بنسالم حميش وحسن أوريد إذا كنا نحذر - في مقالاتنا السابقة - من سلبيات ما اصطلحنا عليهم بدعاة الهوية الصماء، وآفات خطابهم الإقصائي، ومخاطر سفسطائيتهم وآثارها السلبية على ناشئة البلد، فإننا اليوم نحذر من انخراط عقول المغرب في مشروع الهوية الصماء وتبني خطاب غلاتها والتبشير به، وتقديم ما يمليه الهوى والتعصب العرقي- الفكراني/ الإيديولوجي على العقل والحق؛ ذلك أن انخراط حكماء المغرب، أمثال الأستاذ بنسالم حميش "في مقال انتصاره للهوية العربية "، والأستاذ حسن أوريد "في رده وانتصاره للهوية المازيغية" في مشروع الصراع المازيغي- العربي الذي يفتعله ويؤججه متعصبو المازيغية وقوميو الضاد، من شأنه وَأْد درس (الاستثناء المغربي) الذي أضحى درسا معتمدا ومُلْهِمًا لعدة دول لم تحسن تدبير التعدد الهوياتي واللغوي بأرجائها، واختارت الهوية الصماء بديلا في تحدّ سافر للحقائق التاريخية والتداولية والمنطقية الدالة على أن الهوية المغربية هوية موسعة تنصهر في بوثقتها هويات متداخلة متصلة فيما بينها لا منفصلة أو منغلقة على نفسها من قرون خلت. من هنا، وجب تنبيه رجالات الثقافة المغربية إلى آفات تبني عقيدة دعاة الهوية الصماء وانخراط في مشروعها الهدام، وبخاصة غلاة المازيغية والضاد، بمغرب اليوم وانعكاساته السلبية على مشروع (الاستثناء المغربي) الذي أصبحنا نخاف عليه من الموت السريري والترحيل القسري. فمن آفات الصدام المازيغي – العربي، كما نلمحه اليوم من خلال خطاب الرد والرد المضاد الذي تلا مقال الأستاذ بنسالم حميش، وانخرط فيه كل من حسن أوريد، - وقبله محمد بودهان المعروف بانتصاره لكل ما هو مازيغي -، وهما - بنسالم حميش وحسن أرويد– من حكماء هذا البلد ومصابيح دجاه ما يلي: أولا- آفة التجزيئ: ذلك أن انخراط المثقف المغربي الحق في مشروع الهوية الصماء، وتقليد غلاة المازيغية في انتصارهم وتعصبهم للهوية المازيغية، وتقليد القومجي المتعصب العربي في تعصبه لعروبته من شأنه إشعال فتيل الرغبة في تجزيئ المغرب إلى أجزاء متناحرة فيما بينها، الخاسر فيها الأجيال الآتية، التي لا محالة ستصطدم بهوية صماء مغايرة للهوية الموسعة التي أصلها المغاربة الأفذاذ على مر العصور. ثانيا- آفة التسييس: حيث يلاحظ اليوم بالمغرب تكاثر الاصطفافات المُسَيَّسَةِ وتنامي الإديولوجيات العرقية الداعية إلى التفرقة بين أمازيغ المغرب وعربه، حيث فَعَّلَ متعصبو الأمازيغية والقومية العربية – عن وعي أو دون وعي؟- إيديولوجية المستعمر الفرنسي القديم، لمَّا رام الفصل بين عرب المغرب وأمازيغه، رغبة منه في جعل الوحدة المغربية مِزَقًا. وإن أشنع مثال على آفة التسييس وانعكاساتها الوخيمة ما تعرفه الساحة الطلابية اليوم من صراعات عرقية مغلفة بأغلفة إيديولوجية/ فكرانية، راح ضحيتها كثير من الطلبة الذين أغراهم بريق خطاب دعاة الهوية الصماء، داخل الحرم الجامعي، فما بالك إذا وجدوا لعقيدتهم مفكرين من طينة الأستاذ بنسالم حميش والأستاذ حسن أوريد !. ثالثا- آفة تَمْيِيعِ الهوية المغربية: ذلك أن انخراط رجالات الفكر والثقافة، من أمثال بنسالم حميش وحسن أوريد في مشروع دعاة الهوية الصماء، من شأنه تزكية وشرعنة خطابات غلاة المازيغية والقومية العربية القائم الذي يزدوج فيه الإقصاء بالهدم، إقصاء الحقيقة التاريخية، وهدم خصوصية الهوية المغربية الحق، القائمة على التعددية العرقية واللغوية، وتمييعها بخلق هوية صمَّاء، إما منغلقة على نفسها (أنصارها)، أو متسلطة تعلي من شأن فئة(عرق-لغة) وتقصي الفئة الأخرى، أو مستغنية بنفسها عن الأغيار(لغات-أعراق-ثقافات)، - كما بيناها في مقالنا السابق المنشور بهسبريس، والموسوم ب"همسة في أذن دعاة الهوية الصماء" الذي انتصرنا فيه للمشترك من خلال نموذج التراث العرزيغي الذي نحفر فيه باعتباره أسمى نموذج للأخوة والتلاقح المازيغي- العربي في مختلف مناشط الحياة. ولا يخفى أن هذا التمييع للهوية/الخصوصية المغربية أشد خطرا على الوحدة المغربية والاستثناء المغربي الذي ما فتئ أعداء الوحدة الترابية والاستقرار يحاربونه بشتى الطرق. وقبل الختام -لدعاة الهوية الصمّاء- أقول: المغرب كان وسيظل لكل المغاربة، والهوية المغربية هوية تعددية موسعة قوامها التكامل والتعايش، لا الصراع والتجزيئ الذي تدعون إليه في هويتكم الصماء، والحضارة المغربية بناها الأمازيغ والعرب معا، ولا فضل لعربي على مازيغي، إلا بالتقوى والعمل بما فيه خير لهذا الوطن الحبيب. وفي الختام لرجالات الثقافة والفكر الوطنيين أقول: هذه بعض من آفات مشروع الهوية الصماء الذي يقوده الغلاة، فهل ستنخرطون فيه مجددا؟ *شاعر وكاتب مغربي [email protected]