قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن توحد العرب كان من أبرز نتائج عام الوفود في السنة التاسعة للهجرة، إذ انتقلوا من حالة التجزئة إلى حالة الوحدة؛ وهو أمر غير مسبوق. وأرجع الداعية أسباب هذه الوحدة إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم كقيادة قوية، وإبقاء الحاكم على حكمه، ووجود حلم مشترك (الإسلام)، وحدة مرتبطة بالدين؛ فالدين هو اللغة والثقافة لهذه المنطقة من العالم. وأضاف، في الحلقة الخامسة والعشرين من برنامجه الرمضاني "السيرة حياة"، أن توافد كل قبائل العرب للمدينة في العام التالي لفتح مكة كان لأهداف مختلفة؛ فهناك من جاء لأجل معاهدة للصلح والحصول على الأمان لنفسه وقومه، ومنهم من أراد أن يتعرف على الدين الجديد، أو جاء مسلمًا ممثلاً لقومه، ويريد تعلم الإسلام. وأشار خالد إلى أن عدد الوفود تراوح ما بين 35 إلى 80 قبيلة، وقيل 104 من القبائل، وكان يتم استضافتهم في منزل رملة بنت الحدث بن زيد الأنصارية النجارية، وكان لديها بيت واسع ورثته من أبيها، فطلب منها النبي أن تكون دارها دار الوفود؛ لكن طعامهم كان يأتي من بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر الداعية الإسلامي أنه على مدار 19 سنة من العمل المستمر والتركيز على الهدف دون التفاف للمؤامرات والأعداء، عمل النبي من غير زهق ولا ملل، دون تشاؤم أو اكتئاب، أو شكوى أو تأفف على الرغم من التحديات الكبيرة، والتغييرات والأحداث إلا أنه لم تهتز الثقة في الله. وأضاف: "لم يكن هناك أدنى شك لدى العرب في كون النبي مرسلاً من السماء، لكنهم كانوا ينتظرون نتيجة الصراع مع قريش، كانوا يعتقدون أن لا يمكن لأحد أن يسيطر على المسجد الحرام وهو على خطأ، وكانت قصة أصحاب الفيل ماثلة أمام أعينهم، فلما فتح النبي مكة وصعد بلال يؤذن فوق الكعبة، أصبح لا يساورهم أدنى شك في كونه رسولاً حقًا، وإسقاط الأصنام فوق الكعبة كان له أهمية رمزية أخرى غير التوحيد". وأشار إلى أن النبي فرح كثيرًا بقدوم الوفود إلى المدينة، "أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أصلاً"، وكان من بينهم وفد عبد القيس، وهم من سكان شرق الجزيرة العربية، ومن أول من أسلموا من خارج المدينة، ومسجدهم أول مسجد أقيمت فيه الجمعة بعد مسجد رسول الله، وكان الوفد يتألف من 40 رجلاً، ومن بينهم الأحنف بن قيس، الذي جاء هونًا حتى سلم على رسول الله، قال له: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: "الحلم والأناة". ولفت الداعية الإسلامي أيضًا إلى أن وفدًا من بني سعد قدم إلى المدينة، وعلى رأسه ضمام بن ثعلبة، الذي كلما تكلم النبي يقول له: أقسم على ذلك، وينظر في وجه النبي طريقته كلها شك، فقال الرجل: آمنت بما جئتَ به، والله لا أزيد عليهن ولا انتقص، "وفي ذلك درس عظيم، أراد النبي أن يعلمنا أن نسمع ونعطي الفرصة للناس تسأل، فالسؤال قيمة إسلامية كبيرة، حتى لو هناك شك، فهو طريق للفهم والإيمان، "عم يتساءلون" سورة تشجع على السؤال". وقال إنه لم قدم وفد من الشباب، من بينهم مالك بن الحويرث، أقاموا بالمدينة عشرين ليلة، وكان رسول الله رحيمًا رفيقًا بهم، قال لهم: يكفيكم ما تعلمتم، ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم وصلوا بهم وجملوا هيئتكم بينهم". وتحدث خالد عن أحد الدروس من مقابلة النبي للوفود هو رفض الاستعلاء بالإيمان، لما قابل وفدًا من بني أسد بن خزيمة، الذي قال رئيسهم بشكل فيه تعالٍ: يا رسول الله! إنا شهدنا أن الله وحده لا شريك له، وإنك عبده ورسوله، وجئناك ولم تبعث إلينا أحدًا مثل الآخرين، فأسلمنا ولم نقاتلك، كما قاتلك بنو فلان، وصلينا ولم يصل بنو فلان، فأنزل الله تعالى: "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ". من المواقف التي يرويها خالد في مقابلات النبي للوفود لقاؤه الطفيل بن عمرو الدوسي من قبيلة دوس الذي قابل النبي بمكة وأسلم، وعاد بعد 12 سنة بقبيلته كلها، 70 أو 80 من بيوت "دوس"، وكان من بينهم سيدنا أبو هريرة، الذي لزم النبي خطوة خطوة حتى مات، وروي عنه 3 آلاف حديث، معلقًا على ذلك بقول: "الإسلام دين شعبي ليس حكرًا على تنظيم دينيّ". ومن الدروس التي خلص إليها خالد من مقابلات النبي للوفود هو أن الإسلام ليس معلومات وشكل ومظاهر، وإنما هو القيم والأخلاق، كما حصل عند استقباله "الجارود"، الذي قال للنبي: "بيننا وبين قوم آخرين جيرة وتضل أبلهم عندنا، فهل يحق لنا أن نأخذها"، قال له: "دع الإبل بينك وبينهم حد النار"، وعاد بقيم العيش مع الجار دون حفظ القرآن أو قيام الليل أو علم كثير. ومما دلل به خالد على رفض النبي استخدام الدين سلمًا للسياسة، لأنه كان يخطط للإصلاح ولم يخطط للحكم، قصته مع وفد عامر بن أبي صعصعة، أحد أكبر 5 قبائل عربية، إذ إن سيدهم بحيرة بن فراس، قال له: "أخيرك بين خصال ثلاث: يكون لك أهل السهل، ولي أهل البدو، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف رجل"، فرفض رسول الله، وقال: اللهم اكفني عامرًا واهد قومه، فلما عادوا، نزل عامر في الطريق عند امرأة من قومه من بني سلول، ونام في بيتها، فبعث الله عليه الطاعون، وأخذته غدة في حلقه، فقال: أغدة كغدة البعير، وموت في بيت امرأة زانية؟ ائتوني بفرسي، فركب فمات على فرسه. وروى الداعية الإسلاميّ كيف أن النبي غضب لما أرسل أسامة بن زيد إلى بني المدان بنجران من أرض اليمن لأنهم يعدون للقتال، فلحق بواحد منهم، فلما أراد أن يجهز عليه نطق بشهادة التوحيد، لكنه طعنه وأراده صريعًا، مفسرًا غضبة النبي منه بأنه لا يريد لأحد التفتيش عما في صدور الناس، لأن ذلك هو البداية التكفير. واستعرض خالد قصة إسلام عدي بن حاتم الطائي، هو ابن الزعيم العربي الشهير حاتم الطائي، وكان مسيحيًا، يعتقد أن النبي ملك، وبينما أخذه النبي إلى بيته أوقفته امرأة في الطريق، تسأله شيئًا، فوقف لها: "فقلت هذا ليس ملك، ثم دخل بيته فخلع رداءه وفرشه لي فقلت: الرجل ليس بملك، فقال: أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام؛ تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب. أتعرف الحيرة؟. قلت: لم أرها، وقد سمعت بها، قال: فو الذي نفسي بيده، ليتمن الله هذا الأمر، حتى تخرج المرأة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسر بن هرمز، قلت: كسرى بن هرمز، قال: نعم، كسرى بن هرمز، وليبدلن المال حتى لا يقبله أحد. قال عدي بعد ذلك: فهذه المرأة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسر بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة، لأن رسول الله قد قالها". وأشار إلى أن وفدًا آخر من اليمن من "كندة" قدم المدينة، فلما رآهم قال النبي: يأتيكم أهل اليمن أرق أفئدة.. الإيمان يماني، كان عددهم 80 واحدًا دخلوا المسجد، قابلوا النبي، فقرأ النبي سورة الصافات فبكوا جميعًا، فقالوا وكيف أيضًا نعلم أنك نبي، طلبوا دليلاً كيف نعلم أنك رسول الله؟ فأعطاهم النبي دليلاً روحانيًا إيمانيًا جدًا، فأخذ النبي حصاه من الأرض فسبح الحصى بين يدي النبي فآمنوا جميعًا. وكشف خالد نقلاً عن الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق، أنه في عام 1960 عقد مؤتمر دولي بالأزهر، وكان من بين الحاضرين مفتي المجر إسماعيل إبراهيموفيتش، فلما سئل: كيف دخل الإسلام المجر؟، كانت المفاجأة أنه قال: في عام الوفود، بعد أن ذهب وفد من أجداده إلى الرسول بالمدينة.