يعيش المغرب اليوم فرصته الديمغرافية، فقاعدته السكانية انقلب هرمها، وأضحت قاعدته الواسعة تتكون من فئة الشباب، في البلدان الطموحة يظل هذا المؤشر إيجابيا يساعد على خلق دينامية اقتصادية ومجتمعية واعدة ، لكن في حالتنا المغربية ، فإننا نعيش مع الحكومة « الملتحية « ما يشبه الفرص الضائعة ..أجيال جديدة صدحت بأصواتها عاليا، ورفعت من وتيرة احتجاجها في ربيع لم تزهر وروده بعد.. بنكيران وفريقه الحكومي صعدا إلى دفة الحكم على صهوة الحراك الشبابي مع ما يعنيه ذلك « بمنطق الحزبية الضيقة «من ربح سياسي وانتخابي كبير للحزب وحلفائه.. رفعت الحكومة وعودا وشعارات ، قدمت برامج ووصفات ، لكن داء البطالة لم يوجد له دواء بعد .. اليوم مؤسسات دولية ووطنية مشهود لها بدقة التشخيص ، وتقديم البدائل ترفع تقاريرها المنذرة إلى الحكومة من أجل اعتماد استراتيجية بعيدة المدى لتأمين الحق في الشغل والحق في الحياة الكريمة للأجيال الجديدة .. تقرير البنك الدولي يحذر .. إقصاء الشباب من فرص النمو الاقتصادي سيساهم في التوتر الاجتماعي في آخر تقرير له حول أوضاع الشباب بالمغرب ، يرى خبراء البنك الدولي أن الشباب المغاربة البالغون من العمر ما بين 15 و 29 سنة، والذين يمثلون زهاء ثلث ساكنة المغرب، يواجهون تحديات كبيرة من حيث الاندماج في الحياة الاقتصادية و المدنية بالمغرب، حيث يوجد عدد كبير من الشباب في صفوف العاطلين عن العمل و عدد أكثر غير منخرط في اليد العاملة بسبب إحباطهم حيال الإمكانيات الضعيفة لإيجاد فرص للعمل. وتلخص الدراسة التحليلية التي قام بها السنة الماضية ، البنك الدولي حول استهداف برامج الحماية الاجتماعية في المغرب و التي تستعرض البرامج التي تعالج مجموعة من المخاطر عبر مراحل الحياة ، أن الشباب المغربي وخاصة الفئة العمرية المذكورة يفتقر إلى الأمن الوظيفي و الرفاه الاجتماعي ، و في الوقت نفسه تسجل هذه الفئة مستويات ضعيفة للغاية من حيث الانخراط في أنشطة المجتمع المدني، و من ثمة يتعين على المجتمع المغربي رفع تحدي أساسي يتلخص في تيسير الانخراط الفعلي و الحيوي للشباب في الحياة الاقتصادية و المدنية بغية تمكينهم من الانتقال إلى سن الرشد . البنك الدولي أكد في تقريره أن ثمة مستويات عالية من الإقصاء السوسيو اقتصادي.. رغم أن المغرب عرف خلال العشرية الأخيرة نموا اقتصاديا متواصلا بمعدل نمو سنوي متوسط يناهز 5% ، أي حوالي ضعف معدل النمو المتوسط في تسعينيات القرن الماضي، و قد واكب هذا النمو العديد من التوجهات المشجعة، نسبة تضخم ثابتة ، و انخراط واسع في الاقتصاد العالمي، و ارتفاع مستويات الاستثمار، و تراجع الاعتماد على الزراعة ، و انخفاض المستويات الرسمية للفقر مقارنة بالعقد السابق . كما حقق المغرب مكتسبات هامة في قطاع التربية خلال السنوات الأخيرة من خلال توسيع الولوج إلى التعليم الأساسي و العالي. و على الرغم من هاته الإيجابيات التي عرفتها العشرية الأخيرة ، يرى خبراء البنك الدولي، أن جزءا هاما من الشباب المغربي لا يشارك في التنمية الاقتصادية ببلادنا .. ويؤكد خبراء البنك الدولي أن بإمكان الشباب أن يكونوا محركين للنمو والتنمية الاقتصادية بالمغرب، لكن الوضع مخالف لذلك ، وينبه البنك الدولي إلى الإقصاء المستمر للشباب من الحياة الاقتصادية و المدنية يشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي كما يمكن أن يساهم إقصاؤهم في التوتر الاجتماعي مثلما هو الشأن حديثا في العديد من الدول المجاورة. المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الحكومة مطالبة بإحداث تغيير في مسار النمو الاقتصادي لتقديم جواب مستدام لقضية تشغيل الشباب يعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن تشغيل الشباب يمثل إحدى دعائم الميثاق الاجتماعي، حيث ينبغي حل أزمة الثقة في المؤسسات التعليمية و تعزيز انخراط الشباب في الحياة العملية و عدم اعتبار الوظيفة العمومية ملاذا حصريا ، وذلك اعتبارا لكون تشغيل الشباب يمثل تحديا من أجل الرفع من قيمة الموارد البشرية ، و فرصة لجعله رافعة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية لبلادنا. ويقر المجلس بأن الشباب هم الأكثر تضررا من البطالة على الرغم من انخفاض معدل النشاط ، كما أن الوظائف التي يشغلها الشباب غالبا ما تكون هشة مقابل أجور متدنية، نادرا ما تكون تعاقدية و قلما تتمتع بنظام حماية اجتماعية. وينبه المجلس إلى أن معدل بطالة الشباب يرتفع في الوسط الحضري ، و يرتفع أكثر كلما ارتفع المستوى الدراسي ، و يتميز بطول مدة البطالة ، الشيء الذي يؤكد عدم ملاءمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل. مما جعل نظرة الشباب إلى وضعيتهم أكثر تشاؤما مما تنبئ به الإحصاءات المتوفرة .. من هذا المنظور، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يرى أن محاربة بطالة الشباب ينبغي أن تتم معالجتها بكل إرادوية وعزم وتصميم ، مما سيسمح بتطوير و تفعيل حلول دائمة منسجمة مع الواقع المغربي. كما أن محاربة الظاهرة ينبغي أن تمثل أولوية وطنية، وبالتالي فالمسؤولية تقع على عاتق جميع الفاعلين العموميين و الخواص و الجمعويين، سواء على المستوى الوطني أو الترابي. واعتبارا لكون مسألة تشغيل الشباب تعني كل الدوائر الاقتصادية و الاجتماعية، و تكتسي تعقيدا حقيقيا، فإن معالجتها تستدعي - حسب المجلس - تواضعا و واقعية في المقاربة، وجرأة وتجديدا وابتكارا في الاقتراحات ومجهودا متواصلا لتقييم وتكييف الإجراءات مع السياقات و الحقائق الخاصة بكل مجال ترابي على حدة . ولتطوير إنعاش الشغل يرى المجلس أن الحاجة باتت ملحة لتعزيز دينامية القطاع الخاص الذي يعتمد أساسا على استثمار فاعلين اقتصاديين . ويجزم المجلس على أن السياسات التي أعطت أفضل النتائج هي التي عرفت التوفيق بين المعالجة الاقتصادية و المعالجة الاجتماعية لمعضلة بطالة الشباب، و استطاعت وضع إطار مؤسسي قادر على تعبئة الفاعلين لصالح تشغيل الشباب. ومن أجل تقديم جواب مستدام لقضية تشغيل الشباب ، يرى المجلس أن الحكومة مطالبة بإحداث تغيير في مسار النمو الاقتصادي الذي ينبغي أن يتجه نحو الاستثمار، في اتجاه قطاعات ذات قيمة مضافة عالية و ذات مفعول حقيقي، كما أنه من المناسب جعل الابتكار بمثابة الرافعة الرئيسية لتحسين إنتاجية مقولاتنا وقاعدة قوية للنمو المستقبلي. إن بناء نموذج مرن للنمو و متوازن قادر على خلق مناصب الشغل كما ونوعا، وتوزيعا أفضل للثروة ينبغي - حسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي - أن يرتكز على تعبئة الطاقات المقاولاتية مع الاستفادة من الاقتصاد الاجتماعي و التضامني. وينبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى الحاجة المستعجلة لإدخال إصلاح عميق على نظام التربية و التكوين من اجل الاستجابة لحاجيات الاقتصاد من الكفاءات ، بما يتيح للشباب الاكتساب المبكر لمبادئ المسؤولية و الاستقلالية الذاتية و تطوير روح المبادرة الشخصية ، مع بذل جهود أكبر لدعم التلاؤم بين التكوين و سوق الشغل و ذلك عبر إحداث مسالك جديدة منسجمة مع الاستراتيجيات القطاعية، و تمتين الروابط بين عالم