مَنْ يقرأ، أو يَتَصَفَّح الأوراق التي انْهَالَتْ بها الأحزاب السِّياسِيَّة على المُواطِنين، أو كانت تُلْقِي بِها في الرِّيح، كمناشير مُهَرَّبَةٍ، دون أن تَشْرَحَ، أو تُناقِشَ، أو تحرِص على توضيح بعض ما هو مكتوبٌ فيها، دون الحديث عن الاحتقار الكبير لِلُّغَةِ العربية، باستعمال الدَّارِجَة مكانَها، سيَجِدُ نفسَه أمام كَلامٍ عامٍّ، سَطْحِيٍّ ومُبْتَذَل، هو نفس ما سَمِعْناه، وقرأْناه، بنوعٍ من الاسْتِنْساخِ، والتِّكرار المُمِلّ، في انْتِخاباتٍ سابقة. لا حِزْبَ انْفَرَدَ عن غيره بخصوصياتٍ ما، اليَسَارُ في ذلك، مثل اليمين، ما جَعَلَ البَقَرُ يَتَشَابَهُ عَلَيْنَا، كما جاء في الآية. تَسْيير الجماعَاتِ والمُدُنِ، أو الجِهاتِ، وفق النِّظام الانتخابي الجديد، يفرض على الأحزاب المُتَنافِسَة أن تَهْتَم بتدبير «المَدينة»، بِكُلِّ ما يفرضُه هذا التَّدْبير من اهتمامٍ بالفضاءات العامَّة، وإصلاح الطُّرُق، وتوفير المُتَنَزَّهَات، والبنيات الثَّقافية والفنية التي هي الوجْه المُتَمَدِّن لِمَعْنَى «المدينة». فلا معنى لهذا الوجْه، دون إنارة، ودون نظافَةٍ، وحدائق تسمح باستجمام النَّاس، وخُرُوجهم من حياة الحِيطان، وتَعَبِ العمل والحياة اليومية، وغيرها مِمَّا باتَ معروفاً، في تنظيم وتَهْيِئَة المُدُن الحديثة. فحين تَخْلُو البرامج الحزبية، مثلاً، من المعنَى الثَّقافي، بمفهومه الواسع، وبما يعنيه من اهتمام بالعَقْل وبالخيال، وبمختلف التَّعبيرات الفنية التي هي بين مُقَدِّراتِ الشُّعوب، وتراثها الرَّمْزي، فهذا معْناه، أنَّ الإنْسَانَ هو الغَائِب الأكْبَر في هذه البرامِج. فآخِر ما كانت الجماعات المَحَلِّيَة، وحتى القروية، وعمديات المُدُن، تُفَكِّر فيه، هو الثَّقافة، وحتَّى حين كانتْ بعض الجماعات، أو بعض المُدُن تُنَظِّم «مهرجانات»، أو «مواسِم»، تُسَمِّيها ثقافيةً، تَجاوُزاً، فهي لَم تَكُن تُعْنَى، سوى بإطارها الفُلكلوي الفُرْجَوِيّ الجماهيري، في ما يبقى المَعْنَى الثقافيّ مُؤَجَّلاً، أو مُلْغى، بدعوى أنَّ الثَّقافة لا تَجلُبُ جمهوراً! في هذا الفَهْم الحِزبِيّ المغلوط، وفي هذا النَّوْع من التَّجَاهُل لِدَوْر الثَّقافة في تأطير، وفي تكوين الإنسان، وفي حمايتِه من شَرِّ نفسِه، بما يمكن أن يؤول إليه من تَطَرُّف، ورَغْبَةٍ في الانتحار، أو الانْفَجار في وجْه غيره، ممن يعتبرُهُم مارقِين، مثلاً، أليس من المعقول أن يَكُون المُثقَّف، هو أوَّل الغاضِبين، ممن ستبدو لهُم الانتخابات، مهما كانتْ قيمتُها وخُطورَتُها، هي نوعٌ من العَبث، أو أنَّها لن تُفْضِي لشيء، ما دامتِ «المدينة»، وما دام الإنسان في قلب هذه المدينة، هُما الغَائب الأكبر؟. فَتَرْييف المُدُن، والتَّوَتُّرات الحاصلة بين النَّاس، في الفضاءات العامة، وفي الطُّرُقات، والسلوكات الشَّاذَّة التي تنفجر بين الفينة والأخرى، على مرأًى ومَسْمَع من الناس، وانْتِفاء قِيَم التَّسَامُح، والمُصالَحَة، والتَّواضُع، وتَقَاسُم الفضاءات المُشْتَرَكَة، هو حصيلة التَّدْبير الثَّقافي السَّيِّء، الذي أفْضَى بالمثقفين، والكُتَّاب، والفنانين…، أن يبقَوْا خارج كُل ما يجري، ولا أحَدَ بادَر لاسْتِدْراجِهِم، أو الإنْصات إليهم، في وضع ما يمكن اعتباره مُقْترحاتٍ وأفكارَ، ورُبَّما برامج، في تدبير «المدينة». فهل صَمْت المثقفين، وَتَوارِيهِم عن المشهد الانتخابي الأخير، وفق هذا المعنى، هو عُزُوف عن الانتخابات، أو احتجاج على تَغْييبِ الثَّقافة، هذا الدَّمُ الذي بدونه يبقى الجِسْم عديم الحَركَة والحيوية، أو سيكون بمثابة جِسْم يتحرَّك بعكاكيز، ولا إرادةَ له على نفسه، لأنَّه جِسْمٌ في آلَةٍ، لا غير؟.
