عندما اتخذوا قرار الانضمام الى صفوف تنظيم الدولة الاسلامية في سورياوالعراق، حلم المقاتلون المحليون او الذين قدموا من كل بقاع الارض، بالاستقرار في دولة "الخلافة" والدفاع عنها حتى الموت، لكن الآلاف منهم انتهوا في مقابر جماعية عشوائية او جثثا مرمية في العراء. وقال التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة لوكالة فرانس برس ان نحو 80 الف مقاتل من تنظيم الدولة الاسلامية قتلوا منذ تأسيسه في سبتمبر 2014، عدا عن الذين قتلوا في غارات الطيران الروسي وهجمات القوات السورية. في الضلوعية الواقعة على بعد 90 كلم شمال بغداد، لا يزال في الامكان رؤية آثار الجرافات التي قامت على وجه السرعة بدفن العشرات من عناصر تنظيم الدولة الاسلامية الذين قتلوا في معارك 2015 في مقبرة جماعية. كما تمكن رؤية بعض بقايا الجثث المتحللة التي يحوم حولها الذباب وسط رائحة كريهة. ويقول الشرطي محمد الجبوري حاملا سلاحه وبينما يقف بالقرب من المقبرة، "كانت ستلتهمهم الكلاب السائبة". ويضيف الشاب الذي قاتل لمنع دخول التنظيم إلى بلدته حيث قتل في المعركة 250 شخصا بينهم شقيقه، "دفنناهم، ليس حبا بهم. كان بامكاننا رميهم في النهر، لكن خشينا ان يلوثوه لان الناس والحيوانات تشرب منه". ويقول شعلان الجبوري، أحد وجهاء البلدة، "دفنناهم بواسطة الجرافات (…) كانت الحشرات تتجمع حولهم لذلك تم دفنهم. كانوا يمنون أنفسهم بالفردوس والجنات وحور العين، لكن هذا هو مصيرهم". على بعد مئات الامتار من المقبرة الجماعية، تقع "مقبرة الشهداء" التي تضم رفات الذين قضوا دفاعا عن المدينة، يحيط بها جدار من حجر الطوب، وعلى كل قبر صورة كبيرة للقتيل الذي سقط خلال المعارك ضد الإسلاميين المتطرفين. وأقيم في باحة المقبرة، بجانب شجرة خضراء تظلل قبرا مغطى بالعلم العراقي، نصب صغير كتب عليه "مقبرة حماة الديار". ويقول عمار خلف الكردي المسن المتطوع لخدمة المقبرة "هذه مقبرة الذين استشهدوا في المعارك التي دامت سبعة أشهر في منطقة الجبور بمدينة الضلوعية". في محافظة الانبار، لعل الجهاديين الأوفر حظا هم الذين قتلوا خلال سيطرة التنظيم المتطرف على المنطقة حتى سنة 2015. ففي وسط مدينة الفلوجة التي كانت أولى المدن التي سيطر عليها مسلحو التنظيم في عام 2014، تكتظ مقبرة بشواهد القتلى وبينهم مقاتلون أجانب يحملون أسماء حركية دفنهم رفاقهم. لكن بالنسبة الى العديد غيرهم، يقول اللواء الركن محمود الفلاحي، قائد عمليات الأنبار حيث توجد آخر جيوب التنظيم، لفرانس برس، "تم دفن جثث داعش في مقابر جماعية"، مضيفا ان بعض القتلى فيها "من جنسيات عربية وأجنبية". ويروي مسؤول عسكري ان العديد من الذين قضوا في غارات الطيران الحربي في المناطق الصحراوية تركت جثثهم في العراء. في محافظة نينوى التي شهدت أعنف المعارك لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل وسجلت سقوط أكبر عدد من القتلى في صفوف التنظيم المتطرف، يقول مسؤول محلي إنه تم دفن الجثث في قبور جماعية باستخدام الجرافات في الأماكن والمواقع التي قتلوا فيها بعد جمع معلومات عن هوياتهم وجنسياتهم. في سوريا المجاورة التي ضمت جزءا من "دولة الخلافة" التي أعلنها التنظيم المتطرف، لا يختلف مصير نحو 50 الف جهادي قتلوا هناك، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، عن مصير الجهاديين في العراق. ويقول مسؤول عسكري سوري لوكالة فرانس برس "نحن مهتمون بما هو فوق الارض أكثر من هؤلاء الذين تحتها". ويقول مسؤول عسكري سوري آخر إن عناصر "تنظيم داعش غالبا لا يتركون قتلاهم في المعارك، ويحاولون قدر الإمكان سحب جثثهم". ويضيف "اذا وقعت الجثث بيدنا، يتم التحقق من هويات القتلى والأوراق الثبوتية، وفي حال كان هناك قتلى أجانب يتم الاحتفاظ بهم حتى يحصل ربما تبادل للمعلومات" مع بلدانهم الأصلية. في صحراء دير الزور (شرق) وحلب او الرقة (شمال)، تركت جثث مقاتلي التنظيم المتطرف في الصحراء. ويقول قيادي في ميليشيا موالية لقوات النظام السوري إن "كلاب الصحراء بانتظارهم". ويضيف "حالما ينتهي القتال تخرج الكلاب" سعيا وراء الجثث. في مدينة الرقة السورية التي تقترب قوات سوريا الديموقراطية، التحالف العربي الكردي، من السيطرة عليها، يقول المتحدث باسم هذه القوات مصطفى بالي إن عناصر التنظيم "يقومون غالبا بدفن الجثث". لكنه يشير الى ان "بعض الجثث تترك وتتفسخ نظرا لوجود قناصة أو لأنها عالقة تحت الأنقاض". ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن ان "الاشخاص المعروفين والمطلوبين من المجتمع الدولي تدفن في أماكن سرية". ويضيف "نحن لا نعرف مثلا أين دفن الجهادي جون (الذي قام باعدام صحافيين غربيين) ولا نعرف أين دفن المتحدث السابق باسم تنظيم الدولة الاسلامية أبو محمد العدناني". ويتابع "حتى الآن لم نسجل إرسال جثث مقاتلين أجانب الى بلدهم الأصلي". خسر أراضي «الخلافة» لكن تهديده مستمر توجت مدينة الرقة هزائم تنظيم الدولة الاسلامية المتتالية في سورياوالعراق لتنحصر "أرض الخلافة" في منطقة ذات طابع صحراوي على جانبي الحدود، لكن تهديده لا يزال قائما سواء عبر الخلايا النائمة أو الانتحاريين او حتى حضوره اعلاميا . وبعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك العنيفة، سيطرت قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن على مدينة الرقة، معقل تنظيم الدولة الاسلامية الذي كان يعد الأبرز في سوريا وأول مركز محافظة خرج عن سلطة النظام السوري. ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيك هاريس لوكالة فرانس برس "حين كانت الخلافة الاسلامية في أوج قوتها في العام 2014، هددت بحكم سوريا من حلب (شمال) حتى الحدود العراقية ثم تراجعت الآن الى منطقة محدودة في دير الزور (شرق) تحاصرها وتتقدم فيها قوات (الرئيس السوري بشار) الأسد وحلفاؤها كما التحالف الدولي بقيادة واشنطن". ورغم احتفاظه بالسيطرة على بعض الجيوب المحدودة في محافظة حمص (وسط) وقرب دمشق وفي جنوب البلاد، يتوقع أن يشكل الجزء المتبقي من محافظة دير الزور "مركز ثقل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا"، بحسب هاريس. وتشكل محافظة دير الزور الحدودية مع العراق مسرحا لهجومين منفصلين: الأول يقوده الجيش السوري بدعم روسي والثاني تنفذه الفصائل الكردية والعربية المنضوية في اطار قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن. وتمكن الجيش السوري الشهر الماضي من فك حصار محكم فرضه التنظيم قبل نحو ثلاث سنوات على الاحياء الغربية لمدينة دير الزور والمطار العسكري المجاور. وفي فترة زمنية لم تتجاوز الاسبوع، تمكن أيضا من طرد الجهاديين من مدينة الميادين التي كانت تعد أحد أبرز معاقله. وبذلك، باتت مدينة البوكمال الحدودية مع العراق آخر معقل للتنظيم المتطرف في شرق سوريا. من الجهة العراقية، لم يعد تنظيم الدولة الاسلامية يسيطر إلا على شريط حدودي محدود يضم مدينة القائم المقابلة للبوكمال السورية. ويقول هاريس "لطالما كان تنظيم الدولة الاسلامية مزمعا على أن تكون دير الزور والمنطقة المحيطة بمدينة القائم في العراق آخر معاقل خلافته". وهذه المنطقة بعيدة وفق هاريس عن دمشقوبغداد، ويفصلها عنهما أراض صحراوية صعب اجتيازها. وتشكل بالتالي "المكان المثالي لتكون دعامة الخلافة الاخيرة". لكن المؤكد أن الحكومتين العراقية والسورية لن تستكينا حتى طرد آخر مقاتلي التنظيم من هذه المنطقة التي تعد استراتيجية لهما ولحلفائهما. ويقول الباحث في شؤون التنظيمات الجهادية أيمن التميمي لفرانس برس "أعتقد أن الحكومتين العراقية والسورية ستعملان على ضمان أمن كافة الحدود على اعتبار أن تجاهل هذه المنطقة لن يؤدي إلا الى تشجيع تنظيم الدولة الاسلامية أكثر في المستقبل". وتصر الحكومة السورية وحليفتها إيران على استعادة هذه المنطقة لمنع الأميركيين من الحؤول دون تحقيق ايران هدفها بضمان طرق برية لها الى سوريا ولبنان مرورا بالعراق، وفق هاريس. وبالتالي، تفضل إيران أن تسيطر قوات الحشد الشعبي، فصائل ذات غالبية شيعية مدعومة من طهران وتقاتل الى جانب القوات الحكومية، على تلك المنطقة بدلا من القوات العراقية التي تحظى بدعم أميركي. وتعد خسارة التنظيم للرقة واحدة من سلسلة هزائم ميدانية م ني بها خلال الفترة الماضية في كل من سورياوالعراق، الدولتين حيث اعلن "الخلافة الاسلامية" في العام 2014 بعد سيطرته على مناطق واسعة فيهما. وشكل طرد التنظيم من مدينة الموصل في يوليو أبرز خسائره في العراق. ورغم هذه الهزائم، ما زال التنظيم يشكل تهديدا كبيرا سواء في سوريا أو العراق أو حتى الدول الاجنبية حيث تبنى خلال السنوات الثلاث الماضية اعتداءات دموية عدة. ويقول هاريس "الحقيقة المرة أن تنظيم الدولة الاسلامية سيكون دمويا في عصيانه (المرتقب) وشبكة خلاياه الارهابية تماما كما هي الحال حين كان مشروع دولة". ومنذ بروزه، عرف التنظيم بوحشيته واعتداءاته الدموية التي نفذها سواء في مناطق كانت تحت سيطرته أم في الخارج. ويتوقع التميمي أن يواصل التنظيم المتطرف في المرحلة المقبلة الاعتماد على استراتيجيته المعتادة من "مداهمات وخلايا نائمة وألغام وانتحاريين". ويضيف هاريس الى ذلك "الحضور الالكتروني القوي" المستمر للتنظيم المتطرف في ما وصفه ب"الخلافة الافتراضية". ونجح التنظيم منذ نشأته في الترويج لنفسه عبر آلة دعائية تصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار حول العالم. واستفاد من مواقع التواصل الاجتماعي ليعمم مقاطع فيديو توثق عمليات اعدام جماعية وقطع رؤوس، وكذلك لنشر بياناته لا سيما تلك التي تبنى فيها تنفيذ اعتداءات خارجية حصدت عشرات القتلى الأبرياء. ومنذ اعلان ابو بكر البغدادي "الخلافة الاسلامية" من الموصل في العام 2014، يحضر التنظيم للحظة التي سيخسرها، بحسب هاريس، ما يفسر انشاءه "شبكة الهجمات الخارجية في أوروبا". بعد ثلاث سنوات، ورغم خسارته أراضي هذه الخلافة، لا يعني ذلك بعد أن نجم التنظيم قد أفل. ويقول الباحث في المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي تشارلي وينتر لفرانس برس "أهم ما كان يمكن لتنظيم الدولة الاسلامية ايديولوجيا القيام به، أنجزه بالفعل وهو اعلان الخلافة واستمرارها لسنوات عدة وجذبه عشرات الآلاف من كافة انحاء العالم للانضمام اليه". ويضيف "أعتقد أن التأثير الايديولوجي لذلك سيكون ضخما جدا ولسنوات عدة مقبلة حتى لو خسر التنظيم مناطق سيطرته في سوريا بعد خسارة مناطقه في العراق". بعيدا عن جبهات القتال.. فيما تخوض قوات سوريا الديموقراطية آخر معاركها لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من معقله السابق في الرقة، ينتظر متطوعون في مجلس الرقة المدني بفارغ الصبر الضوء الأخضر للشروع بحلم اعادة اعمار مدينتهم التي أنهكتها المعارك. داخل مقرهم في مدينة عين عيسى الواقعة على بعد أكثر من خمسين كيلومترا شمال مدينة الرقة، ينهمك أعضاء المجلس من ناشطين ومهندسين ومحامين في عقد اجتماعات ومراجعة الخطط الموضوعة لإعادة اعمار مدينتهم، وهو ما يشكل أولوية مطلقة لهم فور انتهاء المعارك. ويقول عضو المجلس المهندس محمد حسن (27 عاما ) لوكالة فرانس برس "نعرف كل شبر في هذه المدينة وننتظر أن نسمع خبر التحرير بعد أيام". ويتصفح محمد خريطة على طاولة أمامه تظهر مدينة الرقة، ويشير الى محطتين لضخ المياه تحتاجان الى إعادة تأهيل، والى طرق رئيسية يتوجب رفع الأنقاض منها. ويضيف بحماسة "سنبدأ من الخارج ونعمل في طريقنا". وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن من السيطرة على نحو تسعين في المئة من مدينة الرقة التي كانت تعد أبرز معقل لتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا. وألحقت الاشتباكات والغارات التي ينفذها التحالف دمارا كبيرا بالأبنية والطرق والبنى التحتية التي يخطط مجلس الرقة المدني للمباشرة بإعادة تأهيلها فور توقف المعارك. ولعل الجرافات المتوقفة أمام مقره المتواضع المؤلف من طابقين، خير دليل على ذلك. وتأسس المجلس في أبريل قبل نحو شهرين من بدء قوات سوريا الديموقراطية هجومها داخل الرقة في يونيو، بهدف تولي إدارة شؤون المدينة بعد طرد التنظيم منها. ويضم أكثر من مئة عضو من أهالي الرقة. ويتوزع أعضاء المجلس من نساء ورجال من أعمار وقوميات ومذاهب متعددة، وبينهم وجهاء عشائر وشخصيات سياسية وثقافية وناشطون ومتخصصون، على 14 لجنة تنشط في مجالات مختلفة من إعادة فتح المدارس الى إصلاح محطات المياه والكهرباء وصولا الى ترميم المنازل والمستشفيات. ويشكل نزع الألغام التي زرعها تنظيم الدولة الاسلامية في الأحياء والمؤسسات وحتى داخل المنازل، أولوية لجنة الاعمار في المجلس. ويقول رئيس اللجنة ابراهيم الحسن لفرانس برس "إزالة الألغام تحد كبير بالنسبة لنا. لا نستطيع القيام بأي عمل قبل نزعها من المنطقة". ويتابع "إزالة الألغام أولا ، ثم رفع الأنقاض والنفايات، فإعادة تأهيل شبكات المياة والكهرباء والصحة والمدارس. هذه هي الأولويات الأساسية". ومن المرج ح، وفق رئيس اللجنة، استيراد معظم مواد البناء اللازمة لمشاريع الاعمار من المنطقة الكردية المجاورة في العراق، من دون أن يستبعد إمكانية الحصول على امدادات من مناطق تحت سيطرة القوات السورية في حلب ودمشق. ويوضح أن الآليات المتوقفة خارج مقر المجلس هي أول دفعة من اجمالي 56 آلية ستصل في الأسابيع المقبلة، كجزء من دعم توفره وزارة الخارجية الأميركية. ويشرح مسؤول أميركي عن العمليات الانسانية في سوريا لفرانس برس أن الحكومة الأميركية والتحالف الدولي الداعم لعمليات قوات سوريا الديمقراطية، "ملتزمان بمشاريع قصيرة المدى وسريعة الأثر" لإعادة الحياة الى الرقة بعد طرد الجهاديين منها. وتشمل هذه المشاريع دعم عمليات نزع الألغام في البنى الحيوية كالمدارس والمستشفيات وتوفير الدعم الغذائي والصحي بمجرد السيطرة على كامل المدينة. ويوضح المسؤول الاميركي في الوقت ذاته "لكننا لسنا هنا الى الأبد لإصلاح كل شيء. لا مال لدينا أو رغبة لقضاء عشرين عاما في نزع الألغام من المنازل". وقدمت الولاياتالمتحدة الى مجلس الرقة المدني حتى الآن، وفق ما يقول مسؤول أميركي ثان في مجال عمليات الإغاثة الطارئة في سوريا، أكثر من 900 طن من المواد الغذائية تتضمن الأرز والحبوب والقمح. وتم تخزينها في صوامع حبوب أعيد تأهيلها قرب مدينة عين عيسى. كما تتضمن المساعدات خزانات مياه ومستلزمات نظافة لعشرات الآلاف من المدنيين المتوقع عودتهم الى الرقة فور اكمال قوات سوريا الديموقراطية سيطرتها عليها. وتلقى مجلس الرقة المدني دعما ماليا أيضا من الاتحاد الأوروبي لتمويل عمليات نزع الألغام. ويقول عضو المجلس عبدالله العريان لفرانس برس إن التمويل بقيمة "ثلاثة ملايين يورو". ويضيف العريان وهو محام سافر في عداد وفد من المجلس الى روما الشهر الماضي للحصول على دعم مالي "الرقة د مرت لكي لا يضرب الارهاب واشنطن أو باريس أو لندن"، مشيرا الى الشبهات بأن الرقة شكلت مسرحا للتخطيط لاعتداءات حول العالم نفذها التنظيم المتطرف. ويضيف بنبرة حاسمة "الشركاء في الدمار يجب أن يكونوا أيضا شركاء في الاستثمار". وينتظر العريان مع أطفاله الستة الدخول الى المدينة حتى يتمكنوا من رؤية ما تبقى من منزلهم الذي فروا منه قبل 15 شهرا . ويقول أعضاء في مجلس الرقة المدني إنهم غير قادرين حتى اللحظة على تحديد كلفة إعادة اعمار المدينة جراء استمرار العمليات العسكرية وعدم قدرتهم على دخول كل احيائها ومعاينة الدمار عن قرب. وتوضح الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني المهندسة المدنية ليلى مصطفى "لن تكون الرقة المدينة التي تركتها قبل خمس سنوات. بات فيها الكثير من الأوجاع والآلام". وتشدد على أن "مسؤولية اعمار الرقة لا تقع على عاتق أهالي المدينة فحسب"، بل تحتاج الى "دعم المجتمع الدولي"، مؤكدة ان المجلس ليس بوارد التعاون اطلاقا مع النظام السوري في مسألة إعادة الاعمار. وتوضح "لا مشكلة لدينا في التعامل مع شخصيات وشركات (في مناطق سيطرة القوات الحكومية)، لكن على صعيد النظام، لا نتعامل معه سياسيا ولا اقتصاديا ". تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في آسيا يشكل إعلان مقتل قائد تنظيم الدولة الإسلامية في جنوب شرق آسيا ضربة للجهاديين، إلا أن المحللين يحذرون من أن تهديد الجماعة لا يزال قائما مع إمكانية عودة مقاتلين متمرسين من الشرق الأوسط. وأعلن الجيش الفيليبيني أن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الإقليمي ايسنيلون هابيلون قتل في وقت مبكر الاثنين خلال عملية عسكرية في جنوب الفيليبين لإنهاء حصار مدينة مراوي الذي استمر لعدة شهور وأسفر عن مقتل المئات. وأفاد الجيش أن القائد الذي كان على قائمة الولاياتالمتحدة ل"أكثر الإرهابيين المطلوبين"، قتل إلى جانب عمر خيام ماوتي، الذي تحالف مع هابيلون في خطة السيطرة على المدينة، خلال عملية عسكرية انطلقت الفجر. واجتاح مسلحون مؤيدون