هناك اعتقاد سائد عند عدد كبير من الأشخاص بالمغرب بأن إسرائيل تدعم المنظمات الأمازيغية، بل هناك من يقول بأن الحركة الصهيونية تموّل أنشطة هذه الهيئات داخل التراب المغربي وفي الخارج. وهناك من يقول ذلك بصيغة أخرى بأن "المنظمات الأمازيغية تستقوي بإسرائيل".. لكن دعوني أدلي بدولي في الموضوع، خاصة أنني طرحت هذا السؤال على مسؤولين إسرائيليين في دردشات خاصة مُغلقة، حتى دون أن يعرف بعضهم إن كنت أشتغل في الصحافة أو أكتب في منبر مغربي كبير. ومن خلال وقوفي على مجموعة من المعطيات داخل المغرب وداخل إسرائيل، خلصت إلى أن عددا كبيرا من المسؤولين الإسرائيليين حتى الذين هم من أصل مغربي، لا يعرفون شيئا اسمه أمازيغ أو لغة أمازيغية، والذين يعرفون ذلك متأخرين إنما عن طريق بعض النشطاء الذين سبق لهم أن زاروا إسرائيل. وكثير من المسؤولين ينطقون "الأمازير"، ويتم تصحيحها لهم كل مرة فلا تستوي في أفواه بعضهم. إن إسرائيل بخرجاتها الإعلامية وتسويقها للوفود، التي تزور إسرائيل من المغاربة بشكل انتقائي، إنما تقوم بذلك بهدف إقناع المصريين واللبنانيين والأردنيين والسوريين بالتطبيع معها. أما المغاربة الذين يزورون إسرائيل فهم ليسوا في نظرها سوى "حطب التطبيع"، الذي تقوم به هذه الدولة بطهي أهداف أخرى في الدول التي تربطها حدود، وتريد أن تبني معها علاقات جيدة لإحلال السلام في المنطقة. أما المغرب، فهو بعيد عن بؤرة التوار، ولا يجب عليه أصلا أن يقاطع إسرائيل؛ بل بالعكس أن يبني معها علاقات اقتصادية جيدة. وهي موجودة نوعا ما، فقط على المغرب أن يستثمرها. ثم إن هناك انتقائية في إعلان بعض المطبعين وإخفاء آخرين، وقد شاهدت كيف أن وفدين يزوران إسرائيل في نفس اللحظة، يتم الحديث عن وفد من المجتمع المدني فقط، ويتم نشر صور له وعن برنامجه، وكل تحركاته داخل هذه الأراضي في صفحة تابعة للإعلام الإسرائيلي. دون ذكر للوفد الآخر المقرب من دوائر القرار بالمغرب، وتمت زيارتهم دون أي ضجيج، بالرغم من أن بعض المنابر المغربية كتبت عنها؛ لكن بشكل سطحي دون النفاذ لمن وكيف ولماذا؟ وهذا أيضا بسبب اختيار الزائر ورغبته، فالذين تدعوهم جهة ما داخل إسرائيل لزيارة أراضيها، تخيّرهم بين نشر صور لهم رفقة مسؤولين إسرائيليين أو عدم نشرها، كما تخيّرهم بين طبع الڤيزا على جوازات سفرهم أو تعطيهم تأشيرة في ورقة خاصة، ولا تلمس جواز سفرهم بأي مداد أثناء دخوله وخروجه أراضي النفوذ الإسرائيلي. سألت إڭور بن ضور، المسؤول عن منطقتيْ مصر والمغرب في وزارة الخارجية الإسرائيلية، عن المعتقد السائد في المغرب بأن إسرائيل تدعم المنظمات الأمازيغية فهل هذا صحيح؟ فقال: "نحن نحترم انشغالات بعض ضيوفنا أو كونهم أمازيغ، لكن هذا لا يهمنا، نحن نستضيفهم على اعتبار أنهم مواطنون مغاربة، وهذا يستحسن لنا ولهم؛ لكن من حقهم أن تكون لهم قضايا في بلدانهم، هذا لا يعنينا". كررت السؤال نفسه عليه بعد يوم بهدف تسجيل إجابته حول التقارب الإسرائيلي الأمازيغي فأكد لي: "يمكن أن تتحدث عن تقارب إسرائيلي مغربي، وغير ذلك لا أريد أن أخوض فيه". طرحت السؤال نفسه على ضُورِي ڭولْد، مدير مركز القدس للشؤون العامة والدولة، عن دعم إسرائيل للمنظمات الأمازيغية بالمغرب. وقلت له بالحرف: "ماذا تستفيد إسرائيل من الأمازيغ لكي تدعمهم، أم أنهم قنطرة فقط لتخلق علاقات مع الشعوب التي لها معها حدود كالأردن ولبنان وسوريا ومصر وغيرها"، فأجاب ضاحكا بما قاله مُواطنه بن ضور، مضيفا: "لا يمكن بتاتا أن تتورط إسرائيل في دعم فئة دون أخرى في المغرب، خاصة مع وجود علاقات جيدة مع المسؤولين. وما يقال من هذا القبيل لا أساس له من الصحة". ثم أردف: "أومن بأنه علينا أن نبني علاقات مبنية على الثقة مع الحكومات، ولا يمكن أن نلعب مع فئة على حساب أخرى داخل نفس المجتمع. لن ندخل في هذه الأمور، لذلك أنصحكم بألا تبنوا علاقتكم على ذلك". وزاد: "هناك مثقف خبير في شؤون الشرق الأوسط، ألّف كتابا عن اليهود والعرب، وقد منحت هذا الكتاب لولي العهد الأردني. كتب فيه بأن الشرق الأوسط فسيفساء من الشعوب، والمشكلة هي أن الزعماء ينظرون إلى الشرق الأوسط كعنصر واحد، فعبد الناصر صبغ الشرق الأوسط بلون واحد هو الأمة العربية. في الكتاب تطرق إلى أن هناك مجموعة من المجموعات الاثنية لها حقوق أيضا، لأننا أناس مختلفون؛ لكن علينا أن نحترم سيادة الزعماء في المنطقة، وفي المستقبل لن نقف أمام الاختيار بين أصدقائنا وبين صدام حسين مقبل". الذين يعرفون الدولة العبرية وكيف نشأت سيعرفون بأنها دولة لا تعرف سوى مصالحها، وتوجد أنّى توجد مصالحها الآنية والمستقبلية، والمنظمات الأمازيغية ليس لديها بما تنفع إسرائيل، بل لو اجتمع المغاربة بأمازيغهم وعربهم وصحراويوهم وأندلسيوهم على أن ينفعوا إسرائيل أو يضروها لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا". أما الذي عمّم هذه الصُّورة الخاطئة في نظري بأن إسرائيل تدعم الهيئات الأمازيغية فهو سلوكات بعض النشطاء الذين سبق لهم زيارة هذا الكيان، وهم أحرار في تصرفاتهم طبعا، وذلك بنشر صور لهم وهم يلتحفون العلم الإسرائيلي أو يطلقون تصريحات موالية لإسرائيل. وهو سلوك في الغالب يلجأ إليه بعضهم كرد انتقامي فقط من الذين يعتبرون العرب كأعداء؛ فلا يفوت فرصة في محفل أو على الأنترنيت ليدافع عن ضرورة التطبيع مع إسرائيل، حتى يخيل للناس بأنه مجند ويتلقى أموالا لذلك، في حين أن الأمر عمل تطوعي محض، يمكن تصنيفه ضمن "الأشكال الاحتجاجية". أما تلك الأسطوانة المشروخة التي تقول بأن الأمازيغ كانوا جنبا إلى جنب مع اليهود في وفاق تام وسلام تام، فذلك لا يخص الأمازيغ وحدهم، بل العرب أيضا. واليهود عاشوا في "ملاحات" كبيرة إلى جانب الذين يتحدثون الدارجة في فاسوالدارالبيضاء ومراكش وغيرها من المدن، فليس الأمازيغ من عاش في وئام مع اليهود فقط، بل المغاربة جميعا، مع وجود حالات اعتداءَات عرضية لا يعتد بها قد تصدر من الأمازيغ وقد تصدر من العرب، لكن لا يقاس عليها. وإذا كان هناك من كان يحتقر اليهود القادمين من المغرب عندما بدأت الهجرات اليهودية إلى الأراضي المحتلة، فقد كانت هناك أيضا عنصرية بين اليهود المغاربة أنفسهم، إذ ينظرون يصفون فئة من القادمين من المغرب العميق وتخوم البلاد أولئك الذين لا يتقنون شيئا سوى صناعات بدائية كصناعة البرادع وصناعة الغربال وغير ذلك ب"الشلوح". من الطبيعي جدا أن شخصا كان يتقن صناعة الرابوز في تنغير أو صناعة البرادع في زاكورة والغربال نواحي تارودانت أن يجد بأن ما يتقنه في بلاده المغرب أصبح متجاوزا جدا في بلاد جمعت خيرة الأدمغة التي جاءت من أمريكا وروسيا وبريطانيا وبلونيا وغيرها. ولا بد أن يكون يهود الهوامش قد عانوا كثيرا ليندمجوا في وسط جديد بعد هجرتهم لما يسمونه "أرض الميعاد". من جهة أخرى، الذين يتحدثون بالأمازيغية من اليهود المغاربة الآن في إسرائيل يعدون بالأصابع، بعد وفاة عدد كبير من الجيل الأول الذي حمل معه هذه اللغة. وخلال زيارتي لأزيد من ثمان مدن، حيفا، عكا، يافا، القدس، تل أبيب، نهاريا، أشدود، ولقائي لعدد كبير من الإسرائيليين من أصلٍ مغربي لم أسمع إلا كلمة "أغروم" من شخص واحد التقيته في أشدود، تعلمها من والديه، ودون ذلك لا يعرف غيرها من اللغة الأمازيغية. ولم أسمع بوجود مدرسة أو جامعة لتدريس الأمازيغية في إسرائيل، في حين أن هناك اهتماما بالدارجة المغربية، وهناك مراكز للثقافة المغربية أنشأها يهود من فاس ومن الدارالبيضاء، وجلبوا حرايفية من المغرب بغرض تزيين هذه المراكز بالزليج المغربي والجبص وغير ذلك من المعمار المغربي وتلقين الثقافة المغربية (في شقها العربي خاصة).. كما أن هناك دورات لتدريس ما يسمونه "العْربية د اليهود"، وقد حضرت واحدة من هذه الدورات، بالمكتبة الوطنية بالقدس، وفيها تحدّث الدكتور موشي كوهين عن قصائد بالدارجة، كتبها يهود من المغرب منذ القدم، وشرح هذه القصائد للمستفيدين من الدورة، ووزعها مكتوبة بحروف عبرية عليهم، مثل قصيدة "القمّارة"؛ لكن أغلب الحاضرين المهتمين بذلك هم من كبار السن، أغلبهم تجاوز خمسين سنة على الأقل. مع ذلك، فإذا كانت الثقافة الأمازيغية غائبة نوعا ما، فإن هذه الثقافة المغربية عموما، من لغة دارجة وتقاليد وعادات وارتباط بالأصل، لن يستمر طويلا في إسرائيل، بالرغم من ترسيم عيد ميمونة كعيد رسمي يهودي؛ ذلك أن الجيل الثالث من حفدة الذين هاجروا في الخمسينات والستينيات لا يتحدثون العربية والأمازيغية. وجميع الشبان الذين التقيناهم وكان أجدادهم من أصل مغربي، تجده لا يتحدث ولو كلمة واحدة بالدارجة، مع إمكانية وجود حالات استثنائية لا يقاس عليها؛ لكنني لم أتشرف باللقاء معها. إن الثقافة المغربية، بشقيها الأمازيغي والعربي، لا تلقّن للأطفال في إسرائيل. وكخلاصة عامة، هناك جمعيات تبحث عن الدعم في إسرائيل، جمعيات ثقافية وأخرى تعنى بالشق الاجتماعي؛ لكن الإسرائيليين يحبون أن يمر ذلك عن طريق الدولة المغربية، ودون مواقفتها تذهب أمانيهم أدراج الرياح.