التكوين و عالم الشغل ، و كذا تشجيع البحث و الابتكار، و تطوير جسور مفيدة بين الجامعة و المقاولة. كما أن من شأن تسريع التفعيل الحقيقي للجهوية الموسعة، أن يتيح بروز مشاريع ترابية حقيقية تحرر الطاقات و الكفاءات المحلية عبر تعبئة المؤهلات الهامة من الثروات الاقتصادية. الاتحاد العام لمقاولات المغرب الجامعة تواصل تخريج العاطلين، والتدريب في المقاولة ينبغي أن يكون إجباريا خلال المسار الدراسي والجامعي كيف يرى الاتحاد العام لمقاولات المغرب حل إشكالية تشغيل الشباب ؟ الجواب نجده على لسان جمال بلحيرش رئيس لجنة التشغيل والعلاقات الاجتماعية بالاتحاد العام للمقاولات، الذي قدم في ندوة صحفية نظمت بالدار البيضاء الأسبوع الماضي ، مقترحات عملية من أجل مواجهة ظاهرة البطالة في ظل الوضعية الاقتصادية التي تشهدها البلاد والمتسمة أساسا بتراجع مؤشر النمو وهشاشة تنافسية الاقتصاد الوطني مع ما يستتبع ذلك من ضمور لفرص الشغل ..وأقر ممثل الباطرونا بضعف منظومة التربية والتكوين إذ لازالت الجامعة «تفرخ» العاطلين وتمنح شهادات لا تستجيب لحاجيات سوق الشغل... ممثل الباطرونا أفصح عن منظور الاتحاد العام لمقاولات المغرب لتطويق ظاهرة بطالة الشباب محددا الحلول في خمس إجراءات قد تبدو أكثر براغماتية وجهت إلى الحكومة والنقابات . ويمثل الإجراء الأول في إحداث عقد إدماج مهني، مع فترة تدريبية من ثلاث أشهر قابلة للتجديد ، و يستهدف الشباب حاملي الباكلوريا زائد ثلاث سنوات ، وذلك من أجل تمكين الشباب الذين يجدون صعوبة في إيجاد عمل من تجربة أولى، و تمكين المقاولات من تلبية احتياجاتهم على مستوى الكفاءة المطلوبة عبر تكوين يناسب المؤهلات المبحوث عنها. و شدد رئيس لجنة التشغيل والعلاقات الاجتماعية بالاتحاد العام للمقاولات أنه يتعين في هذا الإطار أن تكون هناك مساهمة مالية كتعويض عن التكوين بغرض الإدماج في حدود 25 ألف درهم للمقاولة في حالة توقيع عقد عمل غير محدد المدة عقب 6 أو 9 أشهر من التدريب. الإجراء الثاني يخص تعميم تغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و التأمين على حوادث الشغل بهدف إعطاء صفة حقيقية للإجراء و ليس اعتبارهم كمتدربين. الإجراء الثالث يهم إحداث عقد « مهارات» و يهدف إلى اعتماد تكوين طيلة ستة أشهر ممول من قبل الدولة ، كالتكوين في المهارة، واللغة والتعويض عن التدريب، مع إمكانية التدريب في ستة أشهر في المقاولة بعد التكوين مع تعويض على التدريب معفى من التحملات الاجتماعية. الإجراء الرابع يتعلق بجعل التدريب في المقاولة إجباري خلال المسار الدراسي والجامعي، ويقترح الاتحاد العام لمقاولات المغرب تخصيص 25% على الأقل من التمدرس في الشركات. آخر إجراء حسب ممثل الباطرونا ، يتمثل في إنشاء مرصد التربية و التشغيل و قيادة الأعمال، يتكلف برصد المهارات الضرورية والكفاءات المتوفرة، وإجراء الإحصاءات في مجال التشغيل مع العمل على تطوير آفاق التشغيل، والمساهمة في بلورة دليل المهن والكفاءات المرجعية مع اعتماد بارومتر للمهن بحسب كل قطاع . وعود الحكومة بين البرنامج الحكومي و القانون المالي 2013 إنعاش التشغيل.. هزالة في العرض وغياب استراتيجية مندمجة وبعيد المدى التزمت حكومة عبد الإله بنكيران في تصريحها الحكومي بإنعاش التشغيل وتقليص نسبة البطالة إلى 8% في أفق 2016 . الشعارات البراقة سرعان ما تبخرت في «مطبخ» التدبير العمومي للشأن العام ببلادنا ، فلا نسبة النمو ارتفعت لتقترب من عتبة 7 في المائة ، ولا نسبة البطالة تقلصت إلى 8 في المائة ، ومما يبرهن عن محدودية