قال، وقد ارتسمت هالة من السكنية على عينيه، فبدا كأنه يلتحم بكلماته: - هذا كيس، وفيه مائة بطاقة مكتوبة، تسع وتسعون عليها حرف "لا"، وواحدة فقط عليها حرف "نعم".. شُوف يا صديقي..انتبه، هذه قصة الحياة! حركت رأسي كالمستاء، وعقبت: - أنتبه..كأنني في فصل دراسي؟!..أُخلص إلى موضوعك ولا تُمطّط.. علت خده ابتسامة لم تنكشف لها الأسنان، وإنما رأيتها في وميض عينيه..ثم قال: - أسألك الآن: لو امتدت يدك إلى الكيس تستخرج بطاقة واحدة، أيُّ حظ – مثلا - أن يكون على البطاقة المأخوذة رسم "نعم"؟. - لا حظوظ تقريبا! - أتعني أنها ستكون محاولة فاشلة؟ - على الأرجح، فأنا أبحث عن "نعم" وحيدة تقبع في الكيس مع 99 "لا".. تطلع إلي كأنه يستحثني على الكلام، فزدت: - ثم إنه محض "حظ" وانتهى النقاش.. وقال وقد تكشفت ابتسامته فرأيت الأسنان هذه المرة واختفى بريق العينين: - لا تعجل يا صديقي، فإن بحثك عن "نعمٍ" وحيدة وسط مئة "لا" يقتضي منك معاودة المحاولة لمرات عديدة وأن تصبر على ذلك حتى... وفي لمح البصر، رأيتني أستخرج من الكيس لاءات تلو لاءات، وأجهد يدي باحثا عن "نعم" فلا أجد لها أثرا، فقاطعته محتدا: - وقد يكون من حظي العاثر أن أجد نَعَمِي المرتجاة في المحاولة المائة. أوليس في الكيس مئة بطاقة؟..أوليس ذلك مضيعة للوقت؟. رد مسرورا: - كلاّ يا صاح..إنه لشيء يدعو إلى البهجة أن تصادفك – خلال البحث – مزيد من اللاءات.. فعقبت ساخرا: - يا سلام..! لي ما عندو زهر في الكبده يلقى العظم!.. هي هذي بالعْربية! وضحك صاحبي حتى بدت نواجذه ثم سرعان ما استعاد نبرته الهادئة، وقال: - تأمل معي..ثلاثة أرباع محاولات الصيد التي يقوم بها الأسد في الغابة هي محاولات فاشلة..ما يعني أن 25 في المائة من محاولات الصيد - فقط- هي التي ينجح فيها. هل سمعت أن أسدا توقف يوما عن الصيد بزعم أن "معدل الإنجاز" أقل من المتوسط؟. - هذه مقنعة، قلت له. - وأخرى..إنك حين تمد يدك إلى الكيس بلاءاته التسع والتسعين ونعمه الوحيدة، فتصادف لا..ألست تزيحها من طريقك؟. - بلى. - وإذا حاولت مرات عديدة..وفيها تجد لاءات كثيرة.. ألا تقترب من "نعم" بقدر ما أزحت من "لا"؟. وهززت رأسي موافقا، فحدثني كالهامس: - إذن، حاول.. !! فكلما حاولتَ نقصتْ أعداد اللاءات التسع والتسعين، واقتربت – بالتالي – من نعمك، أعني من تحقيق هدفك. نظرت إليه في امتنان، فقال: - يا صديقي، كلما فشلت كلما ارتفعت حظوظ نجاحك!