إنها نظرة مروعة على جريمة وحشية ضد كرة القدم في الاتحاد السوفيتي، وتباين حاد لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تقام حاليا في روسيا. في خطوة نادرة، وبعد 75 عاما من القضية، أفرجت المخابرات الروسية "FSB" عن جزء من ملفات سرية بشأن قضية "ستاروستين" التي تعود إلى الحقبة الستالينية، نشرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية بعضا منها. تبين القضية أنه: عندما يتناقش الناس اليوم بشأن ما إذا كانت الرياضة سياسة، فإن كرة القدم كانت آنذاك للكثيرين مخاطرة هائلة ربما انتهت بلا رحمة بقضايا وهمية وتعذيب، بل وإعدامات. هناك الآن أربعة تماثيل برونزية لا يمكن للعين تجاهلها عند حافة "استاد سبارتاك" الذي تقام به مباريات ضمن بطولة كأس العالم لكرة القدم. هذه التماثيل لألكسندر وأندريه ونيكولا وبيوتر ستاروستين، وجميعهم أشقاء لاعبو كرة قدم عباقرة، أمر رئيس المخابرات الروسي، لافرينتي بيريا، باعتقالهم عام 1942 باتهامات ملفقة، "أكثرها سخافة أنه كانت هناك خطة لتنفيذ اعتداء على الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين"، حسب ما يروي المؤرخ السوفيتي سيرجي بوندارينكو. يعمل هذا المؤرخ لصالح منظمة "ميموريال" الروسية التي لها فضل كبير في معالجة أحداث الحقبة الستالينية في روسيا. إلى هنا وقضية ستاروستين معروفة جيدا بهذا الشكل في روسيا. غير أن الباحثين المستقلين يأملون من وراء الملفات التي أفرجت عنها المخابرات في الحصول على توضيحات أدق لملابسات القضية، وخاصة معرفة كيف بدأت ملاحقة اللاعبين الأربعة. لم يكن الأخوة اللاعبون آنذاك رياضيين عاديين، بل كانوا نجوما؛ إذ شارك نيكولاي ستاروستين، على سبيل المثال، في تأسيس نادي سبارتاك موسكو، وكانت هناك حسابات يريد رئيس المخابرات بيريا تصفيتها مع ستاروستين على وجه الخصوص. قبل ستة أعوام من إلقاء القبض على اللاعبين، فاز سبارتاك عام 1936 في مباراة أمام نادي دينامو موسكو المفضل لدى بيريا، وكانت المباراة على عشب صناعي في الميدان الأحمر وأمام أعين ستالين. نُظر إلى هذا الفوز في الكرملين على أنه استفزاز للشرطة السرية، "وأمر ستالين بعد ذلك بمعاقبة أعداء الشعب داخل الرياضة؛ وبذلك بدأت الملاحقة"، وفق يروي المؤرخ الرياضي يوري كوشيل. بدأت صحف روسية نشر مقالات هجومية تنتقص من وطنية لاعبين ومسؤولين في الرياضة، كان من بينها، مثلا، مقالات اتهمتهم بتبديد الأموال وبالجشع. جمع بيريا على مدى سنوات أدلة إدانة ضد عائلة ستاروستين وأمر بالقبض على 11 شخصا على الأقل من معارف هؤلاء الأخوة وتعذيبهم، "وشهد هؤلاء في جميع الوثائق أن الأخوة ستاروستين شاركوا في التخطيط لهجوم على ستالين"، حسب ما شرح بوندارينكو في صحيفة "كوميرسانت"، مضيفا: "قالوا: أعددنا هجوما في الميدان الأحمر، إما تفجير قنبلة أو إطلاق النار على ستالين من سطح متجر GUM"، وفق المؤرخ الذي تابع: "حكم على أغلبية المعتقلين بعد استجوابهم بالقتل". وفي عام 1942 كان الاتحاد السوفيتي يخوض الحرب مع الامبراطورية الألمانية. ولم يلاحظ أحد تقريبا أنه قد تم القبض على الرياضيين الأربعة الذين اتهموا أمام المحكمة بأنهم "أسسوا فرقة إرهابية من الرياضيين"، لكن "الاتهامات" كانت واهية حتى من أجل محاكمة وهمية". لذلك غير بيريا الدعوى وبدأ يتهم الأخوة ستاروستين بالسطو على قطارات وسرقة منسوجات. ورغم أنه لم تكن هناك أدلة على ذلك أيضا، إلا أن الأمر لم يكن يتعلق بالأدلة؛ لذلك حكم عل كل من الأخوة الأربعة بالسجن عشر سنوات في المعسكرات. وبعد ثلث المدة، أفرج عن نيكولاي ستاروستين بمبادرة من نجل ستالين فاسيلي، واضطر إخوته الثلاثة لقضاء كامل المدة في السجن. ولم يستطع الأربعة تنفس الصعداء إلا بعد وفاة ستالين وبيريا عام 1953، بل حصل هؤلاء في ما بعد على وظائف تدريبية، وتقلدوا مناصب قيادية في اتحاد الكرة السوفيتي. عاش نيكولاي عمرا مديدا سمح له بمعاصرة ميخائيل غورباتشوف الذي أكرمه ومنحه نياشين كنوع من المصالحة، لكن إخوته الثلاثة توفوا قبله. أما نيكولاي نفسه فتوفي عام 1996، وهناك شارع باسمه الآن في موسكو. وكشف الستار قبل بضعة أيام في كومسومولسك-نا-أموري عن لوحة تذكارية لهذا الرياضي الأسطورة، تحمّل لاعب المنتخب القومي الروسي يوري جازينسكي نفقاتها التي بلغت 100 ألف روبية (نحو 1500 يورو)، حيث قام ستاروستين بتدريب النادي الذي كان قريبا من مسقط رأس جازينسكي. "راجعنا الآن إفادات 11 شخصا من الذين ألقي القبض عليهم، تلك الافادات التي كانت سرية في السابق"، يقول المؤرخ بوندارينكو في مقابلته مع صحيفة "كوميرسانت"، مشيرا إلى أن المعتقلين أجابوا في أول ملفين للشهادة بشأن قضية الإخوة ستاروستين بشكل خاص على أسئلة عن الفساد الذي كان يعج به عهد ستالين. ويأمل المؤرخ الروسي الآن أن تفرج المخابرات الروسية عام 2019 عن مزيد من الوثائق بشأن القضية.