يزينُ الفتى في الناسِ صِحَّةُ عقلِهِ... وإِن كان محظوراً عليه مكاسبه إذا لم ننجح في الوصول إلى تحقيق الغايات، فكأننا لم نتعلم شيئا من محنتنا التي استمرت لعقود من الزمن، وسنستحق المصير الذي وصلنا إليه. ولو رجع بنا الزمن إلى الوراء، وأتيح لنا أن نفكر في طرق أخرى لتحقيق الأهداف، لما اخترنا أن نكون على ما نحن عليه اليوم، نتيجة التعنت في عدم اعتماد صيغ متواضعة لأداء الأدوار والمهام. إن المشكلة التي يواجهها المثقفون خطيرة جدا، وقد تمكن البعض من غرس الشك في أذهان الرأي العام حول كل الجهود التي يقوم بها المثقفون، وها هم المثقفون أنفسهم اليوم يسهمون في ترسيخ ذلك، ويلعبون دورا سلبيا داخل مجتمعهم. لم أكن يوما عضوا باتحاد كتاب المغرب، وهذه حكاية أخرى يلزمها توضيح، حين تسمح الظروف بذلك؛ بالرغم من أننا أصبحنا اليوم في باب الضرورات التي تبيح كل المحظورات، خاصة أن الحاجة أشد إلحاحا وتجيز بمنطق الواقعية المبتذلة كل ما لا يجوز ولا يستقيم. لقد تناسى فقهاء الثقافة "الأجلاء" ببلادنا الإجابة عن سؤال محوري في مثل هذه المقامات؛ البعيدة عن منطق الاجتهاد الافتراضي، وذات الصلة بفقه الواقع الاعتراضي: هل الضرورة ينبغي أن تكون في حدودها الثقافية والتاريخية التي تتطلبها المرحلة، أم تتعداها إلى ما لا حصر له من الممارسات "الممنوعة" أو "المحرمة"؟ فما تناهى إلى علم المهتمين والمتتبعين، من تسميم للأجواء، وتحلل من القيم، وانحراف في التوجهات، وخروج عن ضوابط المواقع والمواقف، وقبح في التصرفات والسلوكات، يندى له الجبين؛ من حيث عدم الالتزام بقواعد وضوابط العلاقات والتفاعلات داخل إطار مدني يجمع مثقفين، يفترض أنهم يشكلون صفوة النخبة في البلاد، أوكلت إليها مهمة هندسة عمليات التأطير والتوجيه الثقافي داخل مجتمعها، وداخل مؤسسات تنشئتها الثقافية. قد تختلف المواقع والمواقف، وقد تختلف المشارب والانتماءات، وقد تختلف الطروحات والآراء، وقد تختلف الإستراتيجيات والبرامج، وقد تختلف الأهداف والغايات، وقد تختلف الرهانات والمصالح؛ لكننا أمام صفوة النخبة للأسف. فما كان لها أن تفسد العملية، وما كان لها أن تنجر إلى المأزق، وما كان لها أن تكون معبرة عن أقصى درجات التخلف في تنظيم فعلها وأدائها، وما كان لها أن تعبر عن عجز في تدبير شأنها الداخلي، وما كان لها أن تعلن – بدون خجل – عن فشل المؤتمر الوطني التاسع عشر المنعقد بطنجة في أواخر شهر يونيو. إن هذه الصفوة سقطت للأسف في المحظور، وأعلنت عن فشل التجربة والانحراف عن المسار وإعادة إنتاج المهازل والمآسي، وأعلنت عن وقوع في مطب التشقيق والتشتيت، وأعلنت عن سقوط اتحاد كتاب المغرب في فخ أساليب الإقصاء والتهميش، وأعلنت عن أن استرجاع الثقة والوحدة والأمل داخل هذا الإطار أصبح مطلبا بعيد المنال، وأعلنت عن أن تصحيح المواقف والتحالفات والمسلكيات والرهانات يتطلب مسارا طويل الأمد داخل الإطار نفسه، وأعلنت عن ضعف اتحاد كتاب المغرب وحاجته إلى التقوية والمحافظة على "إرثه" واسترجاع "مصداقيته"، وأعلنت عن ضرورة عودة الاتحاد إلى الارتباط بقضايا الشعب والوطن والتقدم والديمقراطية، كقضايا من اللازم أن تندرج ضمن انشغالات والتزامات الكتاب والشعراء والمفكرين المغاربة الأساسية.