المثقف القَلِق، المُتسائِل محمد بودويك إذا كان الحزب في تعريف غرامشي، هو المثقف الجماعي، فإن هذا المثقف الجماعي قد أخفق إخفاقا ذريعا ومشهودا في إدارة الفكر، وتعريف الفعل، وبلورة موقف من الدولة والناس والمجتمع. لكن، ماذا عن المثقف المتحرر من ربقة الصوت الواحد، ونير الأيديولوجية النمطية المكرورة، الذي أدار له الحزب الظهر، وأبعده إبعادا حتى لا يتدخل في أموره النفعية المباشرة والطوعية، وفلسفته البراغماتية، ورؤيته «الاستراتيجية»!. ماذا كان رد فعل المثقف بما هو فرد ومستقل، وذو إرادة حرة، وعقل تحليلي ناقد، وضمير حي يقظ، يحمل قيما مجتمعية، وتصورا اجتهاديا مسنودا بالواقع والكتاب، ورؤية لإخراج أشباهه، ومواطنيه من «الظلام» إلى النور؟. لم يكن رده أكثر من انزوائه إلى ركن نفسه، وانطوائه على صمته، معتبرا أن الموقف – الصفر، والحياد، هو الموقف الأفصح و»المنطقي» في شروط، وإكراهات لا قِبَلَ له بمصارعتها أو مُطَارحتها في الأقل، علما أن الحياد في السياقات التاريخية، والسياسية، يخدم أدوارا لاتَنِي الدولة والطبقات المستفيدة، تلهج بها لِجهة جلب السلم الاجتماعي، والاستقرار السياسي المطلوب والمرغوب حتى لا تكون فتنة، وتذهب ريح الجميع !. إن الدولة كمُمَارِسَةٍ للعنف المشروع بِحُسْبان التعاقد الاجتماعي، والتواصي بإقرار السلم، وضمان السير العادي للمؤسسات والدواليب، في مقابل تلبية حاجات ورغبات المتعاقدين، والحزب السياسي بما هو كما أسلفنا- مثقف جماعي- يجهد في تكريس برنامجه الفكري، والاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، ومنظوره إلى الدولة، والهيئات السياسية الأخرى التي تحمل مشروعا مجتمعيا بدورها، هُمَا من يتحكم في مقاليد تصريف الشأن العام، وتدبير انتظارات المواطنين، في تبادل للأدوار وتكامل وفقا لميزان القوى، وتبعا للتجاذبات السياسية، والتقاطب الأيديولوجي والاقتصادي، وفي هذا ما يقود إلى القول بأن وظيفة المثقف إذا كان حقا يحمل جمرة مُلْتَهِبَة في قلبه وَحُرقة في لسانه، تكمن بالأساس في طرح السؤال تِلْو السؤال على الدولة والتنظيم الحزبي، والمجتمع، ما يعني التصدي المدروس، والمبني على التحليل الملموس للواقع الملموس لهما معا بالنقد البناء، والتحليل الخلاق، والاعتراض البديل. هكذا كان مثقفو الأمس، ومفكروه الذين بَصَمُوا زمنيتهم بما صار باديا للعيان من فكر حر تغلغل في أوساط فئات عريقة من المناضلين والطلبة والعمال، حيث شكل مجتمعا ديموقراطيا قوامه حمل الدولة على توزيع الثروة الوطنية لفائدة كل فئات المجتمع على رغم ما اعترى التوزيع من محسوبية، وريع اقتصادي، وحملها على احترام الحريات ولو بمقدار في ظرفية تاريخية موسومة بشراسة الدكتاتوريات، وموشومة بالنضال الطبقي، وحركات التحرر هنا وهناك. وهذا يعني، من جهة أخرى، أن التنظيمات التي يعمل فيها هؤلاء المثقفون «تُحَتِّمُ» عليهم أن يتقدموها بالكشف عن عوائق التغيير والتحديث، واستزراع الديمقراطية. غير أن ما حدث ويحدث هو العكس تماما، إذ أن التوجه الحزبي الإيديولوجي المغلق في كثير من الأحيان، يَلْتَفُّ على الأصوات الثقافية المنتