قبل يومين فقط، خاض مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية آخر معاركهم في المشفى الوطني في مدينة الرقة السورية، لكن المشهد تبدل كليا الأربعاء، حيث خيم الصمت على مدخله الخالي إلا من الذباب الحائم حول جثتين متعفنتين. وعلى جانبي الشارع المؤدي إلى مدخل المشفى، كانت كل جثة ممددة إلى جانب دراجة نارية مقلوبة على الأرض، ولا يزال حزام ناسف يزنر إحداها. وأعلنت قوات سوريا الديموقراطية، تحالف الفصائل الكردية العربية المدعومة من واشنطن، الثلاثاء سيطرتها بشكل كامل على مدينة الرقة بعد طرد آخر عناصر التنظيم من المشفى الوطني والملعب البلدي ودوار النعيم. وإلى جانب الجثتين المتحللتين، يمكن رؤية نسخ من القرآن بقربها صناديق أدوية بالإضافة إلى دفتر صغير دونت عليه تواريخ وأرقام هواتف للمكاتب الشرعية التابعة لتنظيم الدولة الاسلامية، وكتب على إحدى صفحاته: "رقم واتس أب زوجتي أم الإسلام المغربية". وبحسب قوات سوريا الديموقراطية قتل 22 مقاتلا جهاديا خلال الهجوم الأخير للسيطرة على هذا المرفق الطبي، الذي يشكل مسرحا لعمليات تمشيط بحثا عن ألغام او عناصر متوارية. وأثناء عمليات التمشيط المستمرة في وسط المدينة، سمعت مراسلة "وكالة فرانس برس" الأربعاء دوي انفجارين من المرجح أنهما ناتجين عن ألغام زرعها التنظيم. وإلى الشمال من المستشفى، تعمل جرافتان على إزالة الركام من الملعب البلدي الذي اعتاد سكان الرقة أن يطلقوا عليه تسمية "الملعب الاسود" كون تنظيم الدولة الاسلامية كان جعل منه أحد سجونه. وفي الرواق الدائري خلف مقاعد الملعب، شاهدت مراسلة فرانس برس زنازين أنشأها التنظيم المتطرف وكان يسجن فيها المدنيين ممن خالفوا تعاليمه المتشددة، على غرار المقاتل في قوات سوريا الديموقراطية احمد الحسن. عاد المقاتل اليافع إلى الملعب الخالي اليوم من مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية لرؤية الزنزانة التي سجن فيها في العام 2015 لسبعة أيام الى جانب 35 رجلا آخر. وكان الجهاديون اعتقلوا الحسن، حين حاول منع أحدهم من اعتقال زوجته بحجة أنها أظهرت وجهها للحظات في الشارع. وقف الحسن في الرواق المظلم، ينظر امامه بسكوت تام، ثم تمتم قائلا "هذا مكان الذل، هنا كانوا يذلون المدنيين". وكتب على جدار زنزانة أخرى باللون الاسود "فرجك يا الله.. ساعدنا يا الله". واستعادت قوات سوريا الديموقراطية السيطرة على الرقة بعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك الضارية التي رافقها غارات كثيفة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن. وبدا الدمار مسيطرا على الرقة. وفي الأحياء الواقعة على أطراف المدينة والتي تمت استعادتها في بداية الهجوم، انتشرت الأضرار من كل حدب وصوب، من منازل مدمرة واخرى انهار سقفها او خلعت ابوابها. الا أن المشهد بدا صادما في وسط المدينة حيث جرت معارك عنيفة جدا للسيطرة على أبنية استراتيجية. وكأن حارات تحولت بأكملها الى أنقاض، فلم يعد من الممكن التفريق بين منزل ومتجر فكل شيء بات مجرد جبال من الركام، حجارة وأنابيب وأسلاك. يتجول المقاتل في قوات سوريا الديموقراطية اسماعيل خليل (35 عاما ) في شارع يؤدي إلى دوار النعيم، الذي استبدل السكان اسمه بدوار الجحيم لكثرة الإعدامات وعمليات الصلب التي شهدها خلال حكم الجهاديين. ينظر اسماعيل من حوله، يهز رأسه أسفا ويقول "يتحدثون عن إعادة إعمار الرقة. أي إعمار هذا؟". يضيف "إنها بحاجة لعشرين عاما لإعمارها من جديد، لقد دمرت بالكامل". من جهتها، قالت كلارا احدى القياديات في العملية العسكرية بينما كانت في دوار النعيم في الرقة لفرانس برس "كامرأة من الرقة دون شك لا استطيع ان اميز بين فرحتي الشخصية وفرحة الكل بالتحرير الكامل". واضافت "اتذكر طفولتي وشبابي امام عيني الآن (…) في غاية السعادة بوصولنا الى هذه الايام الحرة". وتابعت "لم اصل الى منزلي بعد (…) مشينا في هذه المنطقة كثيرا". بدورها، قالت جميلة حمي (45 عاما) المتطوعة مع الهلال الاحمر الكردي "اتذكر كل الجرحى والشهداء الذين رايتهم قبل ثلاثة اشهر في الرقة". واضافت "كم اود ان يكون الاطفال الذين شقت رؤوسهم والشباب الذين فقدوا اياديهم معنا اليوم. نعم، الرقة تحررت لكن المرحلة القادمة أصعب من تلك التي مرت" في اشارة الى عملية اعادة الاعمار.