-1- السؤال الذي يضع نفسه بحدة على الجيل الثقافي بالمغرب الراهن : ما هو الدور المناط حاليا بالمثقف المغربي الذي يعتبر عين المجتمع وضميره، ماذا عليه أن يعمل من أجل التغيير والإصلاح...؟ ماهي رسالته التمدينية إلى الأجيال الصاعدة باعتباره عين العقل، وما هو دوره الأساسي في عقلنة الحياة وعقلنة المجتمع، وبالتالي عقلنة المؤسسات الوطنية التي تدير البلاد والعباد في الفترة الحالكة الحالية...؟. نعم، إن مهمة المثقف المغربي في المغرب الراهن، مهمة صعبة وخطيرة، يلتقي فيها المفكر بالسياسي / الباحث الأكاديمي بالسياسي / الأديب والشاعر والمسرحي والفنان التشكيلي والفنان الموسيقي بالسياسي، وهو ما يتطلب من الثقافة والمثقف أساسا حضاريا وثقافيا وسياسيا جديدا، إضافة إلى الجهد المضني والمثابرة والإبداع...بل يتطلب منه أكثر من ذلك، وأبعد منه إعادة بناء مفاهيمه الثقافية والسياسية والإصلاحية والمستقبلية، على أسس جديدة من المعارف والعلوم الحديثة التي أصبحت تقود العالم إلى الحداثة والعقلانية والعولمة. -2- شهد مجتمعنا في القرن الماضي فترة حالكة ضد الثقافة وقيم المثقفين / ضد أفكارهم الإصلاحية / ضد نضالاتهم السياسية التي كانت تنادي بالعصرنة والتقدمية والحداثة والتحرير وانجاز التقدم وتغيير العبودية ورفض الانصياع لجبروت السلطة الاستعمارية. يشهد تاريخنا الحديث أن الإنجازات الثقافية / السياسية لجيل الاستقلال (علال الفاسي. محمد بلحسن الوزاني. احمد بلافريج. عبد الله كنون. المهدي بن بركة. عبد الخالق الطريس. عزيز الحبابي. عابد الجابري. عبد الهادي بوطالب. محمد الفاسي. المكي الناصري. عبد الكريم غلاب. قاسم الزهيري. علي يعتة. عبد الرحيم بوعبيد. الفقيه محمد الصفار. محمد الرشيد ملين. عبد الهادي الشرايبي .عبد الله ابراهيم . محمد الحبابي . الحبيب الفرقاني . غيرهم كثير...) حققت للمغرب مرحلة جديدة من تاريخه الوطني / أسس هذا الجيل الأحزاب والمنظمات النقابية والقيم الحضارية، وناضل بالقلم والسلاح من أجل الاستقلال والديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون، وحقق بعض أحلامه بإرادة قوية، وترك للأجيال الثقافية الصاعدة تحقيق ما تبقى من الحلم المغربي. لقد عاش المثقفون المغاربة طيلة القرن الماضي، من بدايته إلى نهايته بهذا الحلم رغم عذابات السلطة وأحكامها التي جعلت من أفكار وطروحات ونضالات المثقفين وهما بطقوس السياسة لا مرجعية لها، إلا أن النصر كان حليف الثقافة، رغم أمية السلطة وجبروتها، إذ استطاع الفكر الثقافي تغيير المجتمع ورفع مستوى التحضر وتقليص مستوى الأمية السياسية، ولو أنها لم تستطع تحقيق كل أحلامها بعد إعلان استقلال البلاد، بسبب بعض الأكاديميين ذوي الثقافة المخزنية الموروثة أو المثقفين الذين باعوا ذمتهم ونفذوا إلى مراكز السلطة، ليؤسسوا إمبراطوريات الفساد المتعدد الصفات، التي أصبحت تحاصر كل فكر تقدمي إصلاحي حداثي ضدا في الثقافة وقيمها السياسية الحداثية والإصلاحية. -3- إن الثقافة التي قاومت الفكر الاستعماري، وناضلت من أجل استقلال البلاد، ترى نفسها اليوم بسبب إمبراطوريات الفساد المتحكمة في الأحزاب السياسية، والإدارات الحكومية، وفي المؤسسات الاقتصادية، وفي السياسات الثقافية، أصبحت اليوم تواجه إشكاليات متعددة، تواجه شعب يعاني من الفقر والتهميش والظلم والحيف واليأس والغربة، وهو ما جعل هذه الثقافة تواجه تحديات لا حصر لها، ذلك لأن إمبراطوريات الفساد بهيمنتها الوحشية، أصبحت تلتهم الخيارات الوطنية الممكنة / تلتهم المال العام والكرامة الشخصية / تلتهم الاقتصاد والسياسة، وتتحول إلى منطق طبيعي وموضوعي، لتتحول في نهاية المطاف إلى ثقافة لإنتاج الرداءة من اجل حماية قيمها الفكرية والسياسية. لقد استطاعت الثقافة المغربية في الزمن الراهن، ورغم ما تتمتع به إمبراطوريات الفساد من سلط قوية، إن ثبت رسائلها إلى المجتمع بكل فئاته، وأن تشعره بالأزمة الشاملة والحادة التي يعيشها مغرب الفقراء والطبقات الوسطى / لتشعره بالأزمة التي تمس العمل والصحة والسكن والتعليم وكل جوانب الحياة، والتي حولت حياة المواطنين إلى اغتراب ويأس وصراع ...ونضال. هذه هي الحقيقة العارية المجردة التي أصبح كل المواطنين يعترفون بها ويواجهونها بالرفض، بل استطاعت الثقافة المغربية المؤمنة، أبعد من ذلك أن تتجاوز تحديات إمبراطوريات الفساد وتجعل من التغيير، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية وفي مناهج التعليم ووسائله وفي السياسات الاقتصادية والثقافية ومناهجها، موضوعا أساسيا للنضال السياسي في المغرب الحديث. إن ما يحدث اليوم في المؤسسات والأحزاب وهياكل الحكومة من خلخلة وتغيير ومواجهات وصراعات، هو بفعل النضال الثقافي الذي يقوده جبل المثقفين الشباب في عهد الاستقلال / الجيل الذي يستوعب مئات المثقفين، شعراء وفنانين وروائيين وكتاب وإعلاميين وباحثين أكاديميين متخصصين، الذين أصبحوا يقودون بهدوء وإيمان معركتهم ضد الفساد والفقر والتهميش، والذين حولوا الحقل السياسي رغما عنه إلى حقل مبتوت بألغام الصراع والجدالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من اجل تحقيق أهدافهم بثقة و نفس وبانفتاح على القيم الحقة، ذلك لأن الدور المناط اليوم بالجيل الجديد ممن المثقفين، يتطلب الانخراط بقوة في العمل السياسي / النقابي / الحقوقي، من أجل طرد إمبراطوريات الفساد، وإيقاف أنشطتها الهدامة، وتنقية الفضاءات الوطنية من ميكروباتها القاتلة، بهدف بناء مرحبة جديدة من تاريخ المغرب الحديث. أفلا تنظرون...؟