تفاعلا مع مقتضيات الدستور الجديد، أصدر المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري قراره رقم 46-11 الصادر (11 أكتوبر 2011) المتعلق بضمان التعددية السياسية في وسائل الاتصال السمعي البصري خلال فترة الانتخابات التشريعية المبكرة (2011) وستتكلف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ضمن اختصاصها على ضمان هذه التعددية ، وذلك من خلال إصدار القواعد التي تضمن الولوج المنصف لكل الأحزاب السياسية في وسائل الاتصال السمعي البصري من حيث مدة البث ومدة تناول الكلمة خلال الفترة الانتخابية الممتدة من 12 اكتوبر 2011 من الساعة 12 ليلا الى 11 نونبر 2011 س 12 ليلا بالنسبة ما قبل الحملة الانتخابية. ومن 12 نونبر 2011 س 12 ليلا الى 24 نونبر 2011 س 12 ليلا بالنسبة للحملة الانتخابية الرسمية. وقد أعدت الهيئة عدة قوانين لإجراء الحملة الانتخابية في جو تنافسي شريف يضمن الولوج المنصف لكل الأحزاب السياسية بوسائل الاتصال السمعي البصري، مع المنع الكلي توظيف الأحزاب السياسية للمسائل التالية أثناء الحملة الانتخابية: - المس بثوابت المملكة كما هي محددة في الدستور؛ - المس بالنظام العام؛ - المس بالكرامة الإنسانية أو باحترام الغير؛ - إفشاء المعطيات المحمية بالقانون؛ - الدعوة إلى القيام بحملة لجمع الأموال، - التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف. - استعمال الرموز الوطنية؛ - الاستعمال الجزئي أو الكلي للنشيد الوطني، - الظهور في أماكن العبادة أو أي استعمال كلي أو جزئي لهذه الأماكن؛ - الظهور بشكل واضح داخل المقرات الرسمية، سواء كانت محلية أو جهوية أو وطنية؛ - إظهار عناصر أو أماكن أو مقرات يمكن أن تشكل علامة تجارية . كما حددت نفس الهيئة ضوابط ومعايير الالتزام بالتعددية على أساس توازن عادل بين مبدأي المساواة وتمثيلية الأحزاب السياسية في مجلسي البرلمان، موزعة الحجم الزمني الإجمالي لبرامج الفترة الانتخابية حسب المجموعات الثلاث التالية: - المجموعة الأولى: تتكون من الأحزاب السياسية التي تتوفر في إحدى غرفتي البرلمان على عدد المقاعد اللازم لتشكيل فريق برلماني، وتستفيد من % 35من الحجم الزمني الإجمالي لبرامج الفترة الانتخابية، موزعة بينها بالتساوي ( 8 أحزاب) وهي :حزب الأصالة والمعاصرة -حزب الاستقلال-حزب العدالة والتنمية-التجمع الوطني للأحرار-الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية-الحركة الشعبية-الاتحاد الدستوري-حزب التقدم والاشتراكية. - المجموعة الثانية: تتكون من الأحزاب السياسية التي تتوفر على الأقل على نائب أو مستشار بالبرلمان؛ وتستفيد من %35 من الحجم الزمني الإجمالي لبرامج الفترة الانتخابية، موزعة بينها بالتساوي (11 حزبا) وهي: الحركة الديمقراطية الاجتماعية- حزب البيئة والتنمية المستدامة- الحزب الليبرالي المغربي- حزب الشورى والاستقلال- الحزب الاشتراكي الموحد- الحزب العمالي- حزب المؤتمر الوطني الاتحادي- جبهة القوى الديمقراطية- حزب العهد الديمقراطي- حزب التجديد والإنصاف- حزب النهضة والفضيلة. - المجموعة الثالثة: تتكون من الأحزاب السياسية غير الممثلة بالبرلمان. وتستفيد من %30 من الحجم الزمني الإجمالي لبرامج الفترة الانتخابية، موزعة بينها بالتساوي. (16 حزبا) وهي: الحزب الاشتراكي- الحزب الديمقراطي الوطني- حزب الوسط الاجتماعي- حزب القوات المواطنة- حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي- حزب العمل- حزب الإصلاح والتنمية- حزب الأمل- حزب المجتمع الديمقراطي-حزب الحرية والعدالة الاجتماعية- حزب الوحدة والديمقراطية- حزب الاتحاد المغربي للديمقراطية- حزب النهج الديمقراطي- حزب النهضة- حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية -حزب اليسار الأخضر. يتبين من قرار المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري رقم 46-11 ان هناك إطارا قانونيا يضبط وسائل الاتصال السمعي البصري للالتزام بالنزاهة والحياد والمهنية واحترام مبدأ الإنصاف في كل البرامج الحوارية والمجلات الإخبارية اثناءكل الفترة الانتخابية. لكن هذه القوانين لوحدها لا يمكنها ان تكون لها أي مفعول ايجابي اثناء الحملة الانتخابية، بل يمكن ان تكون لها انعكاسات على عملية التصويت وتؤثر سلبيا على العملية الانتخابية اذا لم تكن الأحزاب السياسية في وصلاتها الاشهارية وبرامجها الحوارية قادرة على جذب المستمع او المشاهد وإقناعه ،لذلك، فالحملة الانتخابية غير المدروسة وغير الجذابة وغير المقنعة يمكن ان تؤدي الى نتائج معاكسة لأننا نعيش عصر الإعلام والمعرفة، عصر الكلمة المصنوعة والصورة المؤثرة وعلى السياسيين ان يكونوا واعون بوزن الكلمة والصورة في التأثير والإقناع وصناعة الرأي العام اثناء الحملات الانتخابية لكون التواصل الانتخابي يبقى جوهر الحدث الانتخابي، ومن كان جاهلا به فقد يؤدي الثمن يكون غاليا ليس لوحده بل حتى بالنسبة للعملية الانتخابية ذاتها وهذا ما لم يستوعبه الفاعلون السياسيون اللذين ما زالوا يعتقدون ان الاتصال الانتخابي هو مجرد مرور عادي في وسائل الإعلام او تمرينات لغوية بصيغ تعبيرية متنوعة ، او انه " نزهة اتصالية" او استجابة لقرار المجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري. ونسجل بالمناسبة ان هذا الإطار القانوني غير كاف في غياب وجود ثقافة ونخب سياسية قادرة على الاستثمار في الكلمة والصورة اثناء الحملة الانتخابية .والأكيد ان وعي الفاعل السياسي بأهمية الكلمة والصورة أثناء الفترة الانتخابية يعد عنصراً مهما من عناصر التأثير والتوجيه والإقناع ،فالكلمة والصورة هما عملية لغوية وسيميولوجية تنتج دلالات ويتفاعل فيها طرفان مرسل ومستقبل وكلما كان المنتوج جيدا كان الاستقبال ايجابيا ،وكلما كان المنتوج رديئا كان الاستقبال سلبيا . لذلك تصبح المعادلة التحكمية بآليات الاتصال السياسي أساسية في الحملة الانتخابية . هذه المعادلة التي تحتاج لبيئة سياسية سليمة سياسيا وثقافيا لجعل الاتصال الانتخابي يؤثر اكثر على مسار التغيير الديمقراطي عبر حملة انتخابية تعزز شرعية الفاعل السياسي والفعل الانتخابي وتقوي الثقافة التشاركية اثناء العملية الانتخابية. لذلك تؤثر وسائل الاتصال على العملية الانتخابية من وجهتين مرتبطتين ببعضهما اشد الارتباط، اولهما تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام الذي يؤثر بدوره على صناعة الخريطة السياسية .ثانيهما تقوية الثقافة السياسية والتشاركية لدى المواطن. وعلى هذا الأساس فالحملة الانتخابية في وسائل الإعلام ليست مجرد التزام بالقوانين المنظمة لها بل انها عملية ممنهجة تتطلب الكثير من التخطيط والتنسيق والإقناع ومعرفة مسبقة بالجمهور المستهدف وتحديد الوسائل،و تفترض الكثير من المصداقية والمهنية والتواصل الاقتصادي، هذا الأخير الذي هو مركز المشاركة التي هي تتويج للفعل التواصلي الانتخابي،وعليه فالتواصل الانتخابي المدروس يصنع الحدث السياسي ويجعل سلط الخطاب والصورة تتألق داخل مملكة السياسة خصوصا في الزمن الانتحابي. والحديث عن التواصل الانتخابي هو الحديث عن سياسة الانتخابات، وبالمناسبة فالحملة الانتخابية تتأثر بنوعية برامج ومجلات وأخبار وسائل الإعلام، يمكن لأي احد ان يناقش حجم هذا التأثير لكنه لا يمكنه ان ينفيه، لذلك يبقى حجم هذا التأثير مرتبطا بكيفية جذب واقتناع