لقد أصبحت المسؤولية المجتمعية للمقاولات، على الصعيد العالمي، في قلب الرهانات البيئية والاجتماعية المتعلقة بأنشطة ومهن القطاع الخاص. حيث يعتبر مفهوم "المسؤولية المجتمعية" مشروعا اجتماعيا، يأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي والإيكولوجي ويضع التنمية المستدامة في صلب المعادلة الاقتصادية للمقاولة، سواء كانت كبرى أو متوسطة أو صغرى. وإذا كان منطق الاستدامة هو الحجر الأساس للمسؤولية المجتمعية للمقاولات، فإن الأمر يتعلق "باقتصاد مجتمعي مسؤول" مندمج ومتكامل، يهدف من جهة، إلى الخرق الثروة وتحقيق الربح المالي، ومن جهة أخرى إلى خدمة المواطن وتكريس مبدأ المنفعة العامة. وفي نفس السياق، يتعين على المقاولة تطوير علاقاتها مع مختلف الشركاء قصد تكريس ممارسات جيدة تتقاطع مع مبادئ وقواعد المسؤولية المجتمعية المشتركة. ومن بين الجوانب التدبيرية المرتبطة بالتنمية المستدامة، باعتبارها القاعدة الرئيسية للمسؤولية المجتمعية للمقاولات أذكر على الخصوص تدبير الموارد البشرية، التسيير اللوجستيكي، تدبير الطلبيات والمشتريات، سبل وطرق الإنتاج، الرقمنة وفن التسويق. وبالنسبة للمغرب، تبقى مأسسة المسؤولية المجتمعية للمقاولات من أهم العوامل التي ستمكن من بلورة رؤية إستراتيجية عرضانية، تفضي إلى إدماج البعد المجتمعي والتسيير المستدام في نمط حكامة المقاولات (العمومية والشبه عمومية والخاصة). وتبقى المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تمثل حوالي 95% من النسيج الاقتصادي المغربي، الفئة المعنية بمشروع المسؤولية المجتمعية، حيث يتعين تأطيرها عبر مقاربة حديثة تلعب فيها الدولة دور الريادة. وبالتالي، فإن بلورة شراكة إستراتيجية بين القطاعين العام والخاص ستمكن من تعبئة المزيد من المجهودات في المجالين الاجتماعي والبيئي، وذلك قصد النهوض بالعامل البشري وتحسين المناخ. حيث تعتبر المسؤولية المجتمعية للمقاولات رافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية بالبلدان الصاعدة، لكونها تدمج بين العنصر البشري والجانب البيئي في ريادة الأعمال وتطوير المشاريع السوسيو اقتصادية، وعلى كل الأصعدة المركزية والجهوية والمحلية. وفي هذا الصدد، يتعين تطوير طرق التدبير المقاولاتي بالمغرب عبر تبني آليات عصرية للمسؤولية المجتمعية كالاهتمام بفضاء عمل الأطر والأعوان، وتوفير ظروف بيئية ملائمة لتحسين الإنتاج، وتجويد طرق التصنيع، والاستغلال المسؤول للموارد الطبيعية. حيث ستكمن الآليات المذكورة من الرفع من أداء المقاولات المغربية وتجويد طرق عملها، وبالتالي تيسير تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي ستمكنها من الرفع من تنافسيتها على المستويين الإقليمي والدولي. *رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير.