حين يلتقي الفن التشكيلي بالجمال، لا شك في أن جسور التصافح تنحني. الصدف ترتب لأشخاص كثر مفاجآت، وتجعلهم في مواعيد مع حياة نَفَسُها الجمال والحبّ، كما التحدي، وفي أحايين أخرى تجعلهم على موعد مع آخر معاقل الحزن؛ بيد أن الأمر عند يوسف كوراج يختلفُ تماماً، فقد كان على موعد مع حياة فنية، يسودها السلام والودّ، وقمة الفرح في جوهرة البحر الأبيض المتوسط. بيئة فنية قصته مع اللوحة الفنية، وحواره مع الريشة وأشياء يقوم بفرزها وانتقائها كي تكون أداة للرسم، تراكمت جميعها في شخصيته، كي تولد ذلك الحلم الذي كان يرى فيه نفسه، ما همّ باجتياز قنطرة العلم. يوسف كوراج فنان تشكيلي ومصمم ديكور، وهو أيضاً أستاذ للفن التشكيلي بمنطقة بني بوعياش الواقعة بنواحي الحسيمة، رأى النور في مدينة اليوسفية، المدينة الفوسفاطية، وترعرع في بيئة فنية بامتياز، بين فن النقش والنجارة، والزخارف والمزركشات، حتى شبعت عيون طفولته وشربت الكثير من هاته الفنون، فقاسمته البيئة التي عاش فيها روزمانة تفاصيل فنية. توجه كوراج عام 1994 إلى شعبة الفنون التشكيلية، بمدينة الرياح والعرعار، الصويرة أو موكادور، فكان له شرف الالتحاق بأول فوج اُحدث بهاته المدينة، ليتلقى الفن على يد أناس أكفاء في هذا المجال، من طينة الفنان جمالي فريد والمصمم رفيق مصطفى، والفنان عبد الغني أوبلحاج، والفنان فريد التريكي. في أحضان الريف التحق بالمدينة الحمراء، مراكش، للحصول على الأستاذية في الفن التشكيلي، ومما عرف عنه أنه فنان مصمم لا يحب الأضواء، بل يترك للمتلقي للعمل الفني كامل الحرية في قراءة جل إبداعاته، ويدع أفكاره تنوب عنه. "انتقلت للعيش بين أحضان أرض الريف الطيبة، قرابة عقدين من الزمن، وجدت الحب والكرم وقبول الآخر، وجدت هنا الهدوء والراحة النفسية، هي منطقة عذراء، وجدت فيها الاحترام والتقدير. هنا ما زالت صورة الأستاذ تحترم بشكل رائع، الريف بجل ما حباه الله من خيرات، مصدر إلهام في أعمالي" يقول كوراج لجريدة هسبريس بنبرة واثقة. منذ اشتغاله في الريف بمدينة الحسيمة، عمل جاهدا على تأسيس ثقافة فنية لدى الجميع، وعلى نشر وتحبيب كل ما هو جمالي لدى الناشئة. "في الريف نحن في حاجة ماسة إلى دور السينما، إلى أروقة للعروض، وإلى مسارح كبرى. ناشئة هاته المنطقة لم تكن لها الفرصة في تجربة العيش مع الأماكن الجمالية، للأسف"، يقول الفنان التشكيلي ذاته، الذي يضيف: "بصفتي غيورا على كل ما هو جمالي، شاركت في التنقيب على المواهب في إطار المهرجان الأول لجوهرة المتوسط، منتهزا الفرصة لشكر جمعيات الآباء على إخراج هاته النسخة الفنية إلى حيّز الوجود". التجربة بالنسبة إلى يوسف كانت رائعة، خاصة أنه أسهم في اكتشاف مواهب تحتاج التشجيع والمصاحبة والمواكبة والتحفيز، "مواهب أبانت عن علو كعبها، في جل المجالات: التشكيل والمسرح والتجويد، كما الشطرنج". لم تتوجه أنامل يوسف إلى التشكيل فقط؛ بل إنها تصمم أدرعاً تكريمية، ولا يكاد يخلو أي بيت في الريف منها. فحين تكرم الجماعات الترابية أو المؤسسات التعليمية التلاميذ المتوفقين، أو الأطر والموظفين الأكفاء، تجد أدرع التكريم، كلها موقعة ببصمته. "لقد جاءت مرحلة تصميم الأدرع، وكان المهرجان الدولي للسينما بمدينة الخزامى، نقطة الانطلاقة، والشكر الجزيل للمنتجة السنيمائية صوفيا أغيلاس على ثقتها في أناملي، وعلى تشجيع المنتوج الفني المحلي، الشكر الجزيل لمندوب وزارة الثقافة كمال بليمون على دعمه لكل المبادرات الفنية، وكذا لمديرة شباب الريف الحسيمي على دعمها لي في بداية المشوار، كريمة أقوضاض". يقول كوراج. أرني فنّك أعرف حضارتك عن حياة الفنان في المغرب، يعلق كوراج بالقول: "الفنان مهمش ولا يعيش حياة كريمة، أضف إلى ذلك أنه لم يجد الدعم الكافي. هناك غياب رؤية وخارطة طريق للنهوض بهاته الشريحة". "أرني فنك أعرف حضارتك"، شوارعنا، وفضاءاتنا، وبيوتنا، ومدارسنا، تحتاج إلى رؤية فنان. ويعتبر كوراج أن تغييب الفنان في جل هاته المحطات له آثار سلبية على الجيل المقبل. أما عن هدفه الأسمى في المستقبل فهو أن يكون شعار المغرب الإبداع والتميز وطموحه القمة. من مواد بسيطة جداً، يصنع هذا الفنان التشكيلي لوحات رائعة، "في الريف ومع مرور الوقت بدأت تستهويني فكرة الاشتغال على البقايا من المواد، أخص بالذكر مطارح النفايات، وكيفية تحويلها إلى تحف فنية لها قيمة، "بمعنى تحويل القبح إلى جمال". *صحافية متدربة