شكل إعلان المغرب عن قرب دخول الخدمة العسكرية الإجبارية حيز التنفيذ منعطفا جديدا في حياة العديد من المراهقين والشباب، على خلفية إصدار المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب لتقريرها التوقعي، والذي قدم مؤشرات هامة تضع المشرع القانوني والفاعل السياسي والاقتصادي أمام رؤية مغرب الغد، مغرب 2050 حيث عدد السكان سيصل إلى 6،43 نسمة. وإذا كان أزمة المغرب اليوم تنحصر في مشكلات التمدرس، والتكوين، والتشغيل، خاصة مع النقص الحاد على هذا المستويات ( 30 في المائة من الشباب من فئة 15 إلى 24 سنة هم عاطلين عن المعمل، ولا يتواجدون بالمدرسة، ولا يتالعون أي تكوين) فإن أزماته المقبلة تستشف من دلالات تقرير المندوبية السامية للتخطيط، والتي يمكن حصرها في الهرم والخصوبة بما يهد العطاء التنموي والعمل في الثلاثين سنة المقبلة. وبناء على معطيات المندوبية السامية للتخطيط، هل باتت الخدمة العسكرية ضرورة سياسية أم ضرورة وطنية؟ وكيف يمكن فهم ظاهرة جنوح الأحداث على ضوء ما خلص إليه تقرير المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب؟ الخدمة العسكرية وضرورة تفعيل القرار السياسي لوقف النزيف التربوي أمام الاختلالات المتفاقمة بالمغرب، وجب على الفاعل السياسي التفكير في حلول جدية كضرورة سياسية ووطنية ملحة تروم تفعيل إجراءات جديدة تهدف إلى حماية الطفولة والمراهقين الشباب من مظاهر الاغتراب والضياع، كجيل فقد الكثير من مرتكزات الانتماء للوطن (جيل مدمن على استهلاك موسيقى الشارع وتقليد موضة إسدال السراويل تحت الحزام، وعلى الانسحاب اللاإرادي من الحياة العامة وعدم الارتباط بالواقع والارتباط بدلا من ذلك بشكبكة المخدرات والسقوط في براتن التسيب لتتحول الفوضى إلى تمثل غريب لقيم الاغتراب وتتحول إلى عنف واغتصاب، تحت مبررات فضفاضة وتمثلاث خاطئة لمفاهيم الحرية والتنوع الثقافي). لمواجهة تفاقم وضعية الشباب بالمغرب يحتاج صانع القرار بالمغرب إلى رؤية جديدة، تنضاف إلى التوجهات الجديدة للسياسية الديمغرافية بالمغرب، خاصة بعد فشل الهيئات السياسية في السنوات الأخيرة في القيام بأدوارها في الوساطة والتأطير والتربية على المواطنة. الخدمة العسكرية ومسؤولية المجتمع في الوقاية من مخاطر جنوح الأحداث خلف إعادة تفعيل الخدمة العسكرية الإجبارية ارتياحا كبيرا في المجتمع، بعد أن سئم الجميع من الممارسات المنحرفة للأحداث والمراهقين، وأصبحت تشكل حملا ثقيلا باتت معه كل الحلول مطلوبة، من أجل التخلص من انعكاساتها السلبية على الحياة العامة بالمعرب، مهما كلف ذلك من ثمن، حتى لو اقتضى الأمر تجنيد الشباب وإبعادهم عن دويهم لبضعة أشهر. ومن مظاهر التناقض في المجتمع المغربي أن يتنصل من مسؤولياته التربوية ويلقي بها على عاتق الآخر ( الدولة والمدرسة والأسرة) مع الجهل أن المجتمع هو نفسه من يشكل هذه المؤسسات المجتمعية، فكيف يمكن فهم ظاهرة جنوح الأحداث، دون تعميق النقاش العمومي حول دلالات المؤشرات الواردة في تقرير المندوبية السامية للتخطيط، ودواعي تفعيل الخدمة العسكرية، والدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة العسكرية في معالجة ظاهرة جنوح الأحداث؟ بغض النظر عن مسببات جنوح الأحداث سواء كانت وراثية أو مكتسبة، فأن المراهق يتحمل مسؤوليات حساباته المادية التي يمكن أن يجنيها من فعلته الإجرامية، كما أن المجتمع عليه أن يتحمل مسؤولياته في تقصيره التربوي من خلال اعتماده فقط على مقاربات قانونية وجنائية لوقف انحرافات الشباب، مع تقصيره في معالجة جنوح الأحداث كظاهرة وليدة للفقر، والتهميش، وللاختلال المؤسساتية. وهكذا يعتبر المجتمع مسؤولا أولا عن انتقال الأحداث من الاستقامة إلى الجنوح، وبناء عليه وجب على الدولة التحرك من أجل تقليص الفوارق، وإعادة الاعتبار لحياة الشباب من خلال التكوين والإدماج المهني، انسجاما مع مضامين الخطاب الملكي الأخير، والذي شكل مناسبة للتأكيد الجالس على العرش على إحساسه بالمسؤولية إزاء هذه الأجيال الضائعة،وذلك من خلال إقراره بضرورة عدم القبول ب " نظام تربوي يشتغل كآلة لتفريخ جيش من العاطلين عن العمل " إلا أن الإحساس بالمسؤولية، يقتضي من الدولة أن تتجاوز أجهزتها التنفيذية منطق التصريح بالنوايا فقط دون الأخذ بالإجراءات الكفيلة بإعادة إصلاح سيرورات التنشئة الاجتماعية بالمغرب، ( الرفع من التتبع والمراقبة، وعدم إقصاء الشباب، والاهتمام بحاجياته السيكولوجية والدراسية والمهنية)، وبعد ذلك يجب التفكير في المتغيرات الخلفية للعلاقات الأبوية المسؤولة عن التفكك الأسري، والذي يبقى من أهم العوامل المؤدية إلى الجنوح الاحداث وانحراف المراهقين. *أخصائي في الاستشارة النفسية