Textbooks An educational tool that should be accessible to everyone !!! تعتبر الكتب المدرسية والمقررات جزءا أساسيا من العملية التربوية والتعليمية، ولا يملك آباء وأولياء أمور التلاميذ والطلاب خيارات، وما عليهم إلا الامتثال لما تفرضه المدارس سواء العمومية أو الخاصة من كتب بحسب لوائح الكتب الخاصة بكل مدرسة أمر محتّم عليهم. أضف إلى ذلك توابع الكتب التي أسعارها قد تستمر بالارتفاع كل سنة لما فيها من مكاسب مادية. ومن المعلوم أن أمر شراء الكتب لا يقف عند هذا الحد فقط، بل يشمل مشتريات إضافية أخرى لها ارتباط بالمدرسة أيضا من قرطاسية (أقلام وغيرها من الأدوات) والزي المدرسي الرسمي المعتمد في بعض المدارس، عدا عن إلزام الأهل شراء المستلزمات الخاصة بدراسة العلوم أو المختبرات من مكتبات محدّدة. واقع مأساوي زاد هما على أكتاف آباء وأولياء أمور التلاميذ والطلاب خاصة مع ارتفاع أسعار الدراسة نفسها في المدارس الخاصة، كما أثقل من حمل الكتب على ظهر الأطفال، مما دفع بعضهم إلى التفكير وبجدّية هذه المرة في نقل أبنائهم من المدارس الخاصة إلى المدارس العمومية، خاصة في ظل توجه الدولة لإصلاح قطاع التربية والتعليم والبدء بالمدرسة العمومية. لكن رغم كل تلك الخطوات المؤثرة يظل التردد سيد الموقف بسبب عدم توفر المدرسة العمومية على نظام تربوي وتعليمي يخضع لكافة شروط وعناصر الجودة الشاملة لضمان مستوى تربوي وتعليمي يليق بالأطفال. وهكذا يلاحظ مع بداية كل سنة دراسية أنه يكثر اللغط حول أسعار الكتب المدرسية، وكثرة تنوعها وأعدادها المخصصة لكل مرحلة تعليمية وثقل وزنها على التلاميذ الصغار. أما أسعار المقررات الجديدة فحدّث ولا حرج، إذ تجدها سنة بعد سنة ملتهبة وخاصة بالنسبة للطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى من المجتمع. ومما يزيد الطين بلة أن فترة الدخول المدرسي قد تصادف أحياناً مناسبة عيد الأضحى أو عيد الفطر أو غيرهما (كما هو الشأن هذه السنة)، ناهيك عن مصاريف العطلة الصيفية مما يُثقل كاهل الأسر التي تجد نفسها بين المطرقة والسندان: فهي في حيرة إذ أن المعادلة صعبة للغاية، فلا المدارس خففت عنها حمولة الكتب وخففت من أسعارها، ولا المجتمع قدم لها خدمة تسهيل شراء الأضحية، أو كف عنها نظرات التطفل لمعرفة ما إذا كانت الأسرة قادرة على اجتياز اختبار شراء الأضحية. وتبعاً لذلك تجد أن الأسر الفقيرة وحتى التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، تسارع الزمن وتحاول بشتى الطرق والسبل تحقيق طلبات أبنائها فيما يخص الكتب المدرسية والملابس والحاجيات الأخرى، وتطبيق السنة فيما يخص أضحية العيد. وقد يزداد الوضع تفاقماً إذا ما حاولت الأسرة الترفيه عن نفسها وقامت بسفر سياحي (حتى ولو داخل الوطن)، كي ترضي أبنائها وتخرجهم ولو لفترة قصيرة من براثن الرتابة القاتلة، وتزيل عنهم الشعور بالملل والكآبة المتراكمة على الصغار والكبار طوال السنة، فلا تستطيع الأسرة الجمع بين كل تلك المطالب المتتالية والمكلفة، مما يخلق جوا من المعاناة ومكابدة الغلاء بالإضافة إلى تكاليف فواتير الماء والكهرباء والديون الأخرى المحتملة، فسرعان ما تنسى حلاوة تلك السويعات الجميلة خلال العطلة الصيفية، لتبدأ معها رحلة المحن وطاحونة الفواتير التي تُكسر الضلوع مرة أخرى. ومن الملاحظ أيضاً أنه لم يعد موضوع الكتب والمقررات التربوية والتعليمية أمراً هيّناً، بل أصبح أكثر تعقيدا من ذي قبل. كما أن مهمة الاختيار والانتقاء تلك لم تعد مسؤولية جهة واحدة معينة فقط، أو حكراً على الوزارة المعنية بشؤون هذا القطاع بمفردها، بل فرض الواقع الحالي نفسه على الساحة، كي تصبح الضرورة ملحة أكثر من ذي قبل لإشراك أكثر من جهة في تلك العملية المهمة. كما أن الأغلبية الساحقة من المجتمع قد أصبحت تتمنى إعادة النظر في المقررات والكتب المدرسية