رغم الإضراب.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون الإضراب    الراشدي: الشباب الفئة الأقل ثقة في المؤسسات ويعتبرون أن السياسات العمومية غير جادة في مكافحة الفساد    مجموعة إسبانية تعتزم افتتاح منتجع فاخر في طنجة    "وسط صمت الدول العربية".. ترامب يعلن عزمه تولي السيطرة على غزة ويجدد الدعوة لترحيل سكانها إلى دول مجاورة    منصة "واتساب" تعلن عن تحديث جديد لتشات جي بي تي داخل تطبيقها    نتنياهو: إسرائيل لن تتراجع عن أهدافها ولن تسمح ببقاء حماس في غزة    الناشط إسماعيل الغزاوي يعانق الحرية اليوم بعد تخفيض عقوبته الحبسية    الخنوس يتوج بجائزة أفضل موهبة في الدوري البلجيكي للمرة الثانية    رونالدو بعد بلوغ سن الأربعين: أنا أعظم لاعب في التاريخ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    توقيف شخص بطنجة متورط في النصب والتزوير وحجز مئات الوثائق التعريفية بحوزته    انتقادات لعدم تنفيذ الحكم ضد المتهمين في قضية "كازينو السعدي" رغم صدور قرار النقض    حادث سير مروع يسفر عن وفاة سيدة وإصابة 18 شخصا    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    أولمبيك آسفي يتمسك بمدربه أمين الكرمة بعد فترة توتر    لقجع: المداخيل الضريبية سجلت نسبة إنجاز بلغت 110,8 في المائة    بوانو يرد على الطالبي بعد تصريحه حول "خيانة الانسحاب" من التصويت على قانون الإضراب    انتحار ستيني في ظروف غامضة بحي الديزة بمرتيل    تنقيط لا يليق بالحارس الرجاوي أنس الزنيتي في مباراته الأولى مع الوصل    "كاف" يعلن مواعيد قرعة ربع نهائي أبطال أفريقيا والكونفدرالية    بلقاسمي: ملعب الرباط سيدخل كتاب " غينيس"    ميلان يعلن تعاقده مع جواو فيلكس على سبيل الإعارة    الريفي يستعرض بباريس الأهمية الاستراتيجية للفلاحة بالمغرب ودورها الاقتصادي والاجتماعي    فورد تعلن عن عودتها إلى الفئة الملكية لسباقات التحمل    عمال النظافة بتطوان ينضمون للإضراب العام    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    كيوسك الأربعاء | إطلاق الدعم لفائدة المقاولات المستفيدة من "صندوق التحدي 2"    أسعار الذهب ترتفع إلى مستوى تاريخي جديد    البريد بنك يحصد 3 ألقاب في Les Impériales 2025    نقطة نظام.. المغرب إلى أين؟    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    النصب على ضحايا زلزال الحوز يُورّط مقاول ونائب رئيس جماعة وموظف    حزب "التقدم والاشتراكية" ينتقد سياسات الحكومة ويؤيد الإضراب الوطني العام    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    الحكومة حريصة على توفير المواد الاستهلاكية بوفرة خلال شهر رمضان المبارك    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    وصلة إشهارية تضع "وفاكاش" في مرمى انتقادات التجار والمهنيين    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    أخبار الساحة    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث إسلامي يُرسي الفوارق بين "أعجمية عيوش" وعربية القرآن
نشر في هسبريس يوم 17 - 09 - 2018

خرج نور الدين عيوش هذه المرة بتصريح ليس كمثله تصريح، إذ قال إن القرآن لم ينزل باللغة العربية؛ وهذا له احتمالان ثالثهما مرفوع، إما أنه لم يقرأ القرآن الكريم قط ولم يتدبره، أو أن ربنا – والعياذ بالله – قد كذب علينا يوم أخبرنا بأنه أنزله قرآنا عربيا غير ذي عوج. وبما أن الاحتمال الثاني باطل، توجَّهَ التأشير إلى الاحتمال الأول.