الرؤية الحكومية لإشكالية التشغيل ببلادنا ، هي ما حمله أول القانون المالي 2013 ، والذي اختزل بكلام فضفاض، حل إشكالية البطالة بالرفع من مساهمة النمو الاقتصادي في التشغيل و ذلك عبر انتقاء الاستثمارات المحدثة للثروة وفرص الشغل، وكذا تشجيع المقاولات الصغرى و المتوسطة والصغيرة جدا، وإلى تشجيع التشغيل الذاتي وتحسين مؤهلات الشباب و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية . وباستعراضنا لتفاصيل القانون المالي، فالحكومة تراهن على برامج «إدماج» و «تأهيل مقاولتي» التي تم اعتمادهما سابقا ، مع اتخاذ تدابير جديدة لإنعاش التشغيل ، وتتعلق - حسب تقدير الحكومة - بالتكفل بالتغطية الاجتماعية و بعقود الإدماج المهني ، و تجدر الإشارة إلى أن هذه التدابير انطلقت في أكتوبر 2011. كما تنوي الحكومة تطبيق برنامج «مبادرة» الذي يهدف إلى إنعاش التشغيل في المجال الاجتماعي لدى النسيج الجمعوي ، كما ستعلن - حسب ذات المصدر - عن انطلاق برنامج « تأطير» الذي يستهدف الأشخاص التي تنقصهم الخبرة المهنية و الذين يحتاجون إلى تكوين تقني في مجالات محددة. و من المتوقع ، حسب وعود الحكومة ، أن تفتح شبابيك خاصة لفائدة الباحثين عن العمل لغير المتوفرين على شواهد من أجل توجيههم نحو نظام التكوين بواسطة التدرج المهني و جعلهم يستفيدون من خدمات الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل و الكفاءات خاصة في مجال تقنيات البحث عن الشغل. كما تراهن الحكومة خلال هذه السنة على برامج التكوين المدعمة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تهدف إلى تكوين وإدماج الشباب المنقطعين عن الدراسة، بواسطة التدرج المهني سيستفيد منه شباب الوسط القروي . هذه إجمالا هي حصيلة العرض الحكومي لإنعاش التشغيل والتي تبدو مفتقدة للنظرة الاستراتيجية والبعيدة المدى لإشكالية البطالة في علاقتها مع متطلبات سوق الشغل ونظام التربية والتكوين .. المندوبية السامية للتخطيط .. مؤشرات البطالة متنامية ومقلقة شهد عدد العاطلين بالمغرب تزايدا بنسبة 0,9% على المستوى الوطني حيث ارتفع العدد من مليون و 28 ألف عاطل سنة 2011 إلى مليون و 38 ألف سنة 2012 ، أي بزايادة قدرها 10 ألاف عاطل (7000 بالوسط الحضري و3000 بالوسط القروي ) و همت هذه الزيادة حصريا حسب المندوبية السامية للتخطيط الناشطين الذكور سواء بالوسط الحضري أو بالوسط القروي. وسجلت أهم الارتفاعات بالوسط الحضري لدى الشباب البالغ من العمر من 15 إلى 24 سنة (+ 1,3 نقطة) والبالغين من العمر 25 إلى 34 سنة (+0,5نقطة)، في حسن سجلت أهم التراجعات في الوسط الحضري لدى النساء (- 0,6 نقطة) و البالغين من العمر ما بين 35 و 44 سنة (- 0,4نقطة). وفي ما يتعلق بالمميزات الأساسية للسكان الناشطين العاطلين نجد أن أربعة من بين خمسة (4,79%) هم حضريون، و اثنان من بين ثلاثة (5,66%) تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 29 سنة، وواحد من بين أربعة (3,26%) حاصل على شهادة ذات مستوى عالي، وواحد من بين اثنين (52,3%) من العاطلين لم يسبق لهم أن اشتغلوا. وما يقارب ثلثي العاطلين ( 1,65%) تفوق مدة بطالتهم السنة . كما تعرف فئة الشباب البالغ من العمر 15 إلى 24 سنة و حاملي الشهادات معدلات البطالة الأكثر ارتفاعا (6,18% و 4,16% ) على التوالي . وتعود الظروف على إثرها أصبح العاطلون في حالة بطالة إلى إتمام الدراسة أو التكوين بعد الحصول على شهادة (21,2%) أو توقف نشاط المؤسسة أو الطرد (27,3%) أو الانقطاع عن الدراسة دون الحصول على شهادة ب (16,3%).