والمناهج، ومحاولة انتقاءها بكل دقة وحيطة وحذر. والملاحظ أيضاً أنه غير بعيد كان إفراد الأسرة يتوارثون الكتب المدرسية الرئيسية الخاصة بكل مرحلة، فالأخ الأكبر أو الأخت الكبيرة تمرر كتبها لمن يليها وهلم جراً. وتبعاً لذلك، تربى الرعيل الأول من تلاميذ المدرسة العمومية المغربية على ضرورة المحافظة على نظافة الكتب وصونها، فلا يخطها التلميذ بقلم ولا ألوان ولا أي شيء، لأنه يعلم مسبقاً أن المعلم سيعاقبه وولي أمره سيعاقبه أيضاً إن هو أقدم على فعل ذلك، وهو يعلم أيضاً أنه سوف يعطي الكتاب لأخيه أو أخته عند نهاية السنة، فما أجمل ذلك التكافل الاجتماعي!. ولذلك كان المعلم يأمرنا بشراء الغلاف لكل كتاب وكل دفتر، لدرجة أنك يمكنك تذكر كل مادة بمجرد أن تلمح لون الغلاف. طريقة الاعتناء بالكتب والدفاتر تلك غرسها فينا أساتذتنا الأجلاء، وعززها طاقم المدرسين المغاربة والأجانب أيضاً كالفرنسيين وغيرهم، فكانت أوراق الواجبات وأوراق الاختبارات على سبيل المثال تحمل ختم المعلم الخاص به. الدقة في الاعتناء بالكتب علمتنا أيضاً الدقة في الاعتناء بمظهرنا الخارجي، وبموضوع النظافة والحفاظ على ممتلكات المدرسة. كنا نحس بنشوة النجاح الحقيقية ونحن نعطي كتب تلك السنة للشخص الذي يلينا، كما كانت محلات بيع الكتب المستعملة تزخر بالكتب وتعج بمرتديها، كما تباع فيها الكتب بأسعار زهيدة مما يتيح التحصيل والتبادل المعرفي. كما كانت تتحول مجموعات من التلاميذ مع بداية كل موسم دراسي إلى باعة متخصصين في عرض الكتب القديمة أو المستعملة، بعد أن كانوا يجدون في تلك المهنة المؤقتة مصدرا يعينهم على مصاريف العائلة، أو تغطية نفقات اقتناء الكتب والأدوات المدرسية بالنسبة لتلك السنة الدراسية الجديدة. وضعية الكتب المدرسية والمناهج اليوم: لم تعد الكتب المدرسية ولا المقررات تتوارث كما كانت من قبل، بل أصبحت تأخذ طابعاً استهلاكيا محظ أكثر فأكثر. وهكذا، أصبح التلميذ ملزم بشراء عدد كبير من الكتب والدفاتر (وقد لا يستعمل منها الا الشيء اليسير)، لكنه مجبر على حملها كل يوم. كما أن طبيعة الكتاب المدرسي قد تغيرت ليصبح التلميذ مجبراً على حل بعض التمارين في الكتاب نفسه، أو ملئ الفراغ المخصص لكل درس، مما يستحيل معه تمرير الكتاب لشخص آخر، أي أن الكتاب يُستهلك مرة واحدة فقط، ثم يطلب من التلميذ شراء كتب جديدة في بداية كل سنة دراسية جديدة، بغض النظر عن وضع عائلته المادي. ومثل أي شركات خاصة ربحية، تتسابق دور النشر والمطابع على ضخ أكبر عدد من تلك الكتب بأسعار مكلفة وبأشكال وألوان مختلفة أيضاً، في حين يتمنى الآباء أن يخف عدد الكتب المخصصة لكل مرحلة دراسية (كما كانت من قبل)، ويخف أيضاً ثمنها على الكبار ووزنها على الصغار؛ إذ أصبح بعضهم غير قادر على حمل الحقيبة المدرسية أو جرها. كما يطمح الآباء أيضاً أن تتمكن وزارة التربية الوطنية والتعليم من إعادة النظر في الكتب المدرسية والمقررات والمناهج شكلاً ومضموناً، كي تتمكن مدارسنا من إعداد جيل مسلح بالعلم والمعرفة، التي ترفع قدره في المجتمع وتتماشى مع متطلبات سوق الشغل والحداثة. ولا ننسى أيضاً ما يعرفه العالم اليوم من خلط للأوراق وتداخل في الأفكار والمذاهب، والقدرة على اختراق مكونات ثقافة الفرد وهويته ومعتقده؛ لذلك يجب الحرص على إسناد موضوع المناهج للجهات والهيئات المختصة، لتتمكن من إعداد مناهج تفي بالغرض وعلى الوجه السليم والصحيح، مراعية في ذلك كل أبعاد الجودة الشاملة ومتطلبات سوق الشغل. ضرورة توسيع نطاق خدمات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: إذا كانت للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية دور في تحسين خدمات ومستوى التعليم في بلادنا وكذلك مساعدة الطبقات الفقيرة والمعوزة من خلال برامج شتى، فلابد من توسيع رقعة تلك الخدمات وخاصة في العالم القروي كي لا تبقى تلك