ألم يكن عيوش يعلم أنه بهذا التصريح، ونعته للمخالفين له في ذلك ب"الحمير"، سيفقد دعم جميع الفئات والأحزاب والاتجاهات؟ ألم يكن يعلم أن القرآن نزل بلسان عربي فصيح، وهو اللسان عينه الذي كان الناس يتكلمون به بمكة ويتواصلون به في حيواتهم المعيشة؟ أليس هو اللسان عينه الذي تكلم به رسول الله صلى الله عليه نفسه، وبه كان الناس يتداولون بمكة حواراتهم ومفاوضاتهم وأسئلتهم وأشعارهم، غزَلها وهجائها وفخرها ورثائها، وقتائها وفومها وعدسها وبصلها؟!.
فهل أخبر جبريل نور الدين عيوش بغير ما يعلمه الجنين في بطن أمه، والرضيع في المهد، والأجداد في الخيام، والحيوانات في الأدغال، والجمادات في الأكوان؟ فكلهم يعلمون بالتواتر حسا وعقلا أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي أفصح، أي باللسان الذي تكلم به العرب أوقات نزوله، بل وبأفضل التعابير والتراكيب التي يحلم بها العربي وتشرئب إليها نفسه.
أعتقد أن تواجد مثل هذه التصريحات استنبات في غير حيز، وزرع في مشتل مشغول، وأن الشعب المغربي لذو ذوق عربي رفيع راق، يشم رائحة التدرج بالتدريج والتلهيج قبل التخطيط له، بله إبّانه وإبان تنفيذه، ويعرف لغة المكر من لحن الحركة قبل القول بالتلميح، بله إبانه وإبان التصريح به. لأنه بتبني المملكة المغربية للإسلام دينا، تكون قد علمت بالبداهة والضرورة أن وسيلته الضامنة لاستمراره هي اللغة التي نزل بها، وأوحي إلى نبينا بها، وذلك للتمكن من فهمه في سياقاته، وتحكيم مفرداته إلى الاستعمال الشائع آنذاك، لكي لا نتغرب عن كتاب الله مع الزمن؛ أما غيرنا من العجم ممن وصله مترجما فهو معذور؛ لذلك تجدهم في شرق آسيا يستميتون في تعلم لغة القرآن، باعتبارها الأصل المؤهِّل للتعاطي مع هذا التراث العظيم عوضا من العيش على الترجمات التي لا تعبر إلا عن فهم المترجِم للأصول المنقول عنها.
فهل العرب لم يعرفوا أن القرآن الكريم عربيٌّ، فأخطؤوا بجعله أصل العربية الأول، ومقتبسها الأنور، ومستنارها الأضوأ؟.
فلا عذر لنور الدين عيوش، إلا أنه لما قرأ عن القرآن في بعض المجلات أنه نزل مراعيا للغات العرب ولهجاتهم، ظن أن لهجاتهم لم تكن فصيحة، وأنها مثل لهجاتنا المتداولة والدارجة بين الناس هذه الأيام، وذلك لاختلافهم في تسمية بعض المسميات، واختلافهم في بعض الضوابط اللغوية والنحوية، كما اختلف بعض أهل اليمن في ضبط إعراب الأسماء الخمسة أو الستة، كما قال رؤبة بن العجاج [إن أباها وأبا أباها ***قد بلغا في المجد غايتاها] فيما نسبه له الجوهري، على خلاف ما استقر عليه علم النحو عند الكوفيين والبصريين؛ وكذلك كأداة التعريف [أم] بدلا من [أل] في لغة حِمْيَر، أو [أو] كأداة تعريف بدلا من [أل] عند بعض قبائل شمال اليمن، بل عند مملكة لحيان ممن كانوا يسكنون مدائن صالح، كانوا يضعون [ه] في أول الكلمة المعرفة بدلا من [أل] فيقولون "هرجل"، "هشمس"، وهكذا. فكل هذا فصيح لا لحن فيه ولم يخرج عن العربية، لأن لهجات القبائل العربية هي الفصحى عينها، إلا في نظر [العجماوات] و[العجم] و[الأعاجم] ممن قرأ العربية باللغات الأجنية.
فهذا، وإن العربية التي ننشد المحافظة عليها عند أجيال الأجيال، تلك اللغة السهلة غير المغرقة في التعقيد، كقول الشنفرى [ولي دونكم أهلونَ، سِيْدٌ عَمَلَّسٌ***وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جَيْألُ] وأمثالها، مما إذا قرأه نور الدين عيوش سيصاب بالإغماء، أو يظنها اللغة الصينية، وإنما نريد المحافظة على اللغة الفصيحة التي تؤهل المرء لفهم كتاب الله ابتداء، ولقراءة تراثنا الديني والفلسفي والأدبي والعلمي والوجداني، وكذلك للتعاطي مع ثقافتنا العالمة والعلمية والتعلمية.
