تتعد أسباب الهجرة، سواء الشرعية أو السرية، بتعدد نسقها واختلاف الظروف الاجتماعية المرتبطة بمحاولة تجويد نمط العيش لدى الأفراد والجماعات، وبدوافع اقتصادية مرتبطة بانخفاض الأجور وبغياب فرص الاندماج في سوق الشغل وضعف البنيات الإنتاجية وغيرها، بالإضافة الى دوافع أخرى سياسية مرتبطة بالصراعات الأيديولوجية والحروب القبلية والثقافية من خلال محاولة التأقلم مع متغيرات الحياة واكتشاف آفاق مستقرة، أو من خلال الأسباب البيئية، والمقصود "المهاجر الإيكولوجي"، باللجوء إلى بلدان أكثر استقرارا بيئيا نتيجة للظواهر المناخية المتقلبة التي تدفع إلى الهجرة. كل هاته الأسباب وغيرها تجعل المغرب أكثر البلدان عرضت للعبور نحو دول الاتحاد الأوروبي كونه يتمتع بالاستقرار الأمني الذي ينعدم بدول الجوار نتيجة تفاقم الحركات المتطرفة والحروب، سواء التي تشكل رماد الثورات العربية أو المتعلقة بالتطرف الديني. وبحكم موقعه الجغرافي، وأيضا بحكم مسايرة المغرب للتطورات المجالية التي تشهدها إشكالية الهجرة عبر العالم من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والقاري، لا سيما مع الدول المجاورة، بغية التصدي للعصابات وشبكات تهجير الشباب، كما أن المجتمع المغربي يعد مجتمعا تضامنيا يعرف قابلية للتواصل والتعاون بين مختلف الجنسيات، زيادة على الاهتمام المتزايد بالمهاجرين الأفارقة الذين وجدوا في الخطاب السياسي المغربي تجاه الاتحاد الإفريقي و"منظمة سيداو" سبيلا لعبور المغرب، فإن كل هاته الأسباب تسارع عودة موجة الهجرة السرية من السواحل المغربية نحو الإسبانية كبلد عبور نحو باقي دول أوروبا يشكل ازدياد أعداد المهاجرين الواصلين إلى أوروبا عبر إسبانيا مشكلة كبيرة تسلط الأضواء على المغرب ودوره في مكافحة الهجرة غير النظامية. وفيما ما تزال اتفاقيات عديدة محل نقاش بين الجانبين، فإن صورة المغرب في أوروبا أصبحت على المحكّ نتيجة دوافع عديدة لعل أبرزها إتهام المغرب بعدم الحسم في مناطق عبوره وعدم الاتفاق على حل مشترك بين دول الجوار، وهو ما ينفيه المغرب الذي ظل لسنوات مثالاً تسوقه أوروبا على نجاح إدماج المهاجرين، لا سيما الأفارقة، وتنظيم حركة الهجرة إلى إسبانيا ومنها إلى بقية الدول الأوروبية، كما أن الحكومة الإسبانية أيضاً معروفة بسياستها ومواقفها الميالة إلى الرفق بالمهاجرين واللاجئين؛ ما يشجّع الكثيرين على الهجرة إليها، سواء عبر المغرب أو غيره. وبالتالي يمكن القول إن المغرب لم يكن الملام وحده، فإسبانيا بحكم موقعها الجغرافي وسياستها تساهم في تحفيز الهجرة وتوريط مسؤولية المغرب في هذا المجال، خصوصا في ظل الإغلاق شبه الكامل لما يسمى بطريق البلقان أمام المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، ليصبح الانتقال إلى طريق جبل طارق يهدد بموجة جديدة من الهجرة السرية تشبه تلك التي عاشتها أوروبا في صيف عام 2015. يبدو أن الاتحاد الأوروبي يحاول منذ أزيد من 15 سنة ردع هاته الظاهرة عن طريق إبرام اتفاقيات مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين، لكن محاولاته تبقى غير فعالة، أو بالأحرى لا يرى فيها المغرب أي تحفيز لإبرامها من عدمه، كما تواجهها العديد من العقبات لعل أبرزها الخلاف حول مصير القادمين من دول غير المغرب، وهنا أقصد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء؛ بحيث إن الاتحاد الأوروبي يريد أن يستقبل المغرب هؤلاء المواطنين بشكل دائم كما يستقبل مواطنيه، في حين إن الأمر صعب في الظرفية الحالية نظرا لعوامل كثيرة، منها ما هو مادي واجتماعي واقتصادي. كما أن ذلك إذا لم يتم التخطيط له بشكل سليم قد يتعارض مع مسعى المغرب إلى تقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وبالتالي الاتحاد الأوروبي يحاول إحراج المغرب في هذا الباب عبر استغلاله مواقف المملكة القوية مع دول الاتحاد الإفريقي وأيضا سياسته الخارجية في المنظمات الإفريقية. بالإضافة إلى أن جميع مؤشرات التعاون الأوروبي المغربي ما تزال تحبو وتفتقر إلى الجدية، فعقلية المستعمر الأوروبي لم تتجاوز كثيراً مراحل الاستعمار المباشر، فهي ترى في السوق المغربية مكاناً لترويج بضائعها أو بالأحرى أهدافها المتعددة. في مقابل ما تقدم، نهج المغرب استراتيجية وطنية في مجال الهجرة واللجوء، كما أن جلالة الملك محمد السادس كان دائما في مستوى ما ينتظره منه أشقاؤه في القارة السمراء دفاعا عن قضايا الهجرة والمهاجرين؛ فمنذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، يحرص جلالته شخصيا على متابعة قضايا الهجرة ليس فقط على المستوى الداخلي للمملكة، بل أيضا داخل المنتظم الإفريقي، ترسيخا لرؤيته في الإيمان بمكانة القارة التي تشكل الأفق والمستقبل والبيت الكبير. وبالتالي فملف التسوية التي أطلقها جلالة الملك، والتي تميزت خصوصا بحضور المجتمع المدني داخل اللجان الإقليمية ولجنة الطعون، عرفت مسارا متميزا مقارنة مع باقي الدول الإفريقية والعربية حيث تم خلال الفترة الممتدة بين 15 دجنبر 2016 و31 دجنبر 2017، على مستوى 83 عمالة وإقليما، وضع 28400 ملف من أجل التسوية، تمثل 113 جنسية. كما تم في إطار العملية الاستثنائية الأولى لتسوية الوضعية الإدارية للأجانب في وضعية غير نظامية، قبول 23096 طلبا. وبالتالي المغرب بات يمثل نموذجا جيدا من خلال سياسته الإنسانية في الهجرة والتنمية، ومدى تيسير الحصول على بطاقة الإقامة التي خلقت ارتياحا لدى المهاجرين غير النظاميين.