لتنظيم الدولة الإسلامية في أيار/مايو أكبر مدينة مسلمة في البلد ذي الأكثرية الكاثوليكية بعد محاولة فاشلة من قبل قوى الأمن لتوقيف هابيلون. وبرز هابيلون، الذي يعد شخصية رئيسية في جماعة أبو سياف التي تقوم بعمليات خطف مقابل الحصول على فدية، على رأس تنظيم الدولة الإسلامية في جنوب شرق آسيا عام 2016 عندما انتشر تسجيل مصور يظهر مسلحي المجموعة يحثون المتطرفين على الوحدة تحت قيادته. وكان عمر خيام ماوتي قائدا لجماعة ماوتي التي تشكلت إثر تمرد مسلم انفصالي في جزيرة مينداناو الجنوبية انطلق قبل عقود. وبايعت مجموعته تنظيم الدولة الإسلامية وانضمت إلى عناصر هابيلون لاجتياح مراوي. وكان هابيلون وماوتي آخر قادة المتطرفين الذين صمدوا في وجه العملية العسكرية الهادفة إلى طرد المسلحين من مراوي. والشهر الماضي، قتل عبدالله ماوتي، أحد كبار قادة الجماعة التي تحمل اسمه وشقيق عمر خيام، في المعارك. ولعب هابيلون دورا رئيسيا في جهود تنظيم الدولة الإسلامية لترسيخ وجوده في جنوب شرق آسيا مع اندحار التنظيم في الشرق الأوسط. ويؤكد محللون أن مقتله يشكل بلا شك ضربة للجهاديين. وأشار الخبير في مجال الإرهاب من "معهد اس. راجارتنام للدراسات الدولية" في سنغافورة إلى أن مقتله يشكل "ضربة عملياتية هامة ورمزية للمجموعات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في مينداناو وللقيادة المركزية للتنظيم في سوريا كذلك". إلا أنه حذر من أن نهاية تنظيم الدولة الإسلامية في جنوب الفيليبين أو جنوب شرق آسيا لا تزال بعيدة. وقال "لا يعني اقتراب انتهاء حصار مراوي أن التهديد قد انتهى. سيعاود مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية هناك تجميع صفوفهم (…) وسيختفون لفترة" فيما يعيدون تنظيم أنفسهم. ورجح أن يتولى مقاتل ماليزي متورط في حصار مراوي يدعى محمود أحمد قيادة المقاتلين المرتبطين بتنظيم الدولة الاسلامية في جنوب الفيليبين والتواصل مع الجهاديين في الشرق الأوسط في حال كان لا يزال على قيد الحياة. وتفيد تقارير أن محمود أحمد كان محاضرا في إحدى الجامعات في بلده الأم حيث تولى جمع الأموال من أجل المقاتلين والتجنيد. ولا يعرف كم هو عدد المقاتلين المؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية في جنوب شرق آسيا، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها أكثر من 600 مليون نسمة. إلا أن العديد من المجموعات المحلية المسلحة بايعت التنظيم. ويعتقد أن مئات المقاتلين قد تدفقوا إلى الشرق الأوسط للقتال إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية، تحديدا من أندونيسيا، التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، والفيليبين. من جهتها، حذرت سيدني جونز، التي تترأس مركز أبحاث "انستيتيوت فور بوليسي انالسيس أوف كونفليكت" ومقره في جاكارتا، من أن السلطات تواجه حاليا الخطر المتنامي من عودة المقاتلين الذين تدربوا على القتال إلى جنوب شرق آسيا في وقت يضيق الخناق على تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط مع اقتراب انتزاع معقله السابق الرقة من قبضته. وتخشى السلطات تحديدا من مجموعة جنوب شرق آسيوية تضم مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وتدعى "كتيبة نوسنتارا". وقالت جونز "أعتقد أن الانتباه سيتحول مجددا إلى عودة المقاتلين من سورياوالعراق".