في غرف وأروقة مستشفى الرقة الوطني الذي كان آخر موقع انكفأ إليه تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة قبل طرده منها قبل عام، لازال مشهد الدمار مسيطرا: أجهزة أشعة تالفة، كراس متحركة مكسّرة، أدوية وأطراف اصطناعية مرمية في كل مكان... وشكل المستشفى الوطني مع الملعب البلدي الواقع على بعد عشرات الأمتار منه آخر موقعين تحصن فيهما تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة التي كانت معقله الأبرز في سوريا. وتعرض الموقعان للدمار على غرار عشرات آلاف المباني المدمرة تماماً أو المتضررة إلى حد كبير في كافة أنحاء المدينة. وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف فصائل كردية وعربية تدعمه واشنطن، في 17 أكتوبر على الرقة بعد أربعة أشهر من المعارك الضارية، وغارات كثيفة شنها التحالف الدولي بقيادة واشنطن، دعماً للهجوم البري. ورغم بدء عودة السكان تدريجياً إلى المدينة، لازال مشفاها الوطني خارجاً عن الخدمة، وعبارة عن غرف وأروقة تملؤها الخردة؛ فلا معدات وأدوية صالحة، ولا أطباء أو ممرضين. وتبدو آثار طلقات الرصاص في جدران مباني المستشفى، بينما جمعت الأسرّة المتضررة والطاولات المهشمة في باحته الأساسية؛ ولا يخلو الطريق الترابي المؤدي إليه من هياكل سيارات محترقة. على أبواب غرف المستشفى، كُتبت عبارة "نظيفة، 9 نونبر 2017" باللغة الإنجليزية، في إشارة إلى تاريخ إزالة الألغام التي خلفها الجهاديون خلفهم في كل غرفة. ورافق محمد حسين (37 عاماً)، عضو هيئة الصحة في مجلس الرقة المدني، فريقا من وكالة فرانس برس في جولة داخل المبنى المتصدع، مشيرا إلى غرف تعمها الفوضى وشارحاً: "هذه كانت غرفة الأشعة. هذه غرفة إسعاف الأطفال، وهذه صيدلية مخصصة لمرضى التنظيم"، وقال: "حين تدخل إليها اليوم لا تشعر أنك تدخل إلى مستشفى، بل إلى كومة من الركام". الخسارة الأكبر بين أروقة وغرف المستشفى الوطني، أمضى حسين سنوات طويلة من حياته، إذ بدأ العمل في المستشفى في العام 2003 ولم يكن عمره يتجاوز حينها 22 عاماً، وبقي يعمل فيه رغم سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة في العام 2014. ولا يغيب عن بال حسين مشهد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية وهم يتحصنون داخل المستشفى، حيث حفروا الأنفاق والخنادق ووضعوا المتاريس. ولازالت الأكياس الترابية تملأ الغرف حتى الآن، وروى لفرانس برس: "خزّنوا المواد الطبية بكميات كبيرة فضلاً عن وحدات الدم والمياه والمولدات الكهربائية". وبعد أيام من حصار فرضته على المستشفى والملعب البلدي، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من تحقيق آخر تقدم لها في المدينة، ورفعت علمها وعلم وحدات حماية الشعب الكردية، عمودها الفقري، فوق المبنيين. وتعمل منظمة أطباء بلا حدود حالياً، وفق حسين، على ترميم جزء من المستشفى، إلا أن الأمر "يحتاج إلى الكثير من الوقت". وقال حسين: "لم يخسر أحد كما خسر أهالي الرقة جراء دمار هذا المستشفى الذي كان يخدم مئات الأشخاص". ومن بين هؤلاء خالد عبود الحسن (60 عاماً) الذي لازم مدينته طوال فترة المعارك، التي قتلت خلالها ابنته قمر (4 سنوات) نتيجة تعرض بناء قريب للقصف. وقال الحسن، الذي أصيب في القصف ذاته بجروح في يده: "أسعفونا إلى المستشفى، حيث خضعت للعلاج أسبوعاً"، قبل أن يضطر إلى المغادرة بعدما طال القصف المستشفى نفسه. وتذكر الحسن مشاهدته لأطباء من أذربيجان داخل المشفى، بينما كانت غالبية الكادر الطبي من السوريين المتحدرين من محافظة حلب. بعد عام من طرد الجهاديين، لازالت الرقة مدينة غارقة في الدمار، وتسير أعمال الإصلاح والإعمار فيها بشكل بطيء. الملعب الأبيض وتحدثت منظمة العفو الدولية الجمعة عن وضع "صادم" في مدينة الرقة التي مازالت مدمرة بنسبة 80 في المائة، داعية التحالف الدولي إلى تحمل تداعيات الغارات التي شنها على المدينة. وقالت ليلى مصطفى، المديرة المشتركة لمجلس الرقة المدني الذي يتولى إدارة شؤون المدينة: "لم نتخذ أي إجراءات بعد لدعم المستشفى الوطني الذي يحتاج إلى مبالغ طائلة". وتحتاج عملية الترميم والتأهيل، وفق مصطفى، إلى ثلاثة مليارات ليرة سورية (ستة ملايين دولار)، عدا عن أجهزة ومعدات "باهظة الثمن". ويُنسق مجلس الرقة المحلي، وفق قولها، حالياً مع جهات أجنبية داعمة، لترميم جزء من المستشفى فقط. وخلال العام الماضي، تمّ افتتاح عيادات خاصة ومستشفيات متخصصة في الرقة، لكنها مازالت غير قادرة على تغطية حاجات سكان المدينة. وعلى مقربة من المستشفى الوطني، يبدو الملعب البلدي الذي أعلنت قوات سوريا الديمقراطية منه "تحرير الرقة" خلال احتفال رسمي أقامته في 20 أكتوبر، أفضل حالاً؛ ورُفعت عند مدخله مجدداً لافتة كُتب عليها "ملعب الرقة المدني"، بعدما أطلق سكان الرقة عليه تسمية "الملعب الأسود"، إذ جعله التنظيم خلال سيطرته على المدينة أحد سجونه المركزية. وتمت إعادة تأهيل أرض الملعب الذي استضاف في أبريل الماضي أولى مباريات كرة القدم. وينهمك العمال حالياً في ترميم المدرج الذي طُليت مقاعده باللون الأبيض. وقال المشرف على إعادة تأهيل الملعب عماد الحماد لفرانس برس: "نسقنا مع مجلس الرقة المدني ومجلس سوريا الديمقراطية عملية إعادة تأهيل الملعب البلدي"، وبلغت كلفتها مائة مليون ليرة سورية، وأضاف: "باتت جدرانه بيضاء اللون، كان يُطلق عليه "الملعب الأسود" وسيصبح الآن الملعب الأبيض". *أ.ف.ب