البرامج حكرا على مناطق معينة، بل يجب السعي حثيثا كي تشمل كل الفئات التي هي في حاجة ماسة لتلك المساعدات مثلما هو الحال فيما يخص برنامج "الحقيبة المدرسية". إن كثرة اللغط حول موضوع أسعار الكتب والمناهج المدرسية والكمية المخصصة لكل مرحلة دراسية، كلما اقترب موسم بداية السنة الدراسية، لا يأتي كل مرة من فراغ، بل هو انعكاس لمعاناة الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة من أبناء هذا المجتمع، نظراً لارتفاع أسعار تلك الكتب، فيتجاذب الناس نفس الحديث ويطرحون نفس المقترحات والأفكار لكن لا يرون تغييرا. ومع ذلك يبقى الأمل دائما معقوداً على أن تلتفت الوزارة المعنية إلى موضوع غلاء الكتب المدرسية والمناهج والكمية المخصصة لكل مرحلة دراسية، كي تخفف على الآباء والتلاميذ شيئا من تلك المعاناة. كما نتمنى أن تتوجه أنظار الحكومة والوزارة المعنية بهذا القطاع صوب انطلاقة وإقلاع فعلي وحقيقي لمشروع الإصلاح كما ورد في توجيهات صاحب الجلالة نصره الله في خطابه السامي في ذكرى 20 غشت، وبمنظور حديث بحيث يتم استدعاء الخبراء (وحتى خبراء من الجالية المغربية بالخارج الذين راكموا سنوات خبرة طويلة وعايشوا الحركة التعليمية في أمهات الجامعات الغربية المتقدمة)، وتكوين هيئة وطنية تُعنى بقضية المناهج والكتب المدرسية، وتسعى إلى ربط المناهج بوسائط التعليم الحديثة والنظريات التي تجعل التلميذ في صلب عملية التعليم نفسها، وتركز على تكوينه الشخصي والجسمي والعقلي، دون الحياد عن معايير وأبعاد الجودة الشاملة في كل مرحلة من مسيرة الطفل التربوية والتعليمية، مع العلم أن العبرة يجب أن تكون في "الكيف" وليس في "الكم". خلاصة: نتمنى من الحكومة الموقرة والوزارة المعنية بقطاع التربية والتعليم السير على درب وخطى وتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي أعطى مثالا حيا وجميلا عن قضية التكافل والتضامن الاجتماعي، من خلال برنامج توزيع "مليون حقيبة مدرسية" في بداية كل موسم دراسي. وقد كان ولا يزال لتلك المبادرة الآثار الحميدة على أبناء المواطنين، وخاصة أولئك المنحدرين من الطبقة المعوزة من مجتمعنا. ولذلك نتمنى أن تتسع رقعة تلك المبادرة لينضم إليها الأغنياء والأسر الميسورة وأرباب الشركات وجمعيات المجتمع المدني، للانخراط في عملية توفير الكتب للتلاميذ وللاعتناء بمرافق المدارس العمومية ومحيطها، والانخراط في تزيين المدارس وتجديد وتحديث مظهرها وحدائقها، لأن واجهتها وجودة مرافقها لا تُدخل السعادة على قلوب المعلمين والتلاميذ فحسب، بل حتى على الساكنة وعلى كل من يمر بجوار المدرسة، ناهيك عن الرفع من مستوى جودة التعليم بتلك المدارس والرفع من معنويات التلاميذ والطلاب وطاقم التعليم بأكمله. فالكل يطمح إلى رؤية محيط مدرسي خال من جميع المظاهر السيئة والموبقات وينعم فيه أبناؤنا بالراحة والطمأنينة والسعادة والسلامة قبل كل شيء. وبما أن المناهج هي الأرضية التي ترتكز عليها العملية التربوية والتعليمية، فمن الضروري الخوض في هذا الموضوع بكل مصداقية وجعله في صلب عملية مشروع إصلاح منظومة التربية والتعليم متى ما أُخذ بجدية، بل ومتى ما شُرع في التخطيط له، علماً بأن الكثير من الخطب الملكية السامية ألحت على التعجيل بإيجاد حلول، ويكفي الرجوع إلى الخطاب السامي بمناسبة ذكرى 20 غشت، لنقف على معالم التوجيهات الكبرى النيرة للرفع من مستوى التربية والتعليم في بلدنا، ما دمنا نسعى إلى مد الإشعاع الفكري والنموذج المغربي على كافة المستويات والقطاعات إلى إفريقيا وغيرها، ولنتذكر جميعاً بأننا لن نعيد للتعليم هيبته ومكانته ما لم نسع إلى إعادة مكانة المعلم داخل المجتمع، وللمدرسة العمومية جماليتها ومكانتها ومجدها.... "أكعاون ربي" والله ولي التوفيق،،، *خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار [email protected]