الحب ذاك المعنى الكبير الذي قد يخترق حياة الإنسان بدون مقدمات ليقلبها رأسا على عقب . من أجله قد يدوس على كل القناعات ويتخلى عن مبادىء قد تبناها لسنوات . وربما يلغي مشاريع وأحلام هي كل حياته ويحارب بسببه أناسا طيبين ربطته بهم دائما علاقات قوية لا لشيء سوى لأنهم وقفوا ضد هذا الحب. عندما يكون المحبوب إنسانا يستحق كل تلك التضحيات قد نهضم الموضوع نوعا ما ، لكننا لا نستطيع سوى أن نسجل علامة تعجب عندما يكون المحبوب إنسانا سيئا لا يستحق، والمحب يعي ذلك تماما ، ومع ذلك يلتمس له كل الأعذار، ويخلق لنفسه من القدرة على المسامحة والصبر على الأذى مما لم يكن ليطيقه مع شخص آخر، مع أمل دائم في تغير الحال . وقد تضيع حياة المحب و هو يرجو تغير حال المحبوب رغم أن الدلائل والمؤشرات كلها تدل على أن قصته معه فاشلة، والسبب أن أدوات العقل والمنطق عنده كلها معطلة، وهو نفسه من أصر على تعطيلها يوم قرر غير مخير أن لا يستمع إلى شيء آخر سوى صوت نبض القلب !! ينصحه كل الناس بأن يبتعد عن ذلك الشخص ، لكن كل أولئك الناس عنده مخطئون . فهم لا يعرفونه كما يعرفه هو ،ولا يحسون به كما يحس به هو . فهو عنده عاقل وإن اتهمه الكل بالطيش، وإن كان طائشا فلا بأس ،لأن الأمل عنده كبير في الهداية !!! وهو عنده طيب وإن اتهمه الكل بالشر، وإن كان شريرا فلا بأس، لأن الأمل عنده كبير في الإصلاح !!!وهو عنده دين وإن اتهمه الكل بقلة الدين ، وإن كان قليل دين فلا بأس، لأن الأمل عنده كبير في التوبة !!! تبتلى شابة بحب إنسان مدمن مخدرات أو كحول ، أو بإنسان سيء الأخلاق ، أو ربما بإنسان تعلم أنه لا يحبها وأنه فقط يستغلها كامرأة ، ومع ذلك يظل التمني والترجي عندها حاضرا وقويا . فهو لا يعرف قيمتها الآن لكنه من الأكيد سيعرفها فيما بعد ، ساعتها سيحبها تماما مثلما أحبته ويقدر لها كل التضحيات والتنازلات التي قدمتها من أجله !!! ويضيع الوقت وتضيع السنين وهي تعيش الوهم وتنتظر المحال ، وتضيع معها فرص ثانية في إقامة علاقة مع شخص آخر يستحق أن تغمره بكل الحب والمشاعر . وقد تبتلى زوجة محبة بزوج خائن وتجد من الصبر على خيانته مما لا تقوى عليه امرأة من جنس بنات حواء، وتسامحه مرات ومرات، بل تلوم نفسها هي بدلا من أن تلومه هو على خيانته، فتجعل من نفسها المقصرة والسبب الأوحد في كونه ابتغى علاقة مع أخرى ، أو تلقي اللوم على المرأة التي خانها معها، فزوجها رجل طيب وتلك المرأة هي من استدرجته وأوقعته في شباكها ، وهو عندها الحمل الوديع الذي تحف به الذئاب !!! بل أحيانا تغمض عينيها عن الخيانة، وتحاول أن تقنع نفسها وهي تخنق عبرتها وتخفي جرحها بأنه وإن خانها فيكفي أنه اختارها هي زوجة وأما لأبنائه ،وذلك وحده عندها يكفي دليلا على أنها حبه الحقيقي، وأن الأخرى ما هي سوى نزوة ستمر ليعود بعد ذلك إلى حضنها !!! والحب لا يفرق بين كبير و صغير فهو يخترق كل القلوب ومن كل الأعمار ، قد يكون المحب إنسانا ناضجا مشهودا له بالعقل والرزانة والاحترام ، وعند حضور المحبوب ، تفلت منه كل أجهزة السيطرة والتحكم فيفقد كل رزانته وهيبته ويتصرف تصرفات صبيانية ،يكثر كلامه وزلات لسانه ، ويحكي قصصا وروايات من الشرق والغرب لا تناسق بينها و لا رابط ، ويفتح مواضيع ويخرج منها دون أن يكملها لينتقل إلى أخرى ...