات حساسة . يبدو الأمر كذلك، حيث إن الإدعاء الفرنسي سيتبنى نفس المنطق لرفض الدعوى التي رفعت ضد وزير الدفاع الأمريكي، كما سنلاحظ ذلك لاحقا . في تعليقه على الحكم اعتبر رئيس محكمة العدل الدولية أنذاك في رأيه الفردي أن القانون الدولي لا يقبل الاختصاص الكوني، فبالأحرى الاختصاص الكوني الواسع. وقد تراجعت بلجيكا بفعل تعديل تشريعي في سنة 2003 عن الاختصاص الكوني الواسع حيث لم تعد القوانين البلجيكية قابلة للتطبيق على مواطنين أجانب إذا لم يكونوا موجودين فوق التراب البلجيكي.
الإشكال الثاني يكمن في كون هذا الاختصاص غالبا ما يطبق بشكل انتقائي وفي مواجهة مسؤولين ينتمون إلى دول كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي، وكأن هناك نوعا من فرض الوصاية على القضاء في هذه الدول. ففي فرنسا لم يتردد القضاء في رفض الدعوى التي رفعتها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ضد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق . في 25 اكتوبر 2007 انتهزت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وجود وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد فوق التراب الفرنسي لترفع ضده دعوى أمام محكمة باريز بكونه مسؤولا عن أعمال التعذيب . بيد أن وكيل الجمهورية رفض المتابعة اعتبارا لكون الحصانة القضائية الجنائية لرؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية تبقى قائمة فيما يتعلق بالأعمال التي ارتكبوها بصفتهم الرسمية حتى بعد انتهاء مهامهم. ويمكن توسيع ذلك ليشمل رامسفيلد بوصفه كان وزيرا للدفاع خلال ارتكابه للاعمال المتهم بها . .و هذا التبرير هو الذي أكده المدعي العام بمحكمة الاستئناف وكذا وزيرة العدل الفرنسية أنذاك دون مناقشة فحوى الاتهامات الموجهة له.
الإشكال الثالث يتمثل في التخوف من وقوع تداخل بين ما هو قضائي وما هو سياسي ودبلوماسي. من المفيد التأكيد على مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومن استقلال القضاء في الإضطلاع بمهامه، لكن في نفس الوقت، فإن طبيعة العلاقات الدولية تفرض وجود أعراف دبلوماسية مقررة من طرف اتفاقيات و معاهدات دولية. علاوة على مصالح تخضع لمنطق آخر. فالأسلوب الذي اتبعته الشرطة الفرنسية التي تقدمت إلى مقر السفارة المغربية لتسليم الاستدعاء وربما اعتقال المسؤول المغربي لايمكن قبوله مطلقا . فهو يشكل خرقا واضحا للأعراف الدبلوماسية . فحسب اتفاقية فيينا للتمثيل الدبلوماسي بتاريخ 24 ابريل 1961، فإن مقر إقامة السفير هي مشمولة، كما هو الأمر بالنسبة للسفارة نفسها بحصانة كاملة . ومن ثم، فإن هذا الفعل يشكل خرقا واضحا لمعاهدة دولية. ثانيا، إن الأمر يتعلق بعلاقات بين دولتين تتسمان بعلاقات متميزة وبتعاون دبلوماسي ينبغي احترامه. فالتعاون المغربي الفرنسي يشمل مجالات متعددة من أبرزها المجال الأمني الذي يتطلب تفاعلا بين أجهزة المخابرات في الدولتين لمواجهة الجريمة التي ما فتئت تنمو، وخاصة ما يتعلق بالإرهاب. لذلك، فإن معالجة مثل هذه القضايا الحساسة ينبغي أن يوفق بين مختلف هذه المتطلبات. وبدل الخضوع لتصرفات بعض اللوبيات التي تسعى إلى التشويش، وربما العمل على تخريب العلاقات المغربية الفرنسية المتميزة، كان من الأولى معالجة مثل هذه الإشكالات في إطار القنوات الدبلوماسية القائمة بين الدولتين.
وأخيرا، فإن الإشكال الرابع إنما يكمن في مخاطر إقرار نوع من الترابية بين الأجهزة القضائية في العالم, حيث يعطي الانطباع، وكان قضاء دولة ما أحسن من دولة أخرى . أكثر من ذلك، فهو يجهض محاولة بناء قضاء مستقل في دول أخرى . فمن الواضح أنه بصرف النظر عن المؤاخذات الموجهة للقضاء المغربي، فإن ورش إصلاح القضاء يعتبر من بين أولويات الدولة. وبدل السعي إلى هدم وإجهاض ذلك، من الضروري العمل على مساعدة هذا القضاء على تحمل مسؤولياته خاصة و أن الدستور المغربي الحالي قد أولى هذا القطاع أهمية كبيرة.
لا يمكن اليوم استغلال هذه النازلة لترويج إدعاءات لا يمكن تبريرها بأي وجه كان. فلا يمكن قبول الدفاع عن حصانة أي كان إلا في إطار القانون. ولا أتصور أن المغرب الذي يدفع في اتجاه بناء دولة الحق و القانون يمكن أن يدافع عن مطالب ضد هذه القناعات التي لم يعد يجادل أحد فيها . فتوصيات هيأة الانصاف والمصالحة و الدستور المغربي كلها تؤكد على أهمية الحكامة الامنية في ظل احترام مقتضيات القانون. ومن ثم، فإن كل ممارسة للتعذيب تعتبر منبوذة أخلاقيا و قانونيا في ظل التزام المغرب بالاتفاقيات الدولية في هذا الشأن . لكن أيضا ما ينبغي التأكيد عليه هو ضرورة تمكين القضاء المغربي من التصدي لكل ممارسة في هذا الشأن. ويتطلب الأمر إجراء التحقيقات الضرورية لتحديد حقيقة الوقائع والتمييز بين ملابسات مختلف الحالات. وفي نفس الوقت المتابعة إذا تطلب الأمر ذلك. على هذا المستوى لا يمكن إلا أن نرفض كل وصاية من أي طرف كان.
إن مناهضة الإفلات من العقاب لا يمكن أن يتم تفعيله على المستوى الدولي إلا بانخراط القضاء الوطني بشكل حاسم في هذا المشروع. مما يطرح ضرورة تأهيل واستقلال القضاء . وثانيها لا مناص من تعاون قضائي بين الدول على أساس احترام قضاء كل دولة. فبدون نظام متكامل من القوانين على المستوى الوطني متبنى من طرف عدد مهم من الدول لا يمكن للاختصاص الكوني أن يصبح ركنا من أركان النظام القضائي الدولي. فلا ينبغي للقاضي أن يمنح لنفسه اختصاصات قد تعود إلى السلطات السياسية والدبلوماسية . فهذا قد يشكل ضربة لمبدأ فصل السلطات نفسه.
لذلك، فإن إعادة تقييم الإطار التعاوني في المجال القضائي ينبغي أن يحدد المبادئ التي ترتكز على سيادة واستقلال كل قضاء لكن في ظل احترام مقتضيات الشرعية الدولية والقوانين المنظمة لكل دولة . فالاختصاص الكوني لا ينبغي أن ينظر إليه إلا كمبدأ مكمل .. فهو اختصاص استثنائي و ليس عادي . لا يمكن اللجوء إليه إلا إذا كان هناك شعور بعدم قيام القضاء الوطني بتحريك مبدأ عدم الإفلات من العقاب على أساس المحاكمة العادلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.