جدل واسع فجّره استخدام كلمات بالدارجة في كتاب مدرسي مغربي، لتنتقل السجالات من العالم الواقعي إلى الافتراضي بين من يقول إن ما حدث يعود إلى تقديرات فردية، وبين من يجزم بأنها خطة رسمية. وتفجر الجدل بهذا الشأن، مطلع سبتمبر الجاري، إثر تداول ناشطين بمنصات التواصل الاجتماعي صوراً لكلمات عامية في كتابين تعليميين. وتعقيبا على ذلك، قالت وزارة التعليم المغربية إن اعتماد أسماء بالدارجة لحلويات أو أكلات أو ملابس مغربية، في مقرر دراسي بالمستوى الابتدائي، "يعود إلى مبررات بيداغوجية (تربوية) صرف". لوبي فرانكفوني "فؤاد أبوعلي، رئيس الائتلاف المغربي من أجل اللغة العربي، قال إن "المسؤولية الإدارية عن هذا الفعل تقع على عاتق وزارة التربية الوطنية، فيما تتحمل الحكومة المغربية المسؤولية عن ذلك سياسيا". ورأى أبوعلي، أن المسؤولية السياسية للحكومة بهذا الخصوص نابعة "من تساهل الأخيرة في ما يتعلق بالجانب اللغوي". وأضاف أن "المطلب اليوم ليس فقط سحب أو تبديل الألفاظ التي تضمنتها المقررات، وإنما التحقيق في من أشرف على إدخال هذه المصطلحات إلى المناهج، من أجل محاسبته، حتى لا يتم تكرار مثل هذا الأمر". ووفق أبو علي، فإن استخدام مصطلحات عامية في المنهج خطوة "غير بريئة"، وإنما تأتي ضمن مخطط يحركه ما أسماه ب"اللوبي الفرانكفوني (الناطق بالفرنسية) في المغرب، من أجل التمكين للغة الفرنسية". من جهته، قال الباحث في الشأن اللغوي أحمد القاري إن الجدل الدائر حول الدارجة والتعليم في المغرب يعتبر "فرصة تدفع بالبرلمان المغربي إلى تحمّل مسؤوليته في مراقبة الإجراءات والقرارات المتخذة في مجال التعليم". كما اعتبر أن الجدل يعد فرصة أيضا للبرلمان ل "سن قوانين صارمة على شاكلة تلك الموجود في أوروبا، تحمي اللغات الوطنية". وشدد القاري على "ضرورة إخراج الشأن التعليمي بالمملكة من يد مجموعة فرانكفونية لا يعرفها الناس، وإعادته إلى المنتخبين الذين يعبرون عن إرادة الشعب". إضعاف اللغة العربية لئن يرى مختصون أن استخدام ألفاظ عامية في مناهج التدريس بالمغرب يرمي إلى إضعاف اللغة العربية والتمكين للفرنسية في المغرب، فإن هذا الهدف يجد سببه، بحسب أحمد القاري، في "العقلية الإقصائية التي يتبناها المتفرنسون ثقافيا ولغويا بالمملكة". وتوضيحا للجزئية الأخيرة، تابع أن "الفرنسية لغة مُقصية ولا تتعايش مع غيرها من اللغات، وهذا ما يفسر عدم اعتراف الدولة الفرنسية بأي لغة أخرى على ترابها". وأردف: "بهذه العقلية نفسها، يفكر المتفرنسون المغاربة الذين لا يرون لأهدافهم نجاحا إلا من خلال إضعاف اللغة العربية". وعن الخطورة المترتبة عن استخدام مصطلحات بالدارجة في كتب مدرسية، يرى أبو علي أنها "لا تقتصر فقط على التمكين للغة الأجنبية في البلاد، من أجل أن تصبح هي اللغة الأولى، وإنما يتعلق الأمر ب"بخطة من قبل الداعمين للعامية في التدريس لخلق منظومة قيم جديدة بديلة عن القيم الوطنية الأصيلة للشعب المغربي". يقظة مجتمعية لا يخفى على المتتبع للشأن المغربي حجم رد الفعل والغضب المجتمعيين اللذين تولدا عقب نشر صور للكتاب المدرسي الذي تضمن مصطلحات عامية. غضب عبّر عنه الكثير من رواد منصات التواصل الاجتماعي في البلاد من خلال دعوات إلى محاسبة المسؤولين وسحب المقررات تارة، ومن خلال نشر صور ساخرة من "الوضع الذي آلت إليه المسيرة التعليمية بالمملكة، تارة أخرى. جدل رأى فيه القاري "يقظة مجتمعية، ومؤشرا مبشرا يدل على أن المجتمع منتبه لمحاولات إضعاف اللغة العربية، وحاضر في مواجهة مثل هذه المخططات". وبحسب القاري، فإن هذه اليقظة المجتمعية "ستدفع حتما نحو أن تصبح مسألة التعليم والنقاش اللغوي حاضرة بقوة في النقاش الانتخابي والسياسي، وأنها لن تبقى في يد جهات خفية لا يعرفها أحد." أما أبو علي، فعاد ليؤكّد على أنّ ما عبر عليه المجتمع المغربي من رفض لهذا "الاختراق اللغوي"، يعتبر رسالة واضحة بأن قضايا الهوية في المغرب لا يمكن التساهل فيها، والتحكم فيها خارج ما يقره الدستور المغربي الذي صوت عليه الشعب. من المسؤول؟ مع أن وزارة التربية المغربية ردّت على الجدل المتفجرّ بشأن المصطلحات الدارجة في الكتاب المدرسي، إلا أن الرد لم يقنع الكثير من المهتمين في البلاد؛ ما دفعهم إلى المطالبة بضرورة سحب المقررات الدراسية، ومحاسبة المسؤولين. ولئن كان من الطبيعي إصدار تعقيب رسمي حول الموضوع، فإن إعلان رئيس الحكومة المغربي، سعد الدين العثماني، عدم السماح أو التساهل في استخدام الدارجة في التدريس، خلق بدوره جدلا آخر حول الجهة المسؤولة عن القيام بهذه الخطوة. ولم يكتف العثماني بذلك، بل انتقد، في كلمة له في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، منتصف سبتمبر، نور الدين عيوش، عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. وجاءت انتقادات العثماني على خلفية تصريحات أدلى بها عيوش الذي يقول مراقبون إنه "صاحب مبادرة التدريس بالدارجة"، اعتبر فيها أن عملية إدماج الدارجة في التعليم "ماضية ولا يمكن إيقافها". وشدد العثماني على أن نور الدين عيوش "لا يضطلع بأي مهمة حكومية حتى يقرر في مستقبل المغاربة"، وفق تعبيره.