بل حتى إن لم يكن شيء من ذلك، فإن العربية عامل كبير ومكون أساس من مكونات هويتنا الدينية والثقافية، الضاربة في جذور التاريخ التي لن نتخلى عنها، لأننا بذلك نجتث ذواتنا من الجذور لنبقى كالهباء في الهواء يأخذ الريح حيث شاء.
كيف سيقرأ أبناؤنا ابن رشد وابن خلدون والغزالي وابن طفيل والقرافي والشاطبي؟ كيف سيقرؤون - مع الزمن -أصول الدين وأصول الفقه وعلوم القرآن والحديث، والأدب والفلسفة بعد عقدين من الآن، إنْ فعلا تخلينا عن توريث لغتنا الساحرة، الأخاذة للعقول، الخاطفة للقلوب، التي تصيب عاشقيها بالشَّدَهِ، وشاربيها بنشوة الغَوْل؟.
وهذا لا يعني إطلاقا التوقف عن تطوير اللغة العربية وتنميتها مصطلحيا، وتجديد حمولاتها وشُحَنها مفاهيميا، بل إن حياة العربية، متمثلة في هذا التفاعل الجدلي الدائم، والمولِّد لمصطلحات تفرضها الساحة العالِمة المحيَّنة على الدوام، والساحة المعرفية التي لا تعرف التوقف عن التكشفات والإسفارات عن مكنونات العقول، المتعاطية مع الكون.
إن اللغة ليست فقط تعبيرا انفعاليا للتكيف مع الأوساط الخارجية، وإنما هي بنية رمزية تطبع حركة الفكر فوق ذلك، بنظم أنساق من رموز مكتسبة اتفق عليها البشر، فإذا ضعفت وأهمِل نشاطها ستتوقف عمليات التعقل ويتجمد الفكر وستتأخر محركات الثقافة ومولدات الطاقة الفاعلة، وسيتقوى أصحاب اللغات الأخرى التي اجتهد أهلها في إسعاد عقولهم بها، وسيتمددون في فراغاتنا، وسيفكرون بالنيابة عنا ويستلمون قيادتنا إلى ما لا نهاية.
إن تزامن الدال (اللغة) للمدلول (المعنى) أمر ضروري للتواصل بين الناس، عبر العصور، إذ لا بد للغة أن تساير المعاني الظاهرة والباطنة التي تحضر في أذهان الناس بطريق الاحتكاك مع الآخرين والتعاطي مع مخرجاتهم المعرفية، وهنا لا بد من الإقرار بأن هنري برغسونHenri Bergson قد أخطأ في قوله إن الفكر متأخر عن اللغة، لكون اللغة عاجزة عن مسايرة الفكر في كل اتجاهاته المتقلبة والمتطورة، وهكذا يجعل اللغة منفصلة عن الفكر.
والصواب أن العجز والقصور ينبغي أن يضاف إلى المفكر نفسه، وليس إلى اللغة، والقصور كامن في عدم قدرته على إيجاد ما يناسب المقام، وإذا كان ذلك كذلك سيدخل القصور فكره ولغته معا، إذا لا يتصور تفكير بغير لغة. فإن قال قائل إن اللغة غير كافية في بعض الأحيان، لذا نلجأ إلى الموسيقى والرسم للتعبير عن بعض الأفكار، نقول إن ذلك من باب التنويع في التعبير وليس من باب قصور اللغة.
وعليه، فإذا تأخرت المجامع اللغوية واللجان المختصة عن موعدها مع التاريخ، وذلك بمواكبة التوليد والتحيين والانتقاءات الدقيقة للمصطلحات وتحديد مصاديقها، لمَدِّ المثقفين والعلماء بمادة اشتغالهم، ووسيلة تعقلهم، فإننا نترك الفرصة سانحة لتدخل الآخرين في بناء شخصيات أجيالنا وتدجين هوياتهم وهندسة عقولهم وتقليب مسارهم.
*باحث في الفكر الإسلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.