كثيرا ما نسمع الحديث عن خصوصية الإسلام المغربي، وتميز نمط التدين المغربي المتسامح والمتقبل للاختلاف والتعدد. ولكننا نصطدم في الواقع بأنماط تدين لا تمت لخصوصيات هذا التدين بصلة، ونتساءل عن كيفية انتشارها وتأثيرها في الوسط المغربي. ومن بين أنماط التدين هاته السلفية في شقها الوهابي، التي تحولت بعد تفجيرات 11 شتنبر 2001 من قضية عقدية لا تعتبر خصوصية البلد وقاطنيه وتاريخه، إلى قضية سياسية تهدد سلامة البلدان والناس بفعل تقديمها شرعية دينية للأعمال الإرهابية حتى حين لا تدعو إليها مباشرة. في الجزء الثاني .. نتتبع كيفية تغلغل نمط التدين السلفي الوهابي في الأوساط المغربية، وتحوله من أقلية عقدية إلى توجه نصوصي يُهيمن على وعي المغاربة ويهدد تدينهم وسلمهم. يرى سعيد شبار، الأستاذ بجامعة بني ملال ورئيس المجلس العلمي بنفس المدينة، أن الدكتور تقي الدين الهلالي هو الذي نهض بمهمة تثبيت أركان السلفية الوهابية في التربة المغربية؛ ف"للشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله دور أساس في نشر الفكر السلفي الوهابي في المغرب، حتى إن البعض يعتبرونه البوابة "الرسمية" لهذا العبور في وقتنا الراهن" ورغم اختلافه مع هذا التوصيف إلا أنه يرى أنه "كان للشيخ الهلالي دور كبير فيما ترك من مصنفات وفيما كون من تلاميذ بعضهم بقي على الخط السلفي العلمي وبعضهم انسلك في التنظيمات الحركية التي ظهرت بداية السبعينات." وكان تقي الدين الهلالي أول مغربي يتقاضى راتبا شهريا قارا من السعودية بهدف القيام بالدعوة داخل المغرب، وكان حاصلا على شهادة الدكتوراه بألمانيا وترجم صحيح البخاري إلى الإنجليزية، وكان في أول الأمر صوفيا تيجانيا ولكنه ترك التيجانية بعد مناظرة مع الشيخ السلفي الوطني محمد بن العربي العلوي. وتلقى الشيخ الهلالي في سنة 1968 دعوة من عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة للعمل أستاذا بالجامعة فقبل، وبقي فيها إلى حدود سنة 1974 التي عاد فيها إلى مدينة مكناس وتفرغ للدعوة. وأطر تقي الدين الهلالي مجموعة من شيوخ السلفية من بينهم محمد بن عبد الرحمن المغراوي ومحمد الفيزازي، وبرزت أولى تفرعات مدرسته "الوهابية المغربية"، حسب الباحث منتصر حمادة، بالدار البيضاء حيث انتقلت المشيخة إلى الشيخ المغراوي، وهنا ظهرت أربع اتجاهات للمدرسة، إحداها دعمت المغراوي ودور القرآن التي أسسها بتمويل خليجي، والاتجاه الثاني رفض الاعتراف بمشيخة المغراوي، والاتجاه الثالث اختلف معه منهجيا وانفصل عنه، والاتجاه الرابع اختلف معه على مستوى التوجه ومن وجوه هذا الاتجاه محمد الفيزازي. ويعلق فريد الأنصاري على هذه المرحلة في كتابه "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية" بقوله "بعد وفاة الدكتور تقي الدين الهلالي -رحمه الله- مباشرة، ظهرت على الساحة المغربية رموز سلفية جديدة (...) خطت لنفسها منهجا جديدا مخالفا في كثير من سماته لمنهج الدكتور تقي الدين" ومع "ازدياد حجم التأثير الخليجي في الفكر السلفي بالمغرب، ظهرت الاتجاهات السلفية في صورتها الأخيرة، التي صارت جزءا من الصورة لا يستهان به، في واقع العمل الإسلامي بالمغرب".