دأب المغاربة ، منذ قرون خلت، خلال احتفالهم بيوم عاشوراء الذي يصادف يوم عاشر محرم، على إحياء تقاليد وعادات، ذات طبيعة احتفالية، من أهم تجلياتها اقتناء الفواكه الجافة، وشراء اللعب للأطفال، وإيقاد النيران مع ترديد الأهازيج الاحتفالية من طرف الأطفال والنساء، بالإضافة إلى عادة التراشق بالماء.
وإن كان مرجع هذه العادات والطقوس والتقاليد، التي تمارس ببراءة ، هو المذهب الشيعي الذي كان منتشرا بالمغرب ، خلال القرن الحادي عشر ميلادي.
كما تكون مناسبة للذكر والابتهال إلى الله باعتبارها مناسبة دينية تخرج فيها الزكاة لتوزع على الفقراء والمحتاجين.
* الأصل في مناسبة عاشوراء :
كان يوم العاشر من محرم ،الشهر الأول في السنة الهجرية،يومًا كسائر الأيام في الإسلام حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوجد اليهود يصومون هذا اليوم، ولما علم (ص)أنهم يصومونه بسبب نجاة موسى عليه السلام فيه من فرعون، قال عليه الصلاة والسلام: «نحن أحق بموسي منكم» فصامه وأمر الناس بصيامه. وهكذا بقي حال يوم عاشوراء في حياة المسلمين، يوما مباركا، يصومونه شكراً لله عز وجل على نجاة موسى عليه السلام ، واستمر الحال بعد وفاة الرسول(ص)، بمرور عهد الخلفاء الراشدين من بعده، وزمن خلافة الحسن ومعاوية وبداية خلافة يزيد، إلى يومنا هذا.
* تاريخ عاشوراء :
تذكر كتب التاريخ،أنه في سنة 61 ه طلب شيعة الكوفة من الحسين بن علي بن أبي طالب ،رضي الله عنه ،أن يأتيهم لينصروه ويولوه الخلافة، فأرسل إليهم سفيره وهو ابن عمه مسلم بن عقيل ،ليستطلع حقيقة الأمر، فلما وصل ابن عقيل ، إلى الكوفة خانه الشيعة واعتقلوه ثم سلموه للوالي يزيد بن معاوية، فكان مصير الموت، وكانت هذه أول خيانات الشيعة للحسين، ولم تصل أخبار خيانتهم للحسين إلا متأخرة، مما تسبب في تعرض الحسين رضي الله عنه لمعركة غير متكافئة مع أنصار يزيد بن معاوية الجدد وهم شيعة الحسين الخونة. فدخل معهم في معركة عرفت بمعركة " كربلاء " ضد الخليفة الأموي يزيدبن معاوية ، واشتهر هذا اليوم بيوم ،ثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف كما يسميه المسلمون الشيعة، و في هذا اليوم استشهد الحسين بن علي عليه السلام ، بعدما رفض مبايعة يزيد بن معاوية، على أن يكون أمير المؤمنين.
* الاحتفالات بعاشوراء في المغرب عموما و دكالة خصوصا :
استنادا إلى المذهب السني بالمغرب، فان المسجد والمنزل و المقبرة ، أهم الفضاءات التي تشهد احتفالات بعاشوراء، وتصاحب هذه الاحتفالات، ممارسة الطقوس المستحبة بها بهذه مناسبة ، كالصوم والصلاة وصلة الأقارب وزيارة العلماء والصدقة على اليتامى وزيارة المرضى وتلاوة القرآن والاغتسال والاكتحال وإخراج الزكاة والتصدق بالطعام وغيرها من الطقوس الموروثة عن السلف.
وتبقى الفضاءات العمومية ، بجميع المدن المغربية أيضا مكانا ، يشهد إقامة التظاهرات والمهرجانات والحفلات والطقوس، حيث يشارك الجميع من أطفال ونساء ورجال ويتقاسمون الأدوار التي تستدعيها تلك الحفلات والطقوس.
* الاحتفالات بمنطقة دكالة : تبدأ استعدادات الدكاليين بإقليم الجديدة، لتخليد يوم عاشوراء ، مع فاتح السنة الهجرية ( فاتح محرم ) ، حيث تنتشر محلات بيع الفواكه الجافة ، وخصوصا التين والتمر والجوز والحمص والحلوى ... ولعب الأطفال ، من مسدسات مائية وأواني وتعاريج ودمى وغيرها ،والتي يقبل عليها الناس من مختلف الأعمار، مما يخلق رواجا تجاريا ولو مؤقتا ينعش التجارة. وللأطفال طقوسهم الخاصة بعاشوراء ، حيث انه منذ فاتح محرم يتجند الأطفال لتجميع الأشواك والحطب و العجلات المطاطية استعدادا لإشعال النار ليلة التاسع من هذا الشهر، حيث يتحلق حولها الكبار و الصغار الذين يشرعون في القفز فوقها في جو تسوده الندية. وقبل ليلة عاشوراء بيومين ،تظهر شخصية "بابا عيشور" الأسطورية، تتغنى بها الفتيات وهن ينقرن على تعاريجهن مرددات عبارة " عيشوري عيشوري دليت عليك شعوري "
وخلال ليلة العاشر من محرم يقوم الأطفال بإضرام النيران في الأخشاب وأغصان الأشجار، التي يحضرونها ويجمعونها خصيصا لهذه الليلة المتميزة عندهم، والتي ينتظرونها كل سنة بشغف كبير، وعندما يضرمون النار ،يلفون حولها مرددين بمعية الفتيان والنساء أهازيج خاصة بهذه المناسبة،ممزوجة بالضرب على الدفوف والتعاريج. لكن بعض النسوة يستغلن هذه المناسبة بدافع الجهل،للممارسة أنواع الشعوذة والدجل، حيث ترمي بعض النسوة ،الطلاسم و قطع الأثواب و المناديل الممزوجة بمواد السحر وسط هذه النيران للنيل من قوة الرجال و تحويلهم إلى عجين طيع بين أيديهن.
وفي صبيحة اليوم الموالي، يشرع الأطفال والشبان ، على حد سواء،في رش بعضهم البعض بالمياه في مهرجان مائي يطلق عليه المغاربة عموما "التزمزيمة" التي تستمر طيلة اليوم. لكن هذه العادة قد يستغلها البعض، الذي لا يحترم العادات والتقاليد ،كما ورثناها عن أجدادنا، إلى مظاهر للفوضى ،حيث تتحول إلى مطاردات في الدروب والأزقة ، من طرف شباب طائش ، ليشق المارة بالماء،و قد تنتهي بالشنآن و الخصام.
وعندما يسدل الليل ستاره، تجتمع الأسر حول وجبة الشاي ممزوجا بتناول الفواكه الجافة وخاصة اللوز و الجوز، وتليه وجبة الكسكس المعدة بقطع اللحم المجفف المتبقي من عيد الأضحى المعروف " بالقديد "، ضمن سمر ليلي لا يخلو من متعة، حيث تجتمع العائلات وتتم صلة الرحم.