توقَّف تقرير أنْجزه المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة حول "الحالة الدينية في المغرب"، وهمّ الفترة ما بين 2017 و2016، عند ما اعتبره "استمرار تصاعُد الإقبال على التديّن وسَط المجتمع المغربي"، مستنداً في حُكمه على مجموعة من التمظهرات الدينية التي رصدها؛ من قبيل "تزايد الاقبال الديني خاصة في شهر رمضان، وتزايد الاقبال على مدارس التعليم العتيق، ورفع عدد المتمدرسين وتوسيع طاقتها الاستيعابية والاهتمام المتزايد بالمساجد ودور القرآن". ومن جُملة المؤشّرات الدّالة على تنامي حركية التديّن لدى المغاربة -حسب التقرير-تشييد المساجد والعناية بها، وكذا حركيّة المصلين في الإقبال عليها، أوْ إسهامها في التأطير الديني، حيث كشفت المؤشرات الرصدية لسنة 2016 عن "تنامي الاهتمام بالمساجد سواء من قبل الفاعل الديني الرسمي أو المدني حيث تزايد حضورها في اهتمامات المتدين المغربي، حيث وصل عددها إلى حوالي 50 ألف مسجد، منها فتح 200 مسجد جديد، وذلك بأصل 200 مسجد في السنة". وبناء على المعطيات المجمعة، سجل التقرير ارتفاع مؤشرات التدين بشكل كبير في المجتمع المغربي خلال شهر رمضان؛ الأمر الذي تؤكده عدد من الإجراءات والأعمال على المستوى الرسمي أو المدني"، كما سجلت المساجد المُصليات أرقاماً قياسية في الاقبال على صلاة التراويح والتهجد في مختلف المدن والقرى، وأبرزت أرقام التقرير "ارتفاع مؤشرات الدين خلال هذا الشهر، حيث أشارت إلى أن "150 ألفا ختموا القرآن خلف الإمام عمر القزابري في ليلة القدر لسنة 2016". وسجلت سنة 2016، حسب التقرير نفسه، عودة عزل الأئمة والخطباء، بحجة أن "ما يتناولونه في خطبهم غير منسجم مع توجيهات دليل الإمام والخطيب أو لا يحترم الحياد المفروض في الخطيب حول بعض القضايا الاجتماعية والسياسية". وقال التقرير إن "النقاش الذي واكب عزل الخطباء يُسائل السياسة العمومية للشأن الديني وتمثلها وزارة لموقع المسجد في السياسة الدينية، بالشكل الذي ينتقل بها إلى حاضنة للقيم وحماية الأمن الروحي وليس مجرد بنايات وقاعات للصلاة". المُعطى الآخر، الذي يُبيّن تزايد إقبال المغاربة على التديّن، الإقبال المتزايد على أداء مناسك الحجّ "رغم قرار السلطات السعودية تقليص عدد الحجاج"، حيث بلغَ عدد الحجاج سنة 2016 خمسا وعشرين ألفا، وسُجّل الرقم ذاته خلال سنة 2017. في مقابل ذلك، سجل التقرير بخصوص حركة التنصير بالمغرب أن "حركة الفترة المعنية بالتقرير تميزت بهدوء الأوضاع الذي ينعكس بشكل مباشر على المواكبة الإعلامية والسياسية للظاهرة". وفي هذا الصدد، قال امحمد الهلالي، مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، إن "سنة 2016 هي سنة الحديث عن الكنائس المنزلية بالمغرب، والتمهيد لمحاولة المأسسة لما يسمى بالأقليات الدينية بالمغرب، الذي جعل سمة التعاطي مع التنصير مختومة بطابع "الموسمية" والارتجال". وقال الهلالي، الذي قدّم خُلاصات التقرير في ندوة صحافية اليوم الاثنين بالرباط، إن "النماذج الدينية المستوردة من الشرق أو الغرب يمكن أن تكون عنصرا من عناصر التفكيك "النموذج المغربي"، متوقفاً عند بعض الحملات التي قادتها الجهات التنصيرية في مدن الشمال (الناظور-تطوان)، مسجلاً في السياق نفسه خروج بعض المتنصرين المغاربة للعلن في إطار برنامج بالعامية المغربية "تلفزيوني إلكتروني" يحمل اسم "مغربي ومسيحي". وأقرّ المتحدث ذاته بأن "حالة الإقبال على التديّن عند المغاربة أخذتْ منحى تصاعديّا خلال الآونة الأخيرة"، مشيراً إلى أن "هناك نوعا من تدين جديد وسط الشباب المغاربة؛ "فهناك من تبْدو عليه مظاهر التديّن، لكنّه غيرُ متدّين والعكس صحيح". وتابع الهلالي قوله: "في مقابل ارتفاع مستوى التديّن لدى المغاربة، تزداد مظاهر الاستفزاز"، مشيرا إلى "ظهور حركاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "حركة ما صايْمينش وصفحات أخرى تدعو إلى الإلحاد". كما اعتبر أن "الشباب المغربي يعبر عن تعاطيه الإيجابي مع الدين، ومع حضوره في الفضاء العمومي من خلال الدستور أو القوانين الأخرى، ومن خلال العمل الحكومي والتشريعي وفي تأطير الحياة الأسرية، في ظل الاستقرار السياسي". ويأتي الإصدار الخامس لتقرير الحالة الدينية في المغرب متوجاً عشرية الرصد والتحليل والتفكيك والتركيب التي أعملها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة إزاء الشأن الديني عبر إصداراته الأربعة التي غطت الفترة الممتدة من 2007 إلى 2017.