الجمهور مدى قدرة الفاعل السياسي الابتعاد عن الثرثرة وعن اللغو واللغة الخشبية وعن الدعاية الانتخابية البئيسة والصورة القبيحة. لذلك نقول ، يجب الانتباه الى الجانب التواصلي في هذه الحملة خصوصا في ظل اتساع رقعة المقاطعين للانتخابات التشريعية المقبلة وحملات المقاطعة لها، فالأحزاب السياسية مطالبة اثناء الحملة الانتخابية بأن تواجه خطاب المتشككين في هذه الانتخابات من جهة ، ومن جهة اخرى عليها الاستثمار في إعلام مؤثر وقادر على جذب الناس لان نتائجه ذات تأثير كبير على العملية الانتخابية، كما انه ينتزع مشاركة مدنية اكبر من أي حدث آخر.لهذا تحاط الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية بسياج من القواعد والقوانين وايضا بأنماط تواصلية مدروسة ومهنية ، وكما تحتاج الحملة الانتخابية الى ضوابط قانونية فانها تحتاج الى إعلام انتخابي مؤهل كفيل بتوفير إجراء وقائي لضمان مشاركة مكثفة . نقول هذا الكلام لان المغرب مقبل على انتخابات مبكرة ستكون صعبة وشاقة على الدولة والأحزاب السياسية لكونها تجري في سياق عام مأزوم تراجعت فيه هيبة الدولة وتآكلت في ظله المؤسسات الحزبية وسطع فيه نجم الجيل الثالث من الاحتجاجات ، لذلك فان التأثير الايجابي لوسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة في العملية الانتخابية يرتبط بالخصوص بنوعية سلوك وخطابات وايماءات ممثلي الاحزاب في هذه الحملة الانتخابية لإرساء تواصل انتخابي جديد متجاوز للأنماط التواصلية التقليدية الفاقدة لكل شرعية ومشروعية . لذلك نؤكد مرة ثانية على ان علاقة وسائل الإعلام بالحملة الانتخابية وما تتضمنه من أدوات وشروط لتحقيقها هي علاقة جدلية لا يمكن أن تتأت عن طريق قوانين فقط ، بل من خلال توفير إعلام انتخابي جذاب وناجع .فالجانب الممارساتي من طرف الأحزاب في فترة ما قبل الحملة الانتخابية التي انطلقت يوم 12 اكتوبر 2011 والتي ستنتهي يوم 11 نونبر 2011 على الساعة12 ليلا لتنطلق الحملة الانتخابية الرسمية من 12 نونبر 2011 س12 ليلا الى 24 نونبر 2011 ليلا يؤشر ان احزابنا في حاجة الى تواصل انتخابي متميز بالنزاهة والموضوعية والمهنية،وبعيدا عن التنظير السياسي والتفلسف والدعاية واللغة الخشبية وازدواجية الخطاب لذلك نكرر مرة اخرى الى ان فترة الانتخابات تعتبر في أية دولة وفي أي نظام ديمقراطي فرصة لتقييم مدى ديمقراطية الأحزاب السياسية وديمقراطية وسائل الإعلام وديمقراطية القوانين المنظمة للعملية الانتخابية ذاتها. وعليه فتأهيل التواصل الانتخابي - كما أكدت التجارب في عدد من الدول- هو من يقوي ثقة المواطن في الفعل الانتخابي ويجعله شريكا في إحداث تغيير في العملية الانتخابية وفي تطوير الديمقراطية التشاركية .وهذا ما يتطلب من وسائل الإعلام التي تدعي انها حارسة الديمقراطية ان لا تهمل او تنكر المسؤولية التي تلازم هذا الدور، بعيدا عن تحويل أخبارالإنتخابات والبرامج السياسية الانتخابية الى فضاءات لتبخيس الفعل والعمل السياسيين والأحزاب السياسية وكل ما يمت إلى السياسة بصلة حتى لا يزداد تكريس وترسيخ العبث السياسي الذي هو ليس من صالح المجتمع ولا من صالح الدولة ولا من صالح الأحزاب السياسية ولا من صالح وسائل الإعلام نفسها ،ذلك أن تأمين إجراء أي انتخابات يتطلب من الأحزاب السياسية وكذا المؤسسات الإعلامية إنتاج وكذا المؤسسات الإعلامية وكذا المؤسسات الإعلامية وكذا المؤسسات الإعلامية وكذا المؤسسات الإعلامية برامج انتخابية نوعية وخطابات متقنة وصورا جذابة لوجوه شابة وجديدة تعوض لنا عدة وجوه مل الشعب المغربي من رؤيتها مع كل استحقاق انتخابي ضمن احترام تام لمبدأ تعددية التعبير والفكر والرأي.