خلف قرار وزارة الأوقاف في الحقل الديني المغربي مجموعة من الردود والانتقادات وهو قرار إحصاء الأئمة والمرشدين والمرشدات وخطباء الجمعة الذين لديهم صفحة على مواقع التواصل الإجتماعي؛ بحيث اعتبرت الوزارة الوصية على الشأن الديني بالمغرب أن كل ما يرد من جهة العلماء والأئمة في منابرهم الإلكترونية مما يتوافق مع الثوابت وما يناسبها من شرح أحكام الدين ومكارمه، يستحق التشجيع من المؤسسة العلمية، وكل ما قد يرد في منبر من هذه المنابر مما ينأى عن هذه الثوابت والالتزامات سيتم التنبيه عليه من جهة المؤسسة العلمية التي لها الصلاحية وحدها للحكم على المضمون.. فهذا القرار أعتبره شخصيا من الأمور الإيجابية والمهمة للحقل الديني المغربي؛ لكون وسائل التواصل الإجتماعي اليوم -فيس بوك وتويتر وواتساب وإنستغرام وغوغل- وغيرها أصبحت من الوسائل الناجحة والمبهرة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله تعالى، والدعوة إلى الخير وإلى مكرام الأخلاق عموما، كما تعتبر سيفا ذا حدين، يمكن استعمالها في أشياء إيجابية تفيد العباد والبلاد ويمكن استعمالها كذلك في أشياء أخرى سلبية، لهذا ينبغي على الفقهاء والدعاة والمشايخ وخطباء الجمعة عندنا في المغرب على ألا يحصروا أنفسهم في منابر خشبية ضيقة وألا يكتفوا بخطبة الجمعة وحدها، التي لا يحضرها أكثر من ألف شخص في أغلب الأحيان ، بينما وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت تستقطب الملايين من الناس وخاصة الشباب منهم، ومنها يأخذون شؤون دينهم. وللأسف ما يعاب على فقهاء المغرب وأئمته هو أن الكثير منهم أغفلوا هذه الجانب الحساس في إيصال المعلومة الدينية الصحيحة عبر هذه الوسائل التواصلية المعاصرة ولم ينطلقوا بمواضيع خطبهم ودروسهم المسجدية ومواعظهم ومحاضراتهم عبر هذه الوسيلة الناجحة (الإنترنت) إلى آفاق أوسع، وخصوصا العالم اليوم يعيش عصر السماوات المفتوحة؛ المعلومات فيه تعبر القارات في ثوان ولا يستطيع أي مخلوق حجزها أو منعها أو احتكارها، فإن كانت خيرا فخيرا، وإن كانت شرا فشرا، لهذا الوسائل التواصلية إذا لم تستخدم وتستغل في نشر الخير والمحبة والإسلام الوسطي الصحيح يمكن أن تستخدم وتستغل من قبل التيارات التكفيرية والجهادية في نشر الشر والفتنة والكراهية والعنصرية والخراب والدمار وتمزيق الأوطان، وهذا ما هو حاصل اليوم للأسف، فدعوة وزارة الأوقاف للمندوبين الجهويين للقيام بإحصاء الفقهاء وخطباء المساجد الذين لهم حسابات جاءت في هذا السياق، من باب الحفاظ على الحقل الديني المغربي من الإختراق من هذه العناصر من جهة، ومن جهة أخرى بغية تأمين خصوصيات المغرب الدينية وهويته الإسلامية. علما أن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله كان قد أصدر مرسوما يمنع بموجبه الأئمة والخطباء طيلة مدة أدائهم لوظائفهم من ممارسة أيّ نشاط سياسي أو نقابي، أو القيام بأيّ عمل من شأنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية، والوزارة المعنية أي وزارة الأوقاف تحاول -ما استطاعت- تطبيق توجيهات هذا المرسوم، حتى لا تتحول بيوت الله إلى حلبة للصراع والتطاحن السياسي والأيديولوجي والمذهبي، ونحن نعلم أن المساجد عندنا في المغرب تدخل ضمن حقل عمل مؤسسة إمارة المؤمنين التي يترأسها الملك محمد السادس، وهو اﻹمام اﻷكبر حسب السياسة الشرعية، فيما يسمى أئمة المساجد باﻷئمة الصغار، والإمامة الصغرى يمثلها إمام المسجد وهو النائب عن اﻹمام اﻷكبر في الشؤون الدينية ومبلغ عنه، وبالتالي فمن تخلى عن خصوصيات هويتنا الدينية المغربية فهو ضمنيا يكون قد احتج على اﻹمام اﻷكبر ونازعه شؤون أموره التي أوكلت إليه دينيا