تم التداول في القانون رقم 14.27 الذي جاءت مادته الأولى متممة لأحكام الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي، المتعلق بمكافحة الاتجار في البشر في لجنة العدل والتشريع خلال الولاية التشريعية السابقة والتي أجمعنا خلالها أغلبية ومعارضة على استفادة ضحايا الاتجار بالبشر وذوي حقوقهم من المساعدة القضائية في جميع مراحل الدعوى. وقد أسال تدارس القانون المذكور الكثير من الحبر ومواكبة المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، وحظي بالكثير من الأهمية والاهتمام، خصوصا بناء على انضمام المغرب إلى البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية المتعلق بالاتجار بالبشر، وازدياد عدد المهاجرين العابرين إلى أوروبا وانتشار وكالات وسماسرة الوساطة بالنسبة إلى العمالة المنزلية. وقد سبق لوزير العدل في الحكومة السابقة أن نبه إلى التحلي باليقظة من أجل ضمان تطبيق هذا القانون، لا سيما بالنسبة إلى جنح كالتسول والاستغلال في البغاء والتي تخفي وقائع وأفعالا ترتبط بالاتجار في البشر؛ لكن بالرغم من الحيطة والحذر فإن عدم استيعاب توجه نية المشرع من لدن النيابة العامة نتجت عنه بعض النقائص أسفرت عن متابعة بعض الضحايا بالفساد أو الخيانة الزوجية والحال أنهم ضحايا تم استغلال ضعفهم أو حاجتهم أو هشاشتهم واستعمال مختلف أشكال القسر والاحتيال والخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ للإيقاع بهم، لذلك فإن دورية رئيس النيابة العامة الموجهة إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك بالمملكة في إطار تبليغه لهم ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي تعتبر خطوة إيجابية وفي إطار ايقاظ وصحوة العدالة وكشف ما توخاه المشرع في إطار الاختصاصات المنقولة إلى قمة هرم النيابة العامة الذي أصبح معنيا بتطبيق المادة ال51 من قانون المسطرة الجنائية، إذ يشرف على تنفيذ السياسة الجنائية ويبلغها إلى الوكلاء العامين الذين يسهرون على تطبيقها. ولعل الدورية المتعلقة بحماية ضحايا الاتجار بالبشر كان باعثها الدافع ومحركها هو عدم إيلاء الأهمية لكل الضحايا والاقتصار فقط على المشتكين أو من تم ضبطهم أثناء إجراء البحث، خصوصا أن آثار الجريمة وخيمة، وتستهدف خاصة النساء والأطفال. لذلك، دعا رئيس النيابة العامة إلى استحضار الجانب الحمائي للضحايا منذ مراحل البحث الأولى من جهة، وعدم تحريك المتابعة في مواجهة ضحايا الاتجار بالبشر متى كانت الأفعال المنسوبة إليهم اقترفت تحت تأثير التهديد ولها ارتباط بكونهم ضحايا جريمة الاتجار بالبشر، علما أن المعلقين سلبا على مشروع القانون أثناء مناقشته أوردوا ملاحظات مفادها أنه يصعب التمييز بين الضحية والفاعل والمساهم والمشارك؛ وهو ما يفتح المجال للعديد من التأويلات... لكن دورية النيابة العامة الأخيرة أزاحت الستار عن نية المشرع بإبراز الجانب الحمائي للضحايا وتعميق البحث والتقصي والتحري بخصوص باقي الضحايا بدل الاقتصار على المشتكين وعدم متابعة من ارتكب أفعالا إجرامية كالفساد وممارسة الدعارة، تحت تأثير التهديد لما ترتبط هذه الأفعال بكونهم في الوقت نفسه ضحايا الاتجار بالبشر. ولعل هذه الدورية كتلك التي وجهتها رئاسة النيابة العامة حول تطبيق الإكراه البدني في مخالفات السير بعد أن عّم الخوف بخصوص الاعتقال المفاجئ المحتمل، والتي أعاد فيها رئيس النيابة العامة الأمور إلى نصابها مبينا مقتضيات المسطرة الجنائية التي تقتضي أن يكون المقرر القضائي المطلوب تنفيذه حائزا لقوة الشيء المقضي به ومبلغا بصفة قانونية إلى المحكوم عليه وأن يوجه إليه إنذارا يبقى بدون جدوى، بالرغم من مرور ثلاثين يوما وموافقة قاضي تطبيق العقوبات على تنفيذ الإكراه البدني، داعيا إلى مراجعة أوامر الاعتقال والتشبث باتباع المسطرة القانونية؛ وفي ذلك حماية صريحة للحقوق والحريات وتنفيذا للسياسة الجنائية التي رسمها المشرع، عن طريق المقتضيات الدستورية والقوانين التنظيمية المكملة لها التي اعتبرت قضاة النيابة العامة يلتزمون بالتعليمات القانونية الكتابية الصادرة عن الوكيل العام لمحكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة والذي يتصدى إلى ما قد يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي. *برلمانية سابقة محامية.