يعود تاريخ إنشاء مجزرة مدينة وزان إلى الفترة الكولونيالية، وهي الفترة التي كان المرفق العمومي يعيش فيها أزهى أيامه ويحترم معايير السلامة الصحية. ومع مضي الوقت أصبح اسم "الكُرْنَة" مقرونا بمنطقة "لاكريي"، حيث عرفت المجزرة تدهورا على مستوى المرافق وظروف اشتغال الجزارين وطريقة تخزين ونقل اللحوم رغم تعاقب المجالس المنتخبة على تدبير شؤونها. تعتبر المجازر الجماعية من المرافق العمومية الحيوية ذات الصبغة التجارية، وتلعب دورا هاما في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، كما تعتبر مصدرا مهما لتدعيم ميزانية الجماعات من الرسم الإضافي المفروض على ضريبة الذبح. ورغم عدم سماح القائمين على "كُرْنَة وزان" بولوج جريدة هسبريس الإلكترونية نحو أماكن الذبح والتقاط صور لهذا المرفق العمومي، نظرا لحجم الإحراج من كشف طلاسم الاستهتار بسلامة المواطنين وظروف اشتغال الجزارين المياومين، لكن ما حكاه المشتغلون بالمرفق العمومي كان كافيا ليعطي صورة مقربة عن "الكُرْنَة" التي تشكو بعض النقائص، رغم إجماع من تحدثوا لهسبريس على تحسن وضعية المجزرة البلدية بالمقارنة مع أعوام سابقة. تشكل المجزرة البلدية بمدينة وزان مصدر رزق لما يزيد عن 11 شخصا، ويستغلها ما يزيد عن 14 جزارا، وتذبح فيها قرابة 10 رؤوس من الأبقار و30 رأسا من الأغنام، وهي الأعداد التي تخضع لمنطق السوق ومتغيرات الفصول؛ وتفتح أبوابها بشكل يومي ما عدا يومي الجمعة والسبت، حسب مصطفى الهاشمي، رئيس جمعية الأمل لمستخدمي المجزرة البلدية بمدينة وزان. لا شيء يوحي هنا بأن المرفق العمومي مخصص للذبح، فاليافطة غائبة عن تأثيث بوابة المرفق العمومي، كما أن الولوج إليه للظفر بخدماته العليلة يبقى صعبا في ظل انتشار الذباب بحاويات الأزبال المترتبة عن عملية غسل "الدوارة" وشي الرؤوس. مشاكل هذه المجزرة يلخصها الهاشمي، في تصريح لهسبريس، في غياب إطار قانوني يؤطر اشتغال مستغلي هذا المرفق، والذين أضحوا في تناقص مستمر ويعدون على أصابع اليد الواحدة، مضيفا: "يعزى هذا التناقص إلى سببين؛ أولهما غياب أجر شهري قار يقي المستخدم ذل التبعية لصاحب الذبيحة، وغياب ضمانات لتأمين مستقبل المستخدمين وأسرهم، ما حدا بهم إلى التكتل في تنظيم جمعوي قصد الدفاع عن حقوقهم وحماية المستهلك بحكم التواجد المستمر داخل الفضاء لمحاربة ظاهرة اللحوم المهربة والذبيحة السرية، وبالتالي المساهمة في المراقبة". لا تتوفر مجزرة "دار الضمانة" على الاعتماد الصحي الذي يمنحه المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، التابع لوزارة الفلاحة والصيد البحري، نظرا لعدم توفرها على معايير محددة ضمن دفتر التحملات؛ لكن غياب هذه "الشهادة الصحية" لا يعني أنها تشتغل خارج المعايير، فالمصالح المختصة دائمة التواجد لمراقبة المواشي المعدة للذبح داخلها، وكذا اللحوم وجودتها؛ حسب عبد الصمد المطوري، الكاتب العام لجمعية الأمل لمستخدمي المجزرة البلدية بوزان، مشيرا إلى مراقبة مستمرة للمواشي الموجهة إلى الذبح، وحالة الرضا التي تسود المشتغلين بها بخصوص ظروف النظافة وتخزين اللحوم بعدما تم تزويدها بآليات لتسهيل تعليق الذبائح، في انتظار بدء الاشتغال ب"فريكو" جديد لتخزين لحوم الذبائح في ظروف صحية. لا يختلف اثنان على كون الجماعة الترابية لوزان غير مؤهلة في الوقت الراهن، على الأقل، لتدبير المرافق الجماعية، نظرا لمحدودية الموارد المالية والبشرية بالخصوص الموضوعة رهن إشارتها. ورغم المهمة التي تحتلها المجزرة العمومية ضمن المرافق العمومية الجماعية، إلا أن الجماعة الحضرية، وكذلك سلطات الوصاية بإقليم وزان، لا توليها الاهتمام اللائق بمكانتها، وهذا ما يتجلى بوضوح في الوضعية الشائكة التي يزاول فيها المستخدمون بمجزرة دار الضمانة دون ضمان اجتماعي ولا تغطية صحية؛ والأدهى من ذلك غياب التأمين على الأخطار وحوادث الشغل. وهذا أقل ما يمكن رصده من معاناة المهنيين. في هذا الصدد قال المطوري، وهو المراكم لأكثر من 30 سنة من العمل بالمجزرة سالفة الذكر: "عقدنا مجموعة من الاجتماعات مع السلطة المحلية ممثلة في باشا المدينة، المعين حديثا، ورئيس المجلس الجماعي، في ما يخص المشاكل والإكراهات التي تعترض مهنة الجزارة، ومعاناة المستخدمين بين الجزار الكبير وضبابية الممارسة". ويضيف ممثل الجمعية المهنية للجزارين: "الخلاصات والنقاط المتفق عليها عادت إلى نقطة الصفر بعد تعيين باشا جديد. وننتظر تفاعلا حقيقيا من المسؤولين للرفع من مستوى هذا القطاع الحيوي، خاصة أن مطالبنا واقعية وتتعلق بحقوق أشخاص أفنوا زهرة حياتهم بين جدران المجزرة بدون ضمانات، ما جعل منهم مجرد "مياومين" رغم مراكمتهم عشرات السنوات من العمل في القطاع". وأضاف المتحدث أن مشكل غياب لجان مراقبة الأسعار عن محلات الجزارة يرخي بظلاله على القطاع وعلى استهلاك اللحوم بالمدينة، وزاد موضحا: "لا يعقل أن يظل ثمن لحم كيلوغرام واحد من لحم الأغنام مستقرا في 70 درهما طوال السنة، في وقت يصل ثمنه بمدن أخرى إلى 50 و45 درهما"، داعيا الجهات المسؤولة إلى التدخل والقيام بالمتعين لتشجيع استهلاك اللحوم وخلق رواج اقتصادي. ويطالب المستخدمون بالمجزرة البلدية الشهيرة ب"الكُرْنَة"، وفق الكاتب العام لجمعية الأمل، بتسوية وضعياتهم لضمان حقوقهم من تغطية صحية وغيرها، مع تمكينهم من أجر شهري محدد في "السميك"، يستخلص من الجبايات المفروضة على عملية الذبح، على غرار ما هو معمول به بمجموعة من المجازر الجماعية بكل من شفشاون والقصر الكبير وتطوان، عوض تركهم "فريسة" بين أيدي الجزارين الكبار.