ودستوريا، فالحقل الديني عندنا في المغرب -والحمد لله- يشهد العالمان الإسلامي والغربي بتميزه وفعاليته وانفتاحه ووسطيته؛ حتى أصبح المغرب وخاصة حقله الديني. مدرسة تربوية دينية تمزج في هندسة برامجها بين اﻷصالة والمعاصرة، كما تراعي مستحدثات اﻷمور ومستجدات العصر، وتغيرات الزمان والمكان والحال والأحوال؛ مما يعطيها قوة ومتانة وصمودا أمام صواعق البرق التكفيري والإرهاب الدولي العابر للقارات، فالدين الإسلامي ليس لعبة سياسية أو نقابة عمالية أو فيلم كارتوني، أو جمعية ثقافية، أو قبيلة أو عشيرة أو طائفة أو حزب..الدين أكبر بهذا بكثير، وأكبر مما يتصوره أو يفسره بعض الدعاة والمشايخ ورؤساء الجماعات الإسلامية.. الدين هو للناس كافة، ورحمة للعالمين، ولا تضبط شؤونه إلا بقواعد الدين نفسه، وﻻ يمكننا أن نخلط المسؤوليات واﻷدوار بين السياسي والديني، فالوزارة المعنية بتسيير قطاع المساجد بالمغرب لم تترك اﻷمر فوضى هكذا لمن هب ودب ان يعتلي منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصرخ ويتكلم كيفما يريد، ويقول ما يريد ويكتب ما يريد بدون مراعاة الطوابط والأعراف المتعارف عليها والمتفق عليها والمعمول بها في هذا الشأن؛ لهذا للوزارة المعنية الحق الكامل والصلاحية المطلقة توقيف أي خطيب تراه قد اخترق هذه الطوابط وميثاق الخطباء والمراسيم التي صدرت في هذا الشأن. وهذا أمر ضروري جدا؛ ﻷن هناك أسباب وجيهة لذلك.. تصوروا معي لو فتحنا حرية الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي لخطباء الجمعة وفتحنا لهم كذلك حرية الخطابة في صلاة الجمعة، فنجد أن هناك خطباء يتحينون الفرص لخدمة أجندات مشبوهة خارجية، فهذا الخطيب يريد أن يخدم مثلا أجندة حركة اسلامية ما، والآخر يريد أن يقنعهم بتوجهات حركته أو الحزب الذي ينتمي إليه، وذاك يريد اقناع الناس بفكره التكفيري الداعشي الذي يجري في عروقه، وآخر يريد أن يخطب في الناس بالفكر السلفي الجهادي المتشدد الذي يحرم كل شيء، ولم يترك شيئا مباحا في الكرة الأرضية إلا وحرمه ! وهذا مثالي طوباوي خرافي بعيدا كل البعد عن الواقع المعاصر في خطبه المنبرية، وذاك تحريضي فتان عقيم سليط اللسان يزكي التفرقة الطائفية والمذهبية ويمشي بين الناس بالنميمة، ومنه من هو عدمي مريض يرفض الوجود وقيم الجمال والحب والإبداع والفن والتعايش مع الآخرين..! وكل واحد منهم يرى أن آراءه وأفكاره ومنهجه على الصراط المستقيم، والباقي من التيارات والفقهاء والمشايخ والعلماء والخطباء في ضلال مبين، وكل هؤﻻء لهم أتباع، ولهم مريدون أوفياء يترددون على صفحاتهم ومساجدهم، ما إن تقدم الوزارة على إيقاف أحدهم حتى يواجهونها بالمقاطعة والإحتجاج والخروج للشارع، ومنع الخطيب الجديد من الخطابة وهكذا؛ هنا يأتي احترام تعاليم اﻹمام اﻷكبر، ومن ينوب عنه في الحقل الديني، واﻹمام "جنة" كما جاء في الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الإمام جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ ورائه وَيُتَّقَى به، فإن أمر بتقوى الله وعَدَلَ كان له بذلك أجرٌ، وإن يأمر بغيره كان عليه منه". قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام جُنَّة" أي كالستر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام..". فالإمام الأكبر صمام أمان المجتمع، فإن لم يطاع وتحترم تعليماته وتوجيهاته ومراسيمه تكن فتنة في اﻷرض وفساد كبير، وفي هذا السياق في رأيي الشخصي تعمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لغاية قطع الطريق على كل جهة يمكنها أن تأخذ المنبر مطية لتمرير الخطابات التحريضية والمذهبية والسياسوية والتكفيرية.