بعد شهر من تعيينه وزيرا للمال، يواجه براءة البيرق، النجم الصاعد في السياسة التركية وصهر الرئيس رجب طيب أردوغان، مهمة شاقة تتمثل في إقناع الأسواق المالية بجدية أنقرة في وضع حد لأزمتها الاقتصادية. والبيرق متزوج من إسراء أردوغان، الابنة البكر للرئيس التركي، ويبلغ من العمر 40 عاما، وتم تعيينه في 9 يوليوز وزيرا للمال والخزانة، إلا أن الأسواق استقبلت تعيينه بحذر. تولى البيرق سابقا وزارة الطاقة، وشهدت مسيرته صعودا سريعا في السنوات الأخيرة، وهو يقف الآن في الخطوط الأمامية للتصدي لواحدة من أكبر الأزمات خلال حكم أردوغان المستمر منذ عقد ونصف، بعد انهيار قيمة الليرة التركية وسط خلاف مع الولاياتالمتحدة. ومن المقرر أن يعقد الوزير الخميس مؤتمرا عبر الدائرة المغلقة مع نحو ثلاثة آلاف مستثمر، لشرح خطة تركيا لمواجهة الأزمة؛ وهو يأمل في ترك انطباع أفضل من الانطباع الذي تركه الجمعة الماضي عندما عرض إستراتيجية نمو في قصر دولما باتشه بينما كانت الليرة تتهاوى. وتجنب البيرق يومها، وهو يتصبب عرقا في يوم شديد الحرارة والرطوبة، التطرق مباشرة إلى موضوع تدهور الليرة، ما أثار حيرة المراقبين. الصهر وغالبا ما ينظر إلى البيرق، صاحب الشخصية الجذابة والمتمكن من اللغة الإنجليزية، على أنه ثاني أقوى رجل في البلاد بعد عمه أردوغان؛ ودخل البرلمان للمرة الأولى في يونيو 2015، وأُسندت إليه وزارة الطاقة في نونبر من العام نفسه. وفي مؤشر يدل على مدى التقارب بين الرجلين، كان البيرق يمضي عطلة مع أردوغان جنوب غرب تركيا عندما حصلت محاولة الانقلاب ليل 15 يوليوز. ورافق البيرق ليل 16 يوليوز أردوغان في الطائرة التي نقلتهما إلى إسطنبول في رحلة محفوفة بالمخاطر، بالتزامن مع تحليق طائرات منفذي محاولة الانقلاب في الأجواء التركية. ووقف البيرق إلى جانب أردوغان عندما أعلن الأخير بعد أن حطت طائرته في مطار أتاتورك في إسطنبول فشل الانقلاب؛ ويشبهه البعض بجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والمستشار الكبير في البيت الأبيض الذي يتولى مهام رئيسية، مع الفارق أن البيرق دخل معترك السياسة بعد أن فاز بمقعد في البرلمان. وفي دليل جديد على مركزه المهم، كان البيرق المسؤول التركي الوحيد إلى جانب أردوغان خلال غداء العمل مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في أنقرة الأربعاء؛ وقد وعد الأخير ب15 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في تركيا. وأشارت بعض التقارير إلى توترات داخل الحكومة بسبب البيرق، وبشكل خاص مع وزير الداخلية سليمان صويلو، المعروف بخطابه الناري على نقيض وزير المال الهادئ. وفي وقت سابق من هذا الشهر، انتشر تسجيل فيديو على الإنترنت يبدو فيه صويلو خلال مراسم يرتطم بكتف البيرق بينما كانا يسيران في اتجاهين متقابلين، ثم يدير رأسه مبتسما. رئيس وزراء غير معلن قبل دخوله معترك السياسة أدار البيرق مجموعة "تشاليك القابضة"، التي تضم شركات للنسيج والطاقة، وخصوصا شركات إعلامية، إذ تملك المجموعة صحيفة "صباح" واسعة الانتشار والقناة التلفزيونية الإخبارية "خبر". ونال البيرق شهادة ماجستير في العلوم المالية والمصرفية من جامعة بايس في نيويورك، وقبل تعيينه وزيرا كان كاتب مقالات في صحيفة "صباح". ويعرف عن أردوغان قربه من عائلة البيرق، وبخاصة صادق والد براءة، وهو صحافي سابق وسياسي ينتمي للتيار الإسلامي ومن الأصدقاء المقربين للرئيس التركي. وحضر عدد من قادة دول العالم زفاف البيرق من ابنة أردوغان في يوليوز 2004، وقد رزقا مذّاك ثلاثة أولاد. ويتمتع البيرق بنفوذ كبير في الحكومة التركية إلى حد وصفه أحيانا برئيس وزراء غير معلن. وفي شتنبر 2016 أعلنت مجموعة قرصنة على الإنترنت تدعى "ريدهاك" أنها تمكنت من قرصنة البريد الإلكتروني للبيرق، ونشرت رسائل إلكترونية موجهة إلى أحد كوادر المجموعة الإعلامية النافذة "دوغان"، التي شككت في مصداقية الرسائل. دبلوماسي نشيط وفي وزارة الطاقة سنحت للبيرق فرصة التواصل مع الحكومات الأجنبية، ولاسيما روسيا وإسرائيل اللتان تجري معهما تركيا مفاوضات حول مشاريع كبرى في مجال الطاقة؛ وفتح له ذلك المجال للاضطلاع بدور كبير الدبلوماسيين في تركيا. وتوجت المصالحة التركية الإسرائيلية في 2016 بلقاء بين البيرق ووزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز. إلا أن البيرق تعرض لانتقادات حادة، أبرزها خلال الأزمة بين أنقرة وموسكو بعدما أسقطت الطائرات التركية مقاتلة روسية عند الحدود السورية في 2015، واتهام روسيا الدائرة المقربة من البيرق وأرودغان بالتورط مع تنظيم الدولة الإسلامية في عمليات تجارة النفط. ونفى أردوغان ومسؤولون أتراك بشدة تلك الاتهامات. وتم تناسي كل ذلك بعد عودة الحرارة إلى العلاقات التركية الروسية، وظهر البيرق وتعلو وجهه ابتسامة كبيرة خلال توقيع اتفاق ثنائي لبناء خط أنابيب نقل الغاز "ترك ستريم" في أكتوبر 2016. وينظر المراقبون الآن إلى مستقبل الصهر الثاني لأردوغان، سلجوق بيرقدار، الذي تزوج عام 2016 من سمية، صغرى بنات أردوغان، والمسؤول التنفيذي الكبير في الشركة التي صنعت أول طائرة تركية بدون طيار. *أ.ف.ب