لازالت تداعيات زيارة نشطاء وباحثين مغاربة لإسرائيل، قبل أيام قليلة، بهدف حضور المؤتمر الدولي الخامس لمناهضة معاداة السامية، والذي نظمته وزارة الخارجية الإسرائيلية، ووزارة القدس لشؤون الجالية الإسرائيلية بالخارج، تثير المزيد من الجدل والسجال حول أهداف مثل هذه الزيارات للكيان الإسرائيلي. عبد الرحيم شهيبي، الباحث في علوم التربية، كان من بين الذين زاروا إسرائيل، أكد في حوار مع هسبريس، أنه ذهب إلى هناك لتلبية دعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، بصفته مهتم بتدريس الشأن الديني بالمغرب، والإرث الثقافي اليهودي المغربي، وتدريس الهولوكوست". وقال شهيبي إنه "لما تلقى الدعوة للمشاركة في المؤتمر بإسرائيل، تعامل معها كما تعامل مع كل الدعوات التي يتلقاها للمشاركة في لقاءات دولية أخرى"، مشيرا إلى أنه "لا يمكنه أن يفكر بمنطق الكراهية التي يحاربها، كما لا يمكن أن يكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين أنفسهم". وأفاد الباحث المغربي بأنه يؤمن بأن "إسرائيل دولة عظمى، وتنظيمها لهذا المؤتمر سيكون ذا قيمة أكبر من أي مؤتمر آخر حول نفس الموضوع تنظمه دولة أخرى"، مبرزا أن "إسرائيل تحتاج لأن نتفهمها أكثر، ونتقارب منها أكثر، لأن حلول المشاكل تكون بالتقارب وليس بالتباعد". ويشرح شهيبي "بإمكان إسرائيل أن تساهم في حلول جميع المشاكل في الشرق الأوسط، إذا وفرنا لها المناخ السليم، وليس إذا عاديناها"، مؤكدا أن "التقارب مع إسرائيل يعني الانتهاء من معاداة السامية، وخطابات الكراهية والإيديولوجيات العنيفة، كداعش وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها. صورة المغرب واسترسل المتحدث بأن ذهابه إلى إسرائيل تأكيد لجانبين: أولا، أنه يريد أن ينقل صورة المغرب المتعدد ثقافيا ودينيا إلى إسرائيل، والتعريف بالأمازيغية كثقافة تنبذ العنف، وبالمغاربة الذين يمكنهم أن يلعبوا دورا كبيرا في نشر ثقافة السلام والحب، عوض الكراهية والعدوان". والجانب الثاني، وفق شهيبي الذي عاد أخيرا إلى المغرب قادما من إسرائيل، كونه يرغب أن يقف على الرأي الآخر في نزاع الشرق الأوسط، وقال "مللت من الخطاب الوحيد الذي تعج به القنوات الفضائية العربية والكتب المدرسية، وأرفض أن يتم تنميط عقلي وفق هذا الرأي الوحيد". وزاد قائلا "لا يمكننا أن نتحدث عن السلام، ونحن نهمش ونعادي طرفا أساسيا في عملية السلام، بل إنه الطرف الذي يملك الحل الحقيقي بالنظر للتراكمات التي أنتجتها سيرورته السياسية والثقافية وحتى الديمقراطية، عكس كل أولئك الذين يعجون أنوفهم في هذا الصراع لإدامته وليس لإنهائه". ولفت شهيبي إلى أن "المغرب والمغاربة بعيدون كليا عن هذه المنطقة، وإذا رغبوا أن يتدخلوا فيها فيجب أن يتدخلوا من أجل المساهمة في إيجاد الحل للصراع، وليس كطرف في النزاع"، مشددا على أن "الحل لن يكون إلا بفهم الرأي الآخر الإسرائيلي والتفاعل معه أكثر". هؤلاء التقيتهم وجوابا على سؤال هسبريس بخصوص من التقاهم لدى زيارته لإسرائيل، قال شهيبي "سهلت لي وزارة الخارجية الإسرائيلية مهمتي، كما فعلت مع غيري من المشاركين من دول أخرى، وحصلت على التأشيرة من القنصلية الإسرائيلية باسطنبول، في فترة دامت نحو 5 ساعات، بالنظر للضرورة الأمنية لدولة كإسرائيل". "داخل القنصلية تفاجأت بمواطنين، أحدهما سوري، والآخر إيراني يطلبون استصدار تأشيرة للدخول إلى التراب الإسرائيلي قصد اللجوء، وأكد لي الإيراني أنه من أصول يهودية إيرانية، ولم يعد يرغب في العيش في هذا البلد، أما السوري فلم يرغب في الحديث، لكنه يبدو من هيئته أن هارب من بؤرة الحرب في سوريا". وأكمل الباحث "حين وصولي إلى