يتوجه الناخبون في البرازيل إلى صناديق الاقتراع اليوم الأحد لانتخاب رئيس جديد للبلاد في انتخابات يتوقع لها أن تشهد منافسة شرسة، تعكس ساحة سياسية تتسم بالاستقطاب، ويصعب التنبؤ بنتائجها. ويقول محللون إنه في حال فاز ضابط الجيش السابق، اليميني المتطرف جاير بولسونارو، فسيكون الرئيس اليميني الأكثر تشددا في تاريخ البلاد التي تقع في أمريكا اللاتينية. وتصدر المرشح بولسونارو، الذي يبلغ من العمر 63 عاما، استطلاعات الرأي الأخيرة ب35%، ولكنه يواجه تحديات متنامية من مرشح آخر هو فرناندو حداد (22%)، رئيس بلدية ساو باولو السابق، والذي يبلغ من العمر 55 عاما. واختار "حزب العمال" اليساري فرناندو حداد، وهو من أصول لبنانية، مرشحا بديلا للرئيس الأسبق إيناسيو لولا دا سيلفا، لخوض الانتخابات الرئاسية، إذ يقضي الأخير حكما بالسجن لإدانته في قضايا فساد وتبيض أموال. ويتمتع ثلاثة آخرون من بين 13 مرشحا بحظ وافر للفوز في الانتخابات التي يتوقع لها على نطاق واسع أن تشهد جولة إعادة، حُدد لها تاريخ 28 أكتوبر الجاري. وسينتخب البرازيليون اليوم 513 نائبا اتحاديا (لمجلس النواب)، و53 عضوا لمجلس الشيوخ، و27 حاكما للولايات. ويهيمن "حزب العمال" و"الحزب الديمقراطي الاجتماعي"، الذي ينتمي إلى تيار يمين الوسط، على الساحة السياسية في البرازيل منذ أكثر من عقدين من الزمان. وفاز "حزب العمال" بالانتخابات الرئاسية في جولاتها الأربع الأخيرة. ولكن كشف العديد من فضائح الفساد وتدني الأداء الاقتصادي فتحا الباب واسعا أمام صعود بولسونارو، الذي صار يحمل لقب "ترامب البرازيل" في تلك البلاد التي لم تشهد حركة يمينية قوية منذ انقضاء فترة الحكم العسكري في البلاد عام 1985. وتأتي الانتخابات البرازيلية في أعقاب أسوأ عملية ركود تشهدها البلاد، إذ انكمش الاقتصاد بنسبة 7 بالمائة في العام المالي 2015-2016. كما ألقى عزل مجلس الشيوخ عام 2016 رئيسة البلاد ديلما روسيف، رفيقة دا سيلفا في الحزب اليساري وخليفته في الرئاسة، من منصبها، بتهمة التلاعب بالحسابات العامة لإخفاء الحجم الحقيقي للعجز، بالبلاد في خضم أزمة مؤسسية. وتولى ميشال تامر، نائب روسيف، الذي ينتمي إلى تيار يمين الوسط، مقاليد الأمور في البرازيل بعد عزل روسيف، وحتى نهاية الفترة المتبقية من ولايتها في وقت لاحق العام الجاري؛ وقد تحقق في عهده تعاف اقتصادي، وإن اتسم بنوع من البطء، كما أجرى بعض الإصلاحات التي تعكس ليبرالية جديدة، ولكنها لا تحظى بشعبية بين سكان البلاد. وشهدت الساحة السياسية سلسلة من فضائح الفساد التي عرفت باسم "غسيل السيارات"، والتي ركزت على الرشا التي قدمها رجال أعمال لسياسيين مقابل إرساء عقود مشروعات شركة النفط العملاقة "بتروبراس" عليهم. وشمل الساسة المتهمون الرئيس الأسبق دا سيلفا الذي يقضي حاليا حكما بالسجن 12 عاما، ورغم ذلك فقد تقدم على مرشحي الرئاسة بفارق كبير في استطلاعات الرأي. وساهم سجن دا سيلفا وإقالة خليفته روسيف، وهو ما يراه مؤيدوهما مناورة تهدف إلى إقصاء اليساريين عن سدة الحكم، في خلق حالة من الاستقطاب السياسي في البلاد، ما بين اليسار واليمين المتطرف. ويقول ماوريسو سانتورو، أستاذ علم السياسة بجامعة ريو دا جانيرو: "تورطت الأحزاب السياسية الكبرى، ومعظم الزعماء السياسيين، في فضائح الفساد..وهو ما دفع الأمور صوب البحث عن بديل". ويقول بيتر حكيم، من المركز البحثي "انتر امريكان ديالوج": "كما هو الحال مع ترامب في الولاياتالمتحدة، بولسونارو هو المرشح الذي تعهد بإحداث التغييرات الأكبر والأوسع نطاقا، على الإطلاق، في البرازيل." وأعرب بولسونارو عن إعجابه بالديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل في الفترة بين عامي 1964 و1985، وتعهد بتسليح المواطنين لمجابهة المعدلات المرتفعة لانتشار الجريمة، كما تبنى برنامجا ممعنا في الليبرالية، وأعلن معارضته القوية للإجهاض. وتلقى بولسونارو طعنة سكين يوم 6 شتنبر نجمت عنها إصابة خطيرة، ولم يتمكن من مواصلة حملته الانتخابية سوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ ولكن الهجوم عزز من شعبيته، إذ وصلت نسبة تأييده إلى 26 بالمائة، وفقا لاستطلاعات الرأي. وتقول طالبة تدعى مايارا فيراري، تبلغ من العمر 25 عاما: "يستطيع بولسونارو إنقاذ البلاد، لأنه ليس فاسدا". ويقول مواطن آخر، يدعى فابيو كريستوفوريمايا، وهو يبلغ من العمر 43 عاما، ولا يعمل، إن أكثر ما يروق له في مقترحات بولسونارو هو ما يتعلق بالأمن، مضيفا: "لقد تم قذف البرازيل في العنف". ورغم ذلك، أثار المرشح اليميني غضبا واسعا بسبب تعليقاته التي يراها كثيرون تنطوي على ألفاظ إباحية وكراهية للنساء، وتكشف عن تحيز ضد المثليين. وقد أثار هذا غضب كثير من الناخبات ضد بولسونارو، وربما يفضلن اختيار حداد الذي ينتظر أن يواصل البناء على ما حققه دا سيلفا من إنجازات. وبالنسبة لمعظم البرازيليين، كانت حقبة رئاسة دا سيلفا للبلاد، والتي امتدت في الفترة بين عامي 2003 و2010، "أفضل الأوقات...من حيث النمو الاقتصادي وخفض معدلات الفقر وإتاحة الفرص والتوظيف"، حسب ما ذكره أستاذ علم السياسة سانتورو. وخاض "حزب العمال" حربا ضروسا على مدار شهور طويلة لكي يسمح القضاء للرئيس الأسبق دا سيلفا بالترشح لخوض الانتخابات، ولكن دون جدوى، وهو ما ترك للمرشح البديل، حداد، نحو أربعة أسابيع فقط لحملته الانتخابية. يشار إلى أن حداد أستاذ أكاديمي ووزير سابق للتعليم، غير أنه يفتقد الكاريزما التي يتمتع بها دا سيلفا. ويقول المحلل السياسي حكيم: "لن يمكن لحداد أن يفوز بأصوات ما لم يكن بديلا للولا (دا سيلفا)." وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت شعبية حداد في استطلاعات الرأي لتتجاوز 22 بالمائة، ويأتي ثاني أكثر المرشحين حظا في سباق الرئاسة. ومن المرشحين الآخرين الذين يسعون إلى هزيمة بولسونارو، سيرو جوميز، الذي شغل منصب وزير الاندماج الوطني في عهد دا سيلفا، والذي حل ثالثا في استطلاعات الرأي. ويتنافس جوميز وحداد على الفوز بأصوات ناخبي يسار الوسط. وربما تروق السياسية صاحبة البشرة السمراء، وزيرة البيئة السابقة في البلاد مارينا سيلفا، بأصولها المتواضعة، لناخبي الطبقات الفقيرة والنساء، في حين يمثل المرشح جيرالدو الكمين، حاكم ولاية ساو باولو السابق، بديلا لبولسونارو، حيث يتبنى برنامجا معتدلا محافظا. ويراهن حكيم على حداد، ويقر في الوقت نفسه بأن أمام بولسونارو "فرصة حقيقة" للفوز بالسباق الرئاسي. وفي حين يرى كثيرون أن بولسونارو قد يسعى إلى إقامة نظام سلطوي يدعمه الجيش، يرى حكيم الخطر يكمن في موضع آخر. ويقول حكيم: "الخطر أنه ربما يصبح رئيسا ضعيفا، رئيسا مشوشا (دون اتجاه واضح)، غير قادر على التعامل مع المشكلات الضخمة التي تنخر في أسس الديمقراطية (في البرازيل)."