في الرابع من يوليوز كان 14 مهاجراً إفريقياً ينتظرون الحافلة أمام أبرشية سان كارلوس بوروميو في مدريد، برفقة امرأة متطوعة من الأبرشية رافقتهم إلى مكتب الصليب الأحمر المحلي للتحقق مما إذا كانت لديهم أسرّة كافية هناك. عليو من السنغال، وصل إلى الأبرشية في الليلة السابقة. إنه طويل القامة ويتحدث الفرنسية بصوت ناعم قريب من الهمس. بالنسبة له يشبه شعور الوصول إلى إسبانيا المشاعر أثناء ركوب قطار الملاهي، فبعد "الفرح المذهل" لإنقاذه من الغرق في البحر، يشعر بالإحباط من التجوال في مدريد طوال اليوم دون أن يفعل شيئًا. يقول عليو ل DW: "لا نريد شيئاً سوى أن تعلّم اللغة والعمل في المكان الذي يحتاجوننا فيه". ويضيف عليو: "وصلتُ مع ثلاثة أشخاص آخرين إلى المحطة الجنوبية للحافلات في الصباح، بعد أن قضينا الليل على طريق السفر، ولم نكن نعرف إلى أين يجب أن نذهب"، مضيفاً أن السكان المحليين قاموا بتوجيههم إلى الأبرشية. لكن عليو وأصدقاءه لم يكونوا أول المهاجرين الواصلين إلى هناك. ففي مساء السابع والعشرين من يونيو، عندما كان وصول سفينة أكواريوس المنقذة للمهاجرين مازال يتصدر عناوين الأخبار، طرق 12 مهاجراً باب منظمة إس أو اس/ راسيسمو مدريد/ SOS Racismo Madrid، وهي منظمة محلية للدفاع عن حقوق الإنسان. ووفقاً لبيان نشرته المنظمة غير الحكومية عن كيفية وصول أولئك الأشخاص إلى هناك، فقد اشترى لهم شخص ما تذكرة في مدينة ملاقا الإسبانية وأعطاهم ورقة تحمل عنوان المنظمة. لكن المشكلة في أنه لا تتوفر أماكن للإقامة لدى الأخيرة. تركوهم وحيدين وقد سبق لكارلوس كارفاخال أن رأى مشهداً مماثلاً في 31 مايو، عندما وصل 14 شخصاً إلى باب الجمعية التي يديرها في مدينة قادس جنوب إسبانيا، بعد أن دققت الشرطة الإسبانية في هوياتهم وأطلقت سراحهم في مدينة سان فرناندو التي تقع جنوب قادس. وقد سار أولئك المهاجرون عشرة كيلومترات على الأقدام للوصول إلى قادس، وعرضوا أنفسهم للخطر بالسير غير القانوني على الطريق السريع. يقول كارفاخال ل DW: "تخلت عنهم السلطات التي لم تحضّر أي خطة للطوارئ. ورغم الضغط الكبير علينا (بسبب عدد المهاجرين) إلا أننا مازلنا نأويهم بقدر استطاعتنا. ماذا يمكن أن نفعل غير ذلك؟"، ويضيف: "اتخذت إسبانيا بعض الخطوات للأمام في هذا المجال، لكن لا يزال أمامها الكثير لتفعله"، مشدداً على ضرورة وضع بروتوكول طوارئ من أجل مساعدة الناس في حالات كهذه. خلال الشهر الماضي وصل حوالي 5 آلاف شخص إلى إسبانيا بطريقة غير قانونية. ويمثل هذا الرقم زيادة كانت متوقعة. يقول كارفاخال: "كنا محقين في توقع زيادة عدد الأشخاص الذين سيسلكون هذا الطريق خلال العام الحالي"، ويضيف: "بالرغم من انخفاض أعداد الناس التي تحاول الوصول إلى أوروبا، لكن الكثير يسلكون هذا الطريق لأننا (الأوروبيين) ندفع لتركيا ولليبيا من أجل إبعادهم (المهاجرين) عنا". تفاوت واضح بين أوضاع المهاجرين بالنسبة للأشخاص الذين يعملون على ساحل قادس، فإن المعاملة مع المهاجرين الذين وصلوا على متن سفينة الإنقاذ أكواريوس جيدة، لكنهم يشعرون بخيبة الأمل لأن الموارد غير كافية لأولئك المهاجرين الذين لم يسلط الضوء على أوضاعهم. وترى