مطار بن غوريون، كان في استقبالي شاب إسرائيلي من أصول مغربية، والدته من الصويرة موكادور، ووالده من الدارالبيضاء، وكانت مهمة هذا الشاب هي تسهيل ولوجي إلى تل أبيب، وهو الأمر الذي تم بسلاسة" وفق تعبير شهيبي. واسترسل المتحدث بالقول "انتقلت من تل أبيب إلى أورشليم- القدس، عبر سيارة مخصصة للمشاركين في المؤتمر، وسائق السيارة نفسه مغربي من أصول بيضاوية، حيث أطلق موسيقى مغربية إسرائيلية طيلة المدة الفاصلة بين المطار والفندق الذي سأقيم فيه". وما أثار انتباه شهيبي، وفق روايته، أن عملية اللقاء مع اليهود المغاربة في القدس ستتكرر، حتى "كدت أجزم أنني أتواجد في أي مدينة مغربية، حيث الموسيقى المغربية تنبعث من كل مكان، والدارجة أو الأمازيغية هي لغة التواصل كذلك في هذه المدينة" على حد تعبيره. المؤتمر افتتحه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وكانت فرصة للباحث المغربي لمصافحته حين أراد مغادرة القاعة، كما التقى مع السفير دافيد دادون، مسؤول مديرية عملية السلام في الشرق الأوسط، الذي سبق أن عمل مديرا للمكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بين 1994 و 1998. وأورد شهيبي أنه التقى مع الناطق الرسمي باللغة العربية باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعية، الذي سهل له مهمة اللقاء مع مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، كما زار مختلف الأماكن الدينية بإسرائيل، كنيسة القيامة، وحائط المبكى، والمسجد الأقصى، ومسجد عمر بن الخطاب، وقبة الصخرة. تطبيع..تقارب؟ وجوابا على سؤال هسبريس بخصوص اعتبار زيارته تدخل في نطاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، أكد شهيبي أنه "لا يعترف بمصطلح التطبيع مع إسرائيل، لأن التطبيع يكون مع طرف عدو، وإسرائيل لا تعادي المغرب"، مشيرا إلى "التطبيع يكون مع الجزائر بسبب فتور علاقاتها مع المغرب". وأبرز الباحث بأن التطبيع مع إسرائيل مفهوم دخيل علينا كمغاربة، يقصد به الباطل أكثر من الحق، وذلك لأننا لا نتشارك الحدود معها، وليس لنا معها أي نزاع أو صراع"، مشيرا إلى أن "هذا المصطلح ابتدعه بعض المرتزقة من المغاربة أنفسهم الذين يقتاتون من هذا النزاع ويستفيدون منه ماديا". وتابع شهيبي "أفضل مصطلح التقارب مع إسرائيل على التطبيع مع إسرائيل، وهذا التقارب مفيد جدا للمغرب، باعتبار أن إسرائيل دولة عظمى، ذات اقتصاد قوي، وتأثير على المجتمع الدولي، بينما المغرب يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية مرتبطة بمشكلة الصحراء المغربية". الفلسطينيون والمغرب وتذكر شهيبي أن "بعض الفلسطينيين الذين التقاهم حين زيارته للأماكن المقدسة هناك، لا يعرفون عن المغرب سوى الفتيات الجميلات اللاتي يصلحن لقضاء الليالي الملاح، وأنهم لا يزالون يسموننا بالبربر، ويصفون العرب بالمتخلفين، ولا يعتبرون أنفسهم عربا مطلقا". أما بالنسبة لعرب الداخل، يضيف المتحدث، حدثه سائق تاكسي عربي عن حنقهم من التدخل العربي والإسلامي في شؤونهم، ويؤكدون أنهم يفضلون العيش في إسرائيل التي توفر لهم تعليما جيدا، وعملا، وتعاملهم كما تعامل باقي الإسرائيليين، ويعتبرون أن وضعهم الاجتماعي أفضل بكثير من أوضاع العرب في أغنى البلدان العربية. وتساءل شهيبي "أليست مشاكلنا أجدر أن نهتم بها من الاهتمام بمشاكل الآخرين؟ أليس من الأفضل لنا أن نتقارب مع إسرائيل، ونستورد نموذجها الراقي في تدبير التعددية الدينية والثقافية، وأليس أحسن أن نتقارب مع إسرائيل ليكون صوتنا مسموعا في المنتظم الدولي، نحن الذين يؤرقنا ملف الصحراء الشائك، وأليس تقاربنا يساهم في تطوير منظومتنا التعليمية المهترئة".