اسمه ديمتريوس كاتراكازوس، يوناني الأصل من مواليد جزيرة ليمنوس؛ وكان عمره لا يتجاوز ال14 عاما عندما وصل إلى ميناء الدارالبيضاء قادما من اليونان. في نونبر 1928، حلّ ديمتري بورزازات قادما إليها من واد زم، وقبله حلت القوات الفرنسية ونصبت مخيما بجوار الهضبة المعروفة اليوم باسم "العمالة القديمة"، وعلى الهضبة الشهيرة فتح الفرنسيون ما يدعى آنذاك بمكتب الشؤون الأهلية. كانت قصبة تاوريرت، في تلك الفترة، من بين أهم معالم البلاد ومن أكبر التجمعات السكانية بحوض وادي ورزازات، وكانت تحت حكم آل الكلاوي؛ غير أن إرادة ديمتري في ظل الظروف السائدة جعلت من محيط الهضبة المطلة على الوادي مركزا جديدا بأسس حضارية، أهمها مطعم ومحطة وقود ومتجر ومخدع هاتف ومساكن للعسكريين ومحطة للمسافرين. يعد مطعم ديمتري، الموجود اليوم بشارع محمد الخامس بورزازات، أقدم مطعم؛ ليس في الإقليم فحسب بل في منطقة جنوب الأطلسي عموما. لقد كان المطعم نقطة رواج تجاري- غير مألوف- بالنسبة إلى المسافرين والعسكريين وعمال المناجم ولسائر المحليين. ومع تزايد الإقبال على الخدمات الجديدة واندلاع الحرب بمناطق صاغرو في مواجهة قبائل أيت عطا، فتح ديمتري أول نقطة لبيع الوقود، وتوسع مشروعه ليشمل الجهة المقابلة للمطعم، فدشن بها فندقا ومتجرا يضم تبغا ومشروبات كحولية. بفضل نجاح تجربته الاقتصادية الأولى بقلب شارع محمد الخامس- أكثر المواقع رواجا منذ 1928 إلى اليوم- تحول دميتري إلى شخصية رفيعة المستوى في ورزازات والمناطق المجاورة لها. إلى جانب امتهانه السياحة والتجارة، نشط الرجل في ميدان أشغال شق الطرق والتنقيب عن المعادن والإرساليات؛ ذلك أن دميتري تمكن فعليا من إنشاء مقاولة شاملة ومن خلق روابط متينة مع زبنائه من تجار ومهنيين ومحليين، إذ تكلف بتوفير المؤن وتوزيع السلع وتقديم خدمات متنوعة كخدمة البريد والقروض والدفع المالي المسبق. في جانب آخر، حظي "دومين" دميتري آنذاك بصفقة إطعام الجنود الفرنسيين، ما دفع به إلى مرافقة قوافلهم خارج ورزازات، وتحديدا، إلى تنغير حيث المعارك ضارية ضد مقاومة قبائل أيت عطا. ومن غرائب الصدف وأجملها، يحكى أن دميتري كانت تربطه علاقة وطيدة بعسو أوبسلام، القائدة العام للمقاومة بمنطقة صاغرو. وتعود أصول هذه العلاقة إلى عام 1933 عندما استسلم عسو أوبسلام، بعد معركة بوكافر الشهيرة، واعتقل في خيمة تحت حراسة مشاة سنيغاليين، فأضرب عن الماء والطعام مخافة تعرضه للتسميم من طرف الجنود؛ غير أن دميتري الممون تمكن، وقتئذ، من تزويد القائد عسو ببعض قناني الماء وعلب السردين وأغراض أخرى. ساهم دميترى بشكل كبير في تشكل نواة مدينة ورزازات غير بعيد عن قصبة تاوريرت، ملتقى تجار وزوار المنطقة قبل مجيئه. ونجح الرجل، علاوة على ذلك، في إقناع العديد من الأجانب بالاستقرار في المنطقة وإنشاء مشاريع اقتصادية فيها. لقد تحولت بذلك ورزازات وضواحيها إلى مزار لعديد الناس، مغاربة وأجانب. أتى دميتري إلى ورزازات مشيا في يوم بارد؛ وتلك روح تحد ومغامرة كان يتمتع بها. ألم يكن في سن ال14 عندما قرر خوض تجربته الأولى في هذه النقطة من المغرب العميق؟ في أبريل 1986، خصصت صحيفة "ليكسبريس" الفرنسية عدة صفحات من عددها لمنطقة جنوب الأطلس المغربي، وتحدثت بتفصيل عن تجربة دميتري اليوناني واصفة إياه بالشخص الخارق للعادة. توفي دميتري في نونبر 1991 عن عمر ناهز 77 عاما، وخلفه ابنه بيير. هذا وعمل هذا الأخير على حفظ ذاكرة والده، واستمر في تدبير أنشطته الاقتصادية وظل فاعلا في حاضر ورزازات ومساهما في صناعة مستقبلها.