شكلت الشراكة بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمجلس الإقليمي لاشتوكة آيت باها والجماعات الترابية والجمعيات المسيّرة للنقل المدرسي، وشركاء آخرين، اختيارا في مجال دعم التمدرس بالوسط القروي وتوفير أسطول مهم من السيارات والحافلات، أعطت دينامية قوية لقطاع التربية والتكوين على مستوى الإقليم، وللنسيج الاجتماعي المحلي. ويدخل النقل المدرسي ضمن آليات الدعم الاجتماعي، التي تساهم في حل مشكل بعد المؤسسات التعليمية عن مساكن التلميذات والتلاميذ، وتذليل الصعاب الاقتصادية والجغرافية التي تواجه تمدرسهم .وقد بُذلت، على مستوى اشتوكة آيت باها، مجهودات ذات أهمية كبرى من أجل القضاء على أبرز الأسباب التي تكمن وراء انعدام التمدرس والانقطاع المبكر عن الدراسة؛ وذلك بالتغلب على بعض العوائق الجغرافية والاقتصادية التي تحول دون تمدرس الأطفال المنحدرين من الوسط القروي. الحسين بسموم، رئيس فيدرالية النقل المدرسي والجامعي بدائرة بلفاع ماسة، اعتبر في تصريح لهسبريس أن "خدمة النقل المدرسي لعبت، ولازالت، دورا هاما وأساسيا في المنظومة التربوية والتعليمية"، وزاد: "يتجلى دور القطاع خصوصا في الحد من معضلة الهدر المدرسي، وبالتحديد في صفوف الفتاة القروية، كما لعب دورا في الحد من التحرش الجنسي الذي كان يلاحق القاصرات سالفا، وعلى طول طريقهن إلى المؤسسات التعليمية، وكذا بعض الظواهر المشينة". وأضاف المتحدّث أن إقليم اشتوكة ايت باها يُعدّ رائدا في مجال النقل المدرسي وطنيا، وذلك "بفضل جمعيات وضعت نصب أعيُنها تخفيف المعاناة على التلاميذ والتلميذات وآبائهم. وتتجلى ريادة إقليم اشتوكة آيت باها في مجال النقل المدرسي في كم الأسطول وعدد الجمعيات العاملة في المجال، وكذا عدد المستفيدين والمستفيدات من خدماته، إذ وصل عدد الجمعيات النشيطة في هذا الصدد إلى 70 جمعية، وبأسطول هائل وصل إلى 110 حافلات، منها 75 من الحجم المتوسط، و35 من الحجم الكبير. كما بلغ عدد المستفيدين والمستفيدات أزيد من 6000 تلميذة وتلميذ". هي أرقام تبرز بجلاء الانخراط الإيجابي لهيئات المجتمع المدني والسلطات التربوية والإقليمية والمنتخبة وعدد من الشركاء في مسار توفير الظروف الملائمة لتمدرس بنات وأبناء الإقليم، إذ ساهمت في خفض نسب الهدر المدرسي، لاسيما في صفوف الفتاة بالوسط القروي، كما مكّنت من الرفع من عدد سنوات التمدرس. لكن ورغم ذلك فإن القطاع "لازالت تعتريه وتكتنفه مشاكل وعراقيل واكراهات جمة"، على حدّ تقدير رئيس فدرالية النقل المدرسي والجامعي ببلفاع ماسة. وأبرز المتحدّث أن أهم هذه العراقيل تكمن في "هزالة الدعم الممنوح للجمعيات، خصوصا بعد توقيف الجماعات الترابية للدعم الذي كانت تمنحه للجمعيات المتوفرة عربات النقل المدرسي، وذلك تحت ذريعة كون النقل المدرسي يدخل ضمن الاختصاصات الذاتية للمجلس الإقليمي"؛ هذا بالإضافة إلى "الاكتظاظ المهول الذي عرفه القطاع هذه السنة، ما طرح بعض المشاكل ببعض الجماعات بالإقليم". وأمام الطفرة الجمعوية النوعية التي انطلقت بإقليم اشتوكة آيت باها، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، والتي شكلت نموذجا فريدا ساهم في تنزيل عدد كبير من المشاريع التنموية والبنيات الأساسية، لاسيما في مجال الكهربة القروية والماء الصالح للشرب وبناء الطرق وغير ذلك، فقد كان لقطاع التعليم اهتمام خاص من الجمعيات بكل ربوع الإقليم؛ وذلك من خلال الانخراط في برامج تعليم الصغار ومحو الأمية وتقديم الدعم التربوي، لتنتهي بتوفير وسائل النقل لفائدة التلميذات والتلاميذ؛ وهي الخطوة التي أضحت مجالا للتنافس الشريف بين مختلف الفاعلين الجمعويين. ورغم ذلك يرى الحسين بسموم أن من بين الإكراهات التي تواجه