تبدأ فنزويلا إصدار أوراق نقدية جديدة، الاثنين، بعدما ألغت خمسة أصفار من عملتها البوليفار التي تواجه صعوبات، إلا أن المحللين حذروا من أن هذا الإجراء لن يساهم في وضع حد للأزمة الاقتصادية التي تزداد سوءا. ووصف الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، الخطوة بأنها "تغيير عظيم"، في الوقت الذي تسعى الحكومة إلى السيطرة على التضخم المتزايد، الذي توقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى مليون في المائة هذا العام. وسيتم تعليق التعاملات المالية عبر الإنترنت ابتداء من الأحد لتسهيل إدخال الأوراق النقدية الجديدة، التي أطلق عليها "البوليفار السيادي" للتمييز بينها وبين العملة الحالية: "البوليفار القوي". وستبلغ قيمة الورقة النقدية الكبرى 500 بوليفار، أي ما يعادل 50 مليوناً في العملة الحالية أو 8 دولارات في السوق السوداء. وبحلول نهاية العام 2016، كانت الفئة الكبرى من العملة الفنزويلية هي 100 بوليفار، لكن بعد أقل من عام بدأت الحكومة بإصدار أوراق نقدية من فئة 100 ألف بوليفار باتت الآن بدون قيمة تقريبا. وقبيل إعادة إطلاق العملة، أعلن مادورو، الجمعة، رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1800 "بوليفار سيادي" (نحو 28 دولارا)، وهي زيادة بنسبة 3500 بالمائة عن الحد الأدنى السابق البالغ 5,2 ملايين (ما يعادل أقل من دولار حسب معدل السوق السوداء السائد حاليا). ويحمل الرئيس "مؤامرات" المعارضة والعقوبات الأمريكية مسؤولية الأزمات المالية التي تعانيها فنزويلا، لكنه يقر بأن الحكومة "ستتعلم مع مرور الوقت" عندما يأتي الأمر لتغيير الوحدة النقدية. غير أن الضبابية والشك يهيمنان على المشهد المالي الفنزويلي. وقال الخبير الاقتصادي، جان بول ليدينز، لوكالة "فرانس برس": "إذا بقي العجز المالي والإصدار غير المنظم للنقود (للتغطية عليه) ستتفاقم الأزمة". وتعيش فنزويلا الغنية بالنفط عامها الرابع من الركود الاقتصادي، وتشهد نقصا في الغذاء والدواء، وتدهورا في الخدمات العامة على غرار المواصلات والكهرباء والماء. ويشكل إنتاج النفط 96 بالمائة من عائدات فنزويلا، لكنه تراجع إلى مستوى هو الأقل منذ 30 عاما، إذ بلغ 1,4 مليون برميل في اليوم مقارنة بمعدل إنتاج قياسي حققته البلاد قبل عشرة أعوام وبلغ 3,2 ملايين برميل. وبات العجز المالي يشكل نحو 20 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي، في حين بلغ الدين الخارجي 150 مليار دولار. ولا يعد تغيير الوحدة النقدية أمرا جديدا في فنزويلا، وبالتالي فإن الخطوة لا تبعث على آمال جديدة، ولا تعزز ثقة المستثمرين. فقد ألغى سلف مادورو والبطل الثوري هوغو تشافيز ثلاثة أصفار من البوليفار في 2008، لكن ذلك لم ينجح في وضع حد للتضخم المفرط. من جهته، حذر أسدروبال أوليفيروس، من شركة "إيكوانالاتيكا" للاستشارات المالية، من أن الأوراق النقدية الجديدة ستواجه المصير ذاته، الذي واجهته الوحدات الأخيرة "في غضون أشهر" ما لم تتم السيطرة على التضخم. وحسب ليدينز، فإن فنزويلا تحاول أن تحذو حذو البرازيل، التي استبدلت عملتها القديمة "كروزيرو" بالريال في التسعينيات بعدما قضى التضخم المفرط على الأولى. ويشير الخبير ذاته إلى أن فنزويلا لن تنجح في ذلك نظرا إلى انعدام الانضباط المالي لدى الحكومة وغياب التمويل. لكن الحكومة لم تتراجع، إذ أصر مادورو على أن البوليفار سيرتبط بالعملة الافتراضية غير الموثوق بها تماما "البترو"، إلى جانب أنظمة الأجور والتسعيرة الجديدة. وأطلقت فنزويلا العملة الرقمية في محاولة للتعامل مع أزمة السيولة والالتفاف على العقوبات الأمريكية. وقد أكد مادورو أنها ستكون مدعومة من احتياطات بلاده النفطية. ومنذ انتهاء عمليات عرض "البترو" قبل طرحه للبيع في مارس، أفادت الحكومة أنها تلقت عروضا بخمسة مليارات دولار، لكن لا يزال هناك "لغط كبير" بعد مرور خمسة أشهر، حسب ليدينز. ووصف موقع "إي سي أو إنديكس" لتصنيف العملات الافتراضية "البترو" بأنها "خدعة"، في الوقت الذي منعت الولاياتالمتحدة مواطنيها من التعامل بها. وقال مدير منظمة استطلاعات "داتا أناليسيس"، الخبير الاقتصادي لويس فيسينت ليون، إن "ربط البوليفار بالبترو هو كربطها بلا شيء". ومنذ البداية، لم يتضح كيف ستعمل "البترو"، ولا ما يعنيه أن تكون مدعومة بالنفط. لكنه واحد من سلسلة إجراءات اقتصادية تبدو يائسة، أعلنتها حكومة مادورو في محاولة لإصلاح الأزمة الاقتصادية في البلاد. وفي وقت سابق هذا الأسبوع، أعلن مادورو كذلك عن قيود على الوقود المدعوم بشدة في محاولة لمنع تهريبه إلى دول أخرى. وبموجب القيود، سيكون الوقود المدعوم متاحا فقط للمواطنين، الذين يسجلون سياراتهم للحصول على بطاقة "أرض الآباء"، في إجراء رأت المعارضة أنه يهدف فقط إلى التضييق عليها. وكلف الدعم على الوقود فنزويلا عشرة مليارات دولار منذ 2012، وفق المحلل النفطي لويس أوليفيروس، لكن لن يكون بمقدور معظم الفنزويليين شراء الوقود بدون تلك البطاقة. وقبل أسبوعين، خففت كراكاس سيطرتها على بيع العملات الأجنبية، في محاولة لجذب الاستثمارات من الخارج، وهو ما خلق سوقا سوداء، حيث يمكن بيع الدولار بقيمة أعلى بثلاثين مرة من سعر صرفه الرسمي.