ما أن يخرج المرء من مدينة مراكش في اتجاه أمزميز، عبر الطريق الجهوية رقم 2009، وبمجرد أن يتجاوز مشارف عاصمة النخيل نحو تحناوت وأمزميز بكيلومترات، حتى تظهر الفنادق الراقية ومشاريع إحداث أحياء سكنية، حتى يتفاجأ بوجود تجمع سكني يضم ما يقارب 807 من الشقق ويطلق عليه جنان الشريفية، عبارة عن صناديق إسمنتية، تغيب فيها كل المرافق الضرورية. غياب المرافق يؤرق السكان يشكو سكان حي جنان الشريفية، الذين حلموا بالاستقرار فيه وتكوين أسرهم به، من الغياب التام للمرافق الاجتماعية كالمدرسة والمركز الصحي والمناطق الخضراء والمساجد والحمام وغيرها من الأمور التي يجب أن تتوفر في السكن الاجتماعي، الذي تدعمه الدولة من أجل توفير سكن لائق بكرامة المواطن المغربي؛ وهو ما جعل هذا التجمع السكني يعرف أوضاعا مزرية للغاية، منها غياب وسائل النقل والإنارة العمومية، وكل ما تضمنته التصاميم والمجسم الخاص بالتجزئة. هسبريس قامت بجولة بحي جنان الشريفية، الذي يعيش عزلة شبة تامة عن العالم الخارجي، والتقت مجموعة من القاطنين به، الذين عبروا عن تذمرهم من الوضع الذي يعيشونه، بعدما اقتنوا الشقق من مؤسسة الشعبي للإسكان، ف"أصبحت مجرد أقفاص إسمنتية"، يقول محمد أمين المغازلي، أحد سكان الحي لهسبريس، مضيفا "أن معاناتنا بدأت منذ شهر أبريل 2012، عندما تم الإعلان عن انطلاق مشروع متكامل تتوفر فيه كل المرافق الأساسية، وسيستهل بشطر أول منه موجه للسكن الاقتصادي، فانطلقت عملية التسويق في ظروف مثالية والكل كان يتوقع لهذا المشروع أن يحقق نجاحا باهرا". وأورد المتحدث نفسه أن المفاجأة كانت كبيرة، بعد أن تحول الحلم الوردي إلى زيف، بعدما سلبت منهم أموالهم التي كابدوا في جمعها؛ لأن السكان اكتشفوا وقت تسليم الشقق سنة 2016 حقيقة مرعبة، تتمثل في أن المرافق كانت وهما استخدم في تسويق المشروع وطعما لاصطياد المواطنين الذين استدان أغلبهم للحصول على هذه الشقة. لم يترك محمد وانعم فرصة حديث أمين المغازلي لهسبريس تمر، فتدخل بنبرة يطبعها اليأس والحسرة قائلا: "لقد انكشفت حقيقة المشروع أخيرا، لم يكن إلا حيا معزولا عن مدينة مراكش بكيلومترات، ولا يتوفر على مرفق واحد كما وعد به أثناء التسويق: غياب تام لأي مدرسة أو مسجد، أما الحمام والملعب والمركز التجاري فمرافق لم تبرح مكانها في التصميم الورقي". "كل حاجات القاطنين بالتجمع السكني المذكور توجد بحي بوعكاز الذي يبعد عن المنطقة بثمانية كيلومترات"، يروي عادل الزهري، فمن كانت له ثلاثة أولاد فإنه يؤدي مبلغ 900 درهم عن وسائل نقلهم المدرسية؛ وهو ما ينعكس سلبا على صحة الأطفال الذين يقطعون 32 كيلومترا ذهابا وإيابا. وللحصول على جلبة لحديثي الولادة، تضطر الأم إلى الانتقال إلى مراكز صحية بأولاد بويحي أو سيدي موسى (14 كيلومتر) أو حي آخر للاستفادة من هذا الحق الدستوري، وهذا الأمر حول حياتنا إلى جحيم لا يطاق. سكن بجوار المياه العادمة وما زاد الأمر استفحالا هو تحويل قناة لتصريف مياه الأمطار إلى مصب لمياه الصرف الصحي لأحد الدواوير المجاورة للمشروع؛ وهو ما خلق للسكان متاعب إضافية، بسبب الروائح الكريهة المنبعثة، والانتشار الكثيف للحشرات والقوارض، وفق قول المتحدثين لهسبريس، الذي أكدوا أن وسائل النقل لا تدخل إلى الحي وأن من يستعملها عليه أن يقطع كيلومترا مشيا على الأقدام في ظل انتشار الكلاب الضالة وغياب الإنارة العمومية، ونقص في حاويات النفايات الصلبة، وهذا الوضع دفع معظمهم إلى التفكير في الرحيل عن حي حلموا به. قلة الأمن كابوس يهدد سكان المنطقة أصبح غياب الأمن كابوسا يهدد مصير القاطنين بجنان الشريفية، الذين أعربوا عن تذمرهم واستيائهم الشديدين من عدم توفر الأمن على مستوى التجمع السكني، الذي يملك به مغاربة من مدن أخرى شققا، يتحول بعضها إلى وكر للفساد؛ وهو ما جعل كل من التقته هسبريس يعبر عن تخوفه من تحوله حيهم إلى حي بمقاطعة جليز، معروف بكراء الشقق من أجل الليالي الحمراء والمتعة، يورد محمد أمين المغازلي، الذي أشار إلى تعرض مساكن أخرى للاعتداءات وعمليات السطو؛ وهو ما زاد من خوفهم على أنفسهم وممتلكاتهم الاجتماعية، خاصة أن الوضع أصبح يشّكل خطرا على أولادهم منهم من يلتحقون بمقاعد الدراسة، يختم المتحدث ذاته. الشكوى لله وللملك السكان تقدموا بطلبات وشكايات متعددة في الموضوع، موجهة إلى الشركة العقارية المسؤولة عن المشروع من أجل تسوية كافة الملفات، ورفع الحيف الذي طالهم دون أن يجدوا آذانا صاغية، بعد مرور سنوات نفد فيها الصبر وأصبح الجميع يفكر في الاتجاه إلى القضاء، وفي خوض أشكال احتجاجية غير مسبوقة لرد هذه المظلمة الكبيرة وإرجاع الحق إلى أصحابه، متسائلين عن دور الوزارة الوصية (وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة) والتي وضعت ضمن مخططاتها إقامة مدن وأحياء بمرافق متكاملة؛ لكن ما يلاحظ على أرض الواقع خروقات عدة لدفاتر التحملات يدفع ثمنها المواطن البسيط الذي لا يجد له نصيرا في مواجهة لوبيات العقار، يختم المتضررون أنفسهم. السكنى والمجلس هسبريس نقلت صيحة المتضررين إلى كل من زهرة الساهي، المديرة الجهوية لوزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، وإدارة مؤسسة الإسكان للشعبي، وعبد الجليل قربال، رئيس المجلس الجماعي لتمصلوحت، وعبد العزيز درويش، رئيس المجلس الجماعي لتسلطانت. وإذا كانت المسؤولة الأولى أوضحت أن المنعش العقاري أو أي مستثمر لا يمكنه أن يحصل على رخصة السكنى إذا لم ينجز المرافق موضوع التصاميم، فإن قربال قال لهسبريس إن موضوع القناة التي تشكل نقطة سوداء يعاني منها حي جنان الشريفية ودوار أولاد بويحي (جماعة تمصلوحت) عقدت بخصوصه عدة اجتماعات بحضور الجماعتين بولاية الجهة، انتهت إلى ربطها بتجزئة العرصة التابعة لمؤسسة العمران. ومن جانبه، أوضح عبد العزيز درويش، رئيس المجلس الجماعي لتسلطانت، أن هذا الأخير "على أتم استعداد للتعاون إلى أقصى حد مع القاطنين بهذه التجزئة؛ لأنهم أصبحوا محسوبين علينا"، مضيفا "أن الجماعة حين ترخص لأي تجمع سكني فإنها تفعل ذلك احتراما للقانون، ولأن المستثمر اشترى الأرض وبنى الشقق؛ لكن الذي يجب أن يكون هو أن يلزم المنعش العقاري ببناء المرافق أيضا، لا الاكتفاء بتحديد عقارها وبعد بيع كل الشقق يرحل، ويترك الجماعة في مواجهة السكان". وطالب الدرويش بتغيير القانون المنظم لهذا القطاع والمراقبة القبلية بفرض مساهمة المنعش العقاري في بناء المرافق على أرض الواقع لا في لوائح الإشهار؛ لأن المشروع يجب أن يكون وحدة متكاملة بمرافقه، وعلى المستثمر أن يقنع بربح في حدود %50 أو %40، وضرب مثلا بالقناة التي تحولت إلى مجرى للمياه العادمة، مضيفا: "لقد خصصنا مليارين و120 مليونا لقطاع التعليم، بمجموعة من المناطق التي عرفت إعادة الهيكلة، ولو أسهمت المؤسسة العقارية التي قامت بذلك في بناء المرافق الاجتماعية لوجهنا هذا الغلاف المالي إلى مصالح أخرى للسكان". وأشار الرئيس إلى أن المجلس الجماعي راسل كل من ولاة الجهة السابقين ورئيس الحكومة السابق ورئيس الحكومة الحالي، ولم يحرك أي منهم ساكنا بخصوص ما تتركه الشركات العقارية مما أسماه "جرائم بيع الوهم" بتراب الجماعة، التي تتميز بارتفاع ثمن عقارها، ملتمسا عبر هسبريس من ملك البلاد محمد السادس التدخل لإنصاف كل المتضررين بالمنطقة التي تعج بضحايا المقاولات التي تنشط في مجال العقار، يختم الدرويش. يذكر أن هسبريس زارت مقر إدارة مؤسسة الشعبي للإسكان بمراكش، وطلب منها موظف في الاستقبال الذي ربط اتصالا هاتفيا بمسؤولين بالطابق العلوي ترك رقم الهاتف، من أجل ترتيب موعد للرد على ما يعاني منه زبناء هذه المقاولة العقارية، دون أن نتوصل بأي مكالمة إلى حدود كتابة هذا المقال.