الجمعيات العاملة في المجال "تعقيد المساطر الإدارية أثناء الرغبة في استيراد الحافلات من الخارج، وهي المبادرات التي أقدمت عليها عدة جمعيات، ومكّنت من التخفيف من الأعباء المالية التي يتطلبها اقتناء أسطول جديد، وبطاقة استيعابية أكبر"؛ هذا بالإضافة إلى مشكل "البطائق المهنية للسائقين الذين يتم توظيفهم، وتكوينهم، لما يجب أن يتسلحوا به من إمكانيات تأطيرية، تشفع لهم في تجويد العلاقة بينهم وبين التلميذات والتلاميذ، والتدخل المتّزن في حالة وقوع أي طارئ". وفي جانب آخر اعتبر المتحدّث ذاته أن جوانب عديدة لازالت تُصعّب عمل أسطول النقل المدرسي، وتفرض أعباء إضافية على المكاتب المسيّرة، ومنها "ارتفاع قيمة التأمين والوثائق المتعلقة بالأسطول، وبُعد المسافة المقطوعة، ورداءة المسالك الطرقية ببعض المناطق، ما يؤدي إلى اهتراء الأسطول، والتفاوت في ما يخص الدعم المتعلق بالاقتناء وعدم عقلنته من أجل الاستفادة العادلة، أضاف إلى ذلك العنف وانعدام الأمن بمحيط بعض المؤسسات التعليمية، ما يؤدي إلى إلحاق الأضرار المادية بهياكل السيارات والحافلات؛ كما نُعاني من انعدام فضاء يليق بوضع الأسطول وفي أمان أمام المؤسسات". وإذا كانت المنطقة السهلية لاشتوكة آيت باها شهدت طفرة نوعية في مجال النقل المدرسي، فإنه في المقابل لازالت المناطق الجبلية لم تحظ بنصيبها من هذا الأسطول. وفي هذا الصدد قال إبراهيم أفوعار، رئيس جمعية دار الطالبة والطالب بجماعة تنالت، إن "التلميذات والتلاميذ يُعانون الأمرّين جراء غياب النقل المدرسي، ويضطرون، في بداية الأسبوع ونهايته، إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام، مع ما يُصاحب ذلك من مخاطر، وهو الأمر الذي أثّر بشكل كبير على تمدرس الفتاة في هذه المناطق المهمّشة"، وزاد: "نسجل ارتفاعا في نسب الهدر المدرسي". وأضاف المتحدّث ذاته: "طلبات عديدة، ومرافعات كثيرة، وُجّهت إلى المسؤولين، للفت انتباههم إلى غياب العدالة التعليمية، أهم تجلياتها انعكاسات غياب النقل المدرسي على مستقبل بناتنا وأبنائنا، لكن كل ذلك لم يشفع إلا في استمرار منطق التهميش وعدم الاكتراث للواقع المأزوم الذي فُرض علينا في مختلف مناحي العيش. وندق ناقوس الخطر إزاء تداعيات الواقع الحالي، كما نُطالب بالإسراع في تزويد المنطقة بالنقل المدرسي، حتى لا نساهم في مزيد من تهجير الساكنة وفلذات أكبادها، وتحويل مؤسساتنا التعليمية ودواويرنا إلى مساكن للأشباح". إكراهات عدّة تلك التي لازالت ترخي بظلالها على قطاع النقل المدرسي باشتوكة آيت باها، وهو ما دفع المجلس الإقليمي إلى دعوة الهيئات المعنية إلى اجتماع، خلال الأسبوع الماضي، تداول في شأن إيجاد الحلول الآنية والناجعة من أجل ضمان استمرارية القطاع أداء وظيفته الحيوية. وخرج اللقاء ب"ضرورة تجميع القطاع على شكل هيئة إقليمية يعهد إليها تسيير القطاع، وتوفر لها جميع الإمكانيات وظروف الاشتغال، مع الرفع من سقف الدعم الممنوح، وخلق جسور التواصل بين القائمين على القطاع ومؤسسات الدولة والمجالس المنتخبة والمصالح الخارجية، بالإضافة إلى تبسيط المساطر المتعلقة بالقطاع، وخصوصا عند الاستيراد من الخارج". وفي جانب آخر دعا ممثلو الجمعيات إلى "الانفتاح على المستثمرين الخواص من أجل دعم القطاع والتدخل لدى الجهات المسؤولة عن التأمين والبطائق المهنية وتوحيد التسعيرة من طرف جميع الجمعيات، مع إعادة النظر في عملية الاقتناء عن طريق المبادرة الوطنية وبمعية شركائها، وترجيح عملية الاستيراد، بالإضافة إلى الانفتاح على المؤسسات التعليمية والتعاون معها بخصوص العنف بمحيط المؤسسات التعليمية؛ مع إيجاد فضاءات للمستفيدات، خصوصا في الساعات الفارغة عوض الجلوس بمحيط المؤسسات".