وبمجرد أن ينفرد بنفسه يتنبه إلى ما صدر منه ويؤنب نفسه ويعدها بأن لا تصدر منه تصرفات مماثلة ، لكنه بمجرد أن يرى المحبوب يعود إلى نفس التصرفات الصبيانية مرة وثانية وثالثة ... قد يكون إنسانا متزوجا في منتصف العمر ويقع في حب امرأة ثانية فينسى بحبه لها التزامه تجاه زوجته والميثاق الغليظ الذي أخذه على نفسه يوم ارتبط بها ، بل وينشغل بحبه عن التزاماته العائلية تجاه بيته وأولاده . بل ويفقد التركيز حتى في عمله . انجذاب ، سحر عجيب ، مغناطيس فريد من نوعه يجذب نحو شخص بعينه دون غيره من الجنس الآخر ، سر وضعه الله في كل رجل وامرأة من شأنه أن يكفل للبشرية استمرارها !!! عندما يكون هنالك تجاذب فلا مشكلة لأن تلك هي العلاقة المتوازنة المرجوة ،لكن المشكلة الحقيقية تتجلى عندما يكون الانجذاب من طرف واحد فقط ويرفض هذا الطرف أن ينسحب ، فيصبح في وضعية صعبة يستجدي معها حب الطرف الآخر . فيضيع بذلك كبرياؤه وكرامته وعزة نفسه ويصاب بسبب ذلك بحالة من عدم الرضا عن النفس يتولد عنها صراعات داخلية مع ذاته ، يحاول نتيجتها مرات عديدة أن يرجح كفة الكبرياء والكرامة وعزة النفس عن كفة الحب بالابتعاد عن ذلك الإنسان، لكنه ما أن يراه حتى يعدل وبدون شعور عن قراره . وبما أن علاقة الحب هي ارتباط يستوجب قبولا وانجذابا من الطرفين فإن من حق الثاني أن يرفض العلاقة : • قد يأتي الرفض واضحا وصريحا وبطريقة إنسانية لا تجرح هذا الإنسان المحب وهذا هو المرجو . • وقد يأتي بطريقة لا إنسانية يتم فيها السخرية من مشاعر هذا الإنسان المحب وإهانته . وذاك سلوك لا يصدر إلا من لئيم . • وقد يكون هنالك رفض، لكن الطرف الثاني لا يستطيع الإفصاح عنه مراعاة لشعور المحب أمام كل ما يقدمه من صدق ونبل في المشاعر. وعدم الحسم مع الإنسان المحب هو أكثر شيء من الممكن أن يؤذيه . • وقد يتورط الطرف الثاني في علاقة مع هذا الشخص رحمة وشفقة. وذلك أمر من شأنه أن يؤذي الاثنين . • وقد يكون هنالك عدم انجذاب من الطرف الثاني لكنه يقبل أن يؤسس علاقة مع هذا المحب ، هي من الأكيد ليست حبا متبادلا، مستغلا فيها حبه له لتحقيق مصالح ورغبات مادية . وقد يخضع المحب بسبب ذلك للابتزاز العاطفي ، وهذا ما يحدث غالبا في زواج المصلحة . وشأن أي سحر، يأتي يوم كذاك الذي أحب فيه الشخص بدون مقدمات أو أسباب يبطل فيه مفعول السحر . حدث واحد مفاجىء وتنقشع الغشاوة و يكتشف المحب معه أن عقله كان مغيبا ،وأن حياته من جراء ذاك الحب قد كانت سلسلة من الأخطاء . فجأة يحضر العقل، لكن بعد أن يكون قد غرق في الأخطاء !! يخرج المحب من التجربة سفينة محطمة غارقة يتخبطها الموج من كل ناحية يبحث لها عن مرسى ، وتبدو كل المراسي بعيدة ، ولا طوق نجاة . رغبة أكيدة في الحياة تسيطر عليه ، والغرق يطارده. يبحث عن فرصة واحدة للنجاة،يتمنى لو أن الزمن يرجع به إلى الوراء لتكون القصة غير القصة والرواية غير الرواية ، لكن عقارب الساعة قطعا لا تعود إلى الوراء . متفائلون يقولون أن كل شيء قابل لأن يصلح ، وآخرون يقولون أن ما ينكسر من المستحيل أن يعود كما كان ... والحياة في الأول والآخر تجارب وابتلاءات ، منها ما يكلف مالا، ومنها ما يكلف عمرا، ومنها ما يكلف الإنسان ذاته !!!