في ظل الأزمات دائما ما تطفو طرائف على سطح هذه البلاد من العباد، ولفرط تعودهم عليها اتخذوا من السخرية سلاحا يحاربون به الفساد والفسدة والمفسدين بكل ما أوتوا من روح النكتة والفكاهة والتهكم. يُحكى أن مواطنا تنقصه الخبرة اللازمة في إعطاء أو تقديم رشاوي، ذهب لقضاء مصلحة في إحدى المؤسسات العمومية، وكان الشخص المختص يبدو منشغلا ومشغولا عن الكل، لكن المواطن اقترب بخطى حثيثة نحو الشخص المختص في تلك المصلحة فلاحظ بأن درج المكتب كان مفتوحا، فما كان منه إلا أن وضع فيه ورقة من فئة مائة درهم، وأراد بحركة سريعة لفت وإثارة انتباه الشخص المختص في المصلحة إلى أنه تم تسديد الرشوة للإسراع بتمكينه من حاجته وقضاء مصلحته، فقال: "الشريف انظر، سقطت منك مائة درهم في داخل الدرج. فأجابه بغضب شديد الشخص المختص في المصلحة ثم رفع عقيرة صوته: مستحيل وغير ممكن سقوط مائة درهم في داخل درج مكتبي. المواطن المسكين صُدِمَ وبدأ ينزل منه العرق من شدة خوفه في الوقوع في ورطة، غير أن الشخص المختص في المصلحة استدرك كلامه بسرعة متابعا كلامه بالقول: اسأل كل من يوجد هنا ويتعامل معي بأنه يستحيل أن تسقط أقل من مائتي درهم مني؟!. بعض المغاربة يتعامل مع الرشوة وكأنها قدر لا يمكنك الهروب منه أو على أنها شر لابد منه، وأنها الحل المناسب لمشكلة البيروقراطية الإدارية المزمنة، التي تشبه "عنوان سلسلة أمريكية – Cold case " ملفات باردة في أدراج مكاتب بعض الموظفين. لا يكفي دستور 2011 الممنوح والذي تنص بعض فصوله على ربط المسؤولية بالمحاسبة ولا يكفي دسترة هيئات ومؤسسات رقابية ولا التزام الدولة بمكافحة الفساد، نحن بحاجة إلى سد وملئ الثغرات القانونية التي منها ينفذ الوزراء والبرلمانيون لتمرير قانون التقاعد بعيدا عن أعين المتعاقدين معهم من الناخبين، هناك قوانين كثيرة غير مفعلة كحالة تنافي وتنازع المصالح وقوانين غير مطبقة مثل منع تراكم الثروات الغير المشروعة من الوظيفة العمومية، قوانين عدة تعاني مشكلة أجرأتها. نحتاج إلى إعلام بجميع مكوناته ومكنوناته ويكون مستقلا وحياديا ونزيها ومنصفا وعادلا لا يخدم مصالح صاحب الدار، وما أحوجنا لدولة محايدة منحازة للحق في القانون وللمساواة وللإنصاف في العدل وعدم نهج سياسة اللاعقاب وعدم التستر على الفسدة والفاسدين والمفسدين فما بالنا لو كانوا وزراء وبرلمانيين وموظفين عموميين. المعلوم بالضرورة من السياسة أن وراء كل كارثة، مالية أو اجتماعية أو أخلاقية، فاسد. وأن تفسير أزمة أي أزمة يبدأ بالتفتيش عن الفساد، فخلف ارتفاع سعر المحروقات نتج عنه ارتفاع الخضر والقمح والفواكه واللحم، أضف لها التحكم والمتاجرة بالمعلومات والتسريبات من وزراء في الحكومة، والتحالفات بين كبار الموظفين الفاسدين ورجال الأعمال الجشعين، فاسدون، يتمسحون بالقرآن صباحا وفي المساء تجدهم في الحانات والكباريهات، أخذوا منه عفا الله عما سلف وتركوا للفقراء إن الله شديد العقاب. فاسدون يلبسون ثوب التغيير والإصلاح ويسبحون في الفساد، يتحدثون عن الإسلام أقوالا لا أفعالا، الأطباء التاركين مرضاهم في المستشفى العمومي ويذهبون إلى زبنائهم في المصحة الخاص أو الخصوصي أو الممتنعون عن أداء وتأدية واجبهم. فاسدون، عمال الفحص التقني للسيارات المهمل في عمله والمتسببون في إزهاق أرواح الأبرياء. فاسدون، الذين يتقنون هندسة الاعلاميات الالكترونية بحجة العلم وهم هاكرز يخترقون بها خصوصية حياة الآخرين. فاسدون، المهندسون الذين يقبلون ويتلقون الرشاوي لإنجاز مشروع خاص أو عمومي تكون نتيجته خسائر بشرية دموية وكوارث مادية. فاسدون عمال التنظيف والنظافة الذين لا يؤمنون بإتقان عملهم بضمير مهني لضعف أجرتهم. فاسدون، الصيادلة الذين يحرمون المرضى من الأدوية المعالجة ويمدونهم بأدوية جنيسة غير فعالة ومفعولها، أيضا أولئك الذين لا يعطون الدواء إلا لأصدقائهم ومعارفهم. فاسدون، سائقو الحافلات العمومية والخاصة الذين لا يحترمون زبناءهم الركاب شيوخا وأطفالا ولا يحترمون قانون السير. فاسدون، المواطنون الذين لا يؤدون ثمن تذكرة ركوب الحافلة وجيبه مليء بالنقود وكأن الحافلة التي يركبها من إرث تركة عائلاتهم. فاسدون، عمال الماء والكهرباء الذين يتغاضون عن ملايير اللترات المكعبة المسربة والمهدرة تحت الأرض، والذين يتركون الخيوط الكهربائية عارية في الشوارع مع ما تشكله على الصحة العمومية وخطر الصعق المحتمل الذي قد يتعرض له الأطفال وغيرهم. فاسدون، التجار الذين يحتكرون ويرفعون الأثمنة دون حسيب ولا رقيب والذين يستفيدون من السلع والبضائع المدعومة على حساب قوت الشعب. فاسدون، الذين يحتقرون ولا يحترمون بائعات الكلينكس والشوكولاطة وينظرون لهن بازدراء رغم كونها تربح قوت يومها بعرق جبينها لا بالتجارة بجسدها. فاسدون، المعلمون والأساتذة الذين يتركون فقط ضمائرهم في قاعات وساحات الدروس الخاصة والخصوصية. فاسدون، سائقو الطريبورطورات الذين لا يؤمنون بأن ما يقودونه هو مصدر أساسي للعيش فقط. فاسدون الذين يبنون ويضعون اليد عن طريق التزوير والتزييف على أراضي غيرهم أو أرض تابعة للدولة بدون وجه حق. فاسدون، الذين يتحايلون على القواعد والقوانين للحصول على شقة اقتصادية هي في الأصل ليست من حقه. فاسدون، عاملو النجارة الذين يغشون في الخشب لعمل دولاب أو طاولة أو أثاث بهدف تحقيق ربح أكبر. فاسدون، العائلة التي لا تراقب ولا ترعى أطفالها بحجة الفقر وقلة العيش. فاسدون، الذين يحرقون زملاءهم ويتسلقون فوق ظهورهم للوصول لمراتب ليست من حقهم ولا يستحقونها. فاسدون، عندما نتيح ونبيح للأبناء فعل أو قول فساد. فاسدون، نحن إذا ظننا أن سبب فقرنا وجهلنا ومرضنا سببه دولة المخزن والحكومة. فاسدون، الذين يتكلمون عن الأخلاق والقيم وفضيلة الأمانة ونحن وتلك القيم منهم براء. أخيرا، كل قارئ لهذا المقال سيخَوِّن ويشْتِم ويلعَن ...الخ، هو بحاجة مستعجلة وماسة لعمل تحاليل مجهرية ومِخبرية لفصيلة دمه حتى نعرف ونتعرف على كمية الوطنية فيه. الإنسانية هي الحل