إلينا تاجويلو رئيسة منظمة اندلوسيا كوخيه/ Andalucia Acoge التي تعمل على إدماج المهاجرين في جنوب إسبانيا أن الحكومة أبدت "حسن النية والتضامن" في تعاملها مع المهاجرين الذين وصلوا على متن أكواريوس. فبعد رفض الحكومة الإيطالية لاستقبال المئات من المهاجرين على متنها، سمحت لها الحكومة الإسبانية بالرسو في ميناء فالنسيا. ومنذ بداية العام وصل أكثر من 18 ألف شخص إلى السواحل الإسبانية، وتقول تاجويلو: "الظروف هنا في جنوب إسبانيا غير مرضية. لا يمكننا ترقيع هذه المشكلة، إذ لا يمكن أن نديرها كمشكلة أو كحالة طارئة، لأنها جزء من بنية مجتمعنا". وتوافقها في الرأي آنا روسادو ، وهي ناشطة وباحثة في جمعية الأندلسية لحقوق الإنسان (APDHA) في بلدة ألجيسيراس (الجزيرة الخضراء) الساحلية التي تقع على بعد 14 كيلومترًا من البر الرئيسي لأفريقيا. تقول روسادو: "يجب أن تتاح الفرصة لكل شخص للهجرة بطريقة قانونية وآمنة، لكن في الوقت الحالي يجب أن تكون المعاملة الجيدة هي الحد الأدنى المتوفر للجميع". عودة إلى الأبرشية عندما وصل عليو وأصدقاؤه إلى الأبرشية، في وقت متأخر من الليل، رحب بهم القس خافيير بايزا وأخذهم إلى الغرفة الرئيسية، والتي كان فيها أشخاص آخرون يغطون في النوم. بايزا رجل نشيط يبلغ من العمر حوالي 60 عامًا. يتحدث ويضحك بصوت عالٍ، كما يرتدي نظارات شمسية حتى في الداخل. إنه أحد المشاهير المحليين في مدريد، حيث يصفه الناس ب"القس الأحمر" لوجهات نظره التقدمية، والتي تثير الامتعاض لدى مسؤولي الكنيسة المحافظة. يقول بايزا ل DW: "نخبرهم (المهاجرين) أين يمكنهم أن يأكلوا أو يحصلوا على المعلومات. ورغم أنهم ينامون هنا، إلا أنهم لا يستطيعون البقاء دائماً، وهذا ما يمثل فشلاً للسلطات"، ويضيف: "كان هناك مهاجرون في الكنيسة طوال شهر حزيران/يونيو. نرافقهم إلى الصليب الأحمر كل يوم تقريباً، لكن الإجابة تكون دائماً أنه لا تتوفر أسرّة". يشير بايزا إلى أن البلدية في مدريد أيضاً "رفضت المهاجرين"، قائلة إنه لا توجد وظائف شاغرة للاهتمام بالمشكلة في الوقت الحالي. ويقول: "من المقلق حقاً أن مدينة مثل مدريد لا تستطيع إيواء بضع عشرات من الناس". وقالت متحدثة باسم الحكومة المحلية إن "خدمات الإيواء بلغت أقصى طاقتها لبضعة أسابيع"، وأوضحت ل DW أن البلدية تعتني بالأشخاص الذين ليس لديهم مكان للنوم، بغض النظر عن جنسيتهم، مضيفة أن الوضع الحالي هو نتيجة لفقر الحكومة المركزية وعملية البت البطيئة بطلبات اللجوء، مشيرة إلى أن "البلدية عرضت 300 وظيفة شاغرة إضافية لا تعرضها عادة إلا خلال الأشهر الباردة من العام". يعتقد العديد من المهاجرين أن الوصول إلى إسبانيا هو نهاية الرحلة، ولكن بالنسبة للعشرات الذين يصلون إلى الساحل يومياً، لا تزال هناك العديد من التحديات، ليس فقط لعليو، بل للامينا أيضاً، الذي اضطر إلى ترك دراسة الاقتصاد في غينيا. وبالنسبة لكلاود أيضاً، الملاحق سياسياً في الكاميرون، والذي لا يستطيع أن ينام أثناء انتظاره مقابلة اللجوء. وبالنسبة إلى دريسا أيضاً، والذي يعاني من ألم في الأسنان ولكنه لا يستطيع تحمل نفقات الطبيب. * ينشر بموجب اتفاقية شراكة مع DW عربية