يترقب المغاربة قاطبة كل سنة بأقصى شغف وحب حلول يوم عاشوراء، وذلك بالاستعداد لصيامه وتكثير من الذكر والعبادة فيه ونحو ذلك من مختلف العبادات والأفعال الحميدة التي تتماشى مع ديننا الحنيف، وذلك باعتباره يوماً عظيماً أنجى فيه الله تعالى موسى عليه السلام وبني إسرائيل من فرعون وأتباعه، بيد أن بعض الناس وخاصة فئة الشباب والصبيان يفسدون صورة هذا اليوم الجليل جراء ممارستهم وتقليدهم لبعض الطقوس والعادات المستحكمة التي خلّفتها التيارات العقدية المتعاقبة على المغرب، مثل إيقاد النيران، والرش بالماء، والضرب بالبيض.. وغيرها. ولطالما تستوقفني مثل هذه المظاهر كل سنة مما دفعني إلى كتابة هذه المقالة المتواضعة، مجيبا بذلك على بعض الأسئلة التي تحير الناس في مثل هذه الأيام من قبيل: كيف يحيي المغاربة عاداتهم وتقاليدهم في عاشوراء؟ و ما هو سبب صيام المسلمين يوم عاشوراء ؟ لماذا لا يقتصر الناس على آداب عاشوراء وحدها ؟ أليست الطقوس التي أدخلوها فيه مبتدعة ومنكرة ؟ تلكم إذن جملة من الأسئلة سأحاول الإجابة عنها بما تيسر إن شاء الله. آداب صيام يوم عاشوراء. 1 - صيامه: غير خاف على كل مسلم أن السبب الرئيسي في مشروعية صيام الناس ليوم عاشوراء يكمن في اعتبار هذا اليوم يوم عظيم فقد أنجى فيه الله سبحانه وتعالى موسى وبني إسرائيل من قبضة فرعون، كما جاء في الحديث: روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح نجّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم _ أنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه) متفق عليه. 2 -غفران الذنوب: من أهم الثمار المترتبة عن صيام يوم عاشوراء أنه يكفر كل الذنوب والزّلاّت التي يرتكبها الإنسان في السنة الماضية والتي يقع فيها بدون شعور، وذلك كما ورد في صحيح مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية). وهذا كله يبين مكانة عاشوراء، والفضل الجليل المترتب عن صيامه، وما علينا نحن كذلك إلا أن نصومه للحصول على هذا الأجر الزهيد. 3- التوسعة على العيال: فمن الأعمال المستحبة الحميدة التي يقوم بها المسلمون في عاشوراء، زيارة الأقارب والأرحام والتوسعة على العيال والتي بدورها تشكل طريقا لتعميم الفرحة بين أفراد العائلة، حيث يقومون بالاجتماع وتناول بعض الوجبات الخاصة في عاشوراء (الحمص، الجوز، كسكس...) ، وهذا ما يعطي صورة جميلة ذات طابع إسلامي متميز لهذا اليوم، فقد قيل"من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته". وقد جرب كثير من الصحابة ذلك فوجدوه صحيحا كجابر وغيره وبهذا فالحديث رغم ضعف سنده لكن معناه صحيح. وقد أصبح التوسيع على العيال عادة حسنة حتى نظمها الشاعر بقوله: صم صلّ صِل زُر عالما ثم اغتسل *** أس اليتيم امسح تصدّق واكتحل وسّع على العيال قلم ظفرًا *** وسورة الإخلاص قل ألفاً تَصِل 4- زيارة الأقارب وصلة الأرحام. عادة ما نجد السواد الأعظم من المغاربة يصلون أرحامهم في يوم عاشوراء ويتزاورون بينهم وهذه من الخصال الحميدة التي دأب عليها المغاربة لقرون عديدة لما في ذلك من تقوية أواصر العوائل وتوطيد صلة الأرحام. صورة الواقع المغربي في الاحتفال بعاشوراء. يحتفل المغاربة في سائر المملكة الشريفة بيوم عاشوراء الموافق ليوم عاشر محرم من كل سنة، وذلك بإحيائهم لعادات حميدة وتقاليد عريقة ذات طابع احتفالي، حيث تبدأ استعدادات المغاربة لإحياء يوم عاشوراء باقتناء الفواكه الجافة "التمر، والحمص، والجوز.." وتوزيعها على الزّوار والأطفال في الشوارع والأزقة لتعمّ بذلك الفرحة. كما نشاهد كذلك إقبال الناس على شراء لأولادهم لعب عاشوراء المكونة من المسدسات المائية وتعاريج وغيرها من مختلف الأدوات الأساسية لاحتفال الأطفال بعاشوراء والتي تؤدي إلى خلق رواج تجاري مؤقت، وخلال ليلة عاشوراء يلجأ الأطفال إلى جمع الأخشاب وقطع أغصان الأشجار لإضرام النيران عليها، ثم يلفون حولها مرددين أهازيج خاصة بهذه المناسبة مرفوقة بالضرب على التعاريج والدفوف. وتشتد تلكم الاحتفالات أكثر سيما أثناء حضور شخصية أسطورية التي تعرف محليا ب "بابا عيشور" حيث تتغنى بها الفتيات مرددات بذلك عبارة "عيشوري عيشوري دليت عليك عيشوري" ونحوها من مختلف العبارات ذات طابع غربي بامتياز، وهناك من النساء من يستغل هذه المناسبة لممارسة الشعوذة وغيرها. كما نشاهد كذلك بعض الأطفال يقومون بضرب بعضهم البعض بالبيض، والرش بالماء وغيرها، في حين الفتيات يقمن بتزين أياديهن بالحناء، أما الآباء فيقومون بإخراج الزكاة "العشور" وتوزيعها على السائلين والمساكين وهذا كله صورة لكيفية إحياء المغاربة لعوائدهم وطقوسهم في عاشوراء. مظاهر الابتداع في عاشوراء. لا شك أن عاشوراء مناسبة دينية فحلي بنا أن نفعل كل أعمال البر والخير والتكثير من العبادة والذكر وغير ذلك، لكن من المؤسف أن هناك بعض الناس وخصوصا الأطفال والشباب من يتخذ هذا اليوم يوماً غير دينيا فيمارس فيه بعض الطقوس والعادات الغربية المستحكمة التي انصبت في مجرى تقاليدنا المغربية فاختلطت معها، حتى أصبحت عادة مترسّخة ومنتشرة داخل المغرب، ومن هذه العوائد نذكر على سبيل المثال: 1- الرش بالماء: في عاشوراء يستعدون الأطفال لإملاء المسدّسات المائية والبالونات بماء، ويرشّون بعضهم البعض بالماء، ويبللون ملابسهم بالماء، مما يخلق ضوضاء في الأحياء والأزقة، كما كذلك أن بعضهم يملأ هذه البالونات بالماء قبل ذهابه إلى المؤسسة فيخزنها داخل المحفظة ويتلاعبون بها داخل المؤسسة التعليمية، ومنهم من يرميها داخل القسم عبر النوافذ فيبللون الآخرين. 2- الضرب بالبيض: وإلى جانب آخر هناك من يشتري البيض فيضرب بهذه الآخرين ويلوث به الأزقة، فعندما تمشي في أيام عاشوراء في الأزقة والشوارع أينما ولّيت وجهك ترى رقائق البيض المكسور قد امتلأت به أراضي الأزقة والدروب، ويشكل كذلك هذا البيض عائقا لدى بعض الأطفال الذين يخافون أن تتوسخ ملابسهم، فيفضلون الانقطاع عن الدراسة في هذه الأيام، الشيء الذي يؤثر سلبا عن تحصيلهم الدراسي. 3 -إيقاد النيران وغيرها: يلجأ الأطفال إلى إضرام النار والالتفات حولها مرددين عبارات لأسطورة يهودية "بابا عيشور" ، وإلى جانب هذا هناك المفرقعات والشهب الاصطناعية، حيث يلجأ التلاميذ إلى شراء المفرقعات وتخزينها في المحافظ، ومن ثم يطلقونها داخل ساحة المؤسسة التعليمية وتشكل بذلك ضجيجا وتشويشا على التلاميذ الآخرين المؤسسة، وهذا ما يحول المؤسسة إلى فضاء لترويج الظواهر الغربية الخطيرة. 4- الاكتحال: قال الحاكم في كتابه المقاصد الحسنة الجزء الثالث صفحة 180. والاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر وهو بدعة ابتدعتها قتلة الحسين وهذه فائدة نادرة . 5- انتشار السحر والشعوذة: من النساء من يستغل هذه النار لفعل السحر والشعوذة، فقد تواتر عند الغوغاء والسفهاء أن السحر يكون صحيحا في يوم عاشوراء ولذا نجد المشعوذين يقولون لضحاياهم حتى يوم عاشوراء سأفعل وسأفعل ومن ثم شكل يوم عاشوراء في ذهن النساء وعقولهن يوما مقدسا تنفد فيه هدفها ومقصدها وكل ذلك لا يجوز عقلا ولا شرعا. خاتمة: تلكم إذن كانت نبذة موجزة ومختصرة عن مقاصد يوم عاشوراء فقد بدأت بمقدمة تمهيدية أعقبتها بآداب يوم عاشوراء لنتحلى بها ونعمل على وفقها، ثم أتبعتها بمظاهر الابتداع للتحذير منها وتركها وتنبيه النساء والأطفال بأخطائهم الشنيعة حولها وأرجو ان أكون قد قدمت بيانات وتوضيحات حولها وكتبت هذه المقالة عن عجل فلعلي أفصل القول فيها أكثر إن شاء الله في مناسبات قادمة. *طالب بكلية الشريعة أكادير.