كان سعد صايل (أبو الوليد) من كبار الضباط الفلسطينيين في الجيش الأردني، قبل أن يلتحق بالثورة الفلسطينية بداية السبعينيات بعد مذابح جرش وعجلون وما مارسه الجيش الأردني ضد المقاومة الفلسطينية التي أصبحت ترعب الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية والأنظمة العربية التابعة لها حينئذ، خاصة بعد معركة الكرامة التي وقعت يوم 21 مارس 1968. والتي فتحت عهدا جديدا في التصدي للكيان الصهيوني وعدم التعويل على الجيوش العربية المهزومة. وبعد رفض الفلسطينيين لمشروع روجرز سنة 1970 الذي كان يهدف الى إيقاف العمل المسلح والتفاوض مع الكيان الصهيوني. كان التحاق القائد سعد صايل بالثورة الفلسطينية إضافة نوعية مهمة للثورة على المستوى العسكري تعزز استراتيجية وتكتيك الثورة في مواجهة جرائمه المتلاحقة. وكان هذا الالتحاق في ظرف دقيق تعرفه الثورة الفلسطينية وكل فصائلها بعد انتقال قوات الثورة من الأردن إلى لبنان حيث وجدت حاضنة قوية بلبنان وفّرتها القوى الوطنية اللبنانية وعلى رأسها القائد التقدمي الكبير الشهيد كمال جنبلاط، كما غذّتها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الموزعة على أرجاء التراب اللبناني. في لبنان عمل القائد سعد صايل على تنظيم قوات الثورة الفلسطينية كقائد لغرفة العمليات. وقد استطاع باعتباره مخطِّطا استراتيجيا، أن يضع خطة لتقوية فصائل الثورة من حيث التنظيم والتدريب والتسليح. ثم ترتيب الخطط العسكرية بحرفية عالية نهل فيها من كل تجارب الجيوش وحركات التحرر العالمية خاصة الثورة الفيتنامية التي كانت تعيش أزهي فترات انتصاراتها ضد الامبريالية الأمريكية بوحشيتها وجبروتها وقوتها العسكرية. وقد كان سعد صايل القائد الصامت يراكم التجارب والانتصارات في علاقته بالقادة الميدانيين في الجنوب، ومن أبرزهم أبو موسى وعزمي صغير وبلال والشبل حسن وقادة آخرون.. حيث جعل من قوات الثورة وفصائلها المسلحة قوة يحسب لها الحساب لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولدى القوى المتآمرة على الثورة سواء قوات "سعد حداد" أو قوات "أنطوان لحد" أو ميليشيا القوات اللبنانية ذات النَّفَس الفاشي. وتعتبر هزيمة قوات لواء غولاني سنة 1978 وهي أعتى قوات الجيش الصهيوني، ثمرة عمل غرفة عمليات سعد صايل ودليلا على براعته في التواصل الجيد مع قوات الثورة وقادتها في الجنوب. رغم أن هده العملية سوف تخلق صراعا أدى إلى إلحاق أبو موسى بغرفة العمليات كمساعد لسعد صايل وإبعاده عن قيادة وقوات كان تكن له التقدير لحنكته وتمرسه. وقد برزت حنكة غرفة العمليات بقيادة سعد صايل أثناء ملحمة بيروت صيف 1982، حيث أبلت الثورة الفلسطينية في التصدي والصمود للحصار العسكري للجيش الاسرائيلي الذي حاصر بيروت الغربية وباشر قصفها بالطيران والمدفعية على مدار الساعة مدة أكثر من ثلاثة أشهر لم يستطع معها جيش الاحتلال التقدم لاختراقها. حيث تحولت الجولة السريعة التي روج لها رئيس وزراء العدو الإرهابي مناحيم بيغن ووزير الحرب أرييل شارون إلى كابوس مرعب لجيش الاحتلال الذي تزايدت خسائره بشكل فظيع. وبعد اتفاقية المبعوث الأممي فليب حبيب التي قضت بخروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت والتوجه نحو الجزائر وتونس واليمن، رفض سعد صايل الخروج مع القيادة الفلسطينية، حيث بقي بلبنان لتنظيم قوات الثورة في البقاع والشمال، وكذا ترتيب الحماية للمخيمات الفلسطينية.. وبشجاعة ومعنويات عالية كان يتجول على مواقع المقاتلين والقوات التي كانت خارج بيروت لإعادة تنظيمها وانتشارها وفق ما تفرضه الظروف الجديدة. وفي هذا الظرف بالضبط سيُكتب لنا التعرف على القائد سعد صايل. كنا مجموعة من المقاتلين المغاربة المتطوعين في صفوف الثورة الفلسطينية بمعية مجموعة من المقاتلين الشباب الفلسطينيين المقيمين بالمغرب، تم نقلنا من منطقة المرج إلى معسكر قرب مدينة زحلة يشرف عليه القائد الفتحاوي أبو خلوي. وقد كنت في نوبة حراسة من الثانية إلى الرابعة صباحا بباب المعسكر وإذ بسيارة "رانج روفر" بيضاء تقف فجأة أمام الباب. طلب مني السائق بهدوء رفع الحاجز والسماح لهم بالدخول. رفضت في البداية... فنزل السائق ونزل من يركب الى جانبه. وقال لي السائق وهو يشير إلى من كان معه.. إنه القايد سعد صايل.. ابتعدت إلى الواء ويدي على زناد بندقية كلاشينكوف، وأجبتهما قائلا: عندي أمر عسكري أن لا أحد يدخل ولو كان أبو عمار.. ابتسم القائد سعد صايل وأشار على مرافقه بيده بهدوئه المعروف وبشكل ودي. ناديت على مسؤول الحراسة، الذي فوجئ بالموقف، وقال لي إنه القائد أبو الوليد (سعد صايل). لكن السائق والقائد أبو الوليد، أخبرا المسؤول عن الحراسة بأنه لا تثريب علي، ما دام أنه لم يقم إلا بالواجب ... دخلوا المعسكر حيث عقدوا اجتماعا، وتناولوا الفطور مع الشباب، وهو اللقاء/الحدث الذي ما زال صديقيّ كمال بلحسن ومحمد أبوبكر يتذكرانه بتفاصيله. كانت هذه أول مرة نلتقي فيها مباشرة بقائد كبير في الثورة الفلسطينية، الذي لم يكن إلا قائد غرفة العمليات ومسطر ملحمة بيروت الشهيد سعد صايل (أبو الوليد). بعد أسبوعين تقريبا من هذا الحدث جاء خبر استشهاده في البقاع على طريق بعلبك شتورة. وباستشهاده قبل ست وثلاثين سنة من اليوم خسرت الثورة الفلسطينية واحدا من أكبر خبرائها الاستراتيجيين وقيادييها الكبار على المستويين العسكري والسياسي. ليلتحق بلائحة طويلة من الشهداء الذين سقوا بدمائهم طريق الحرية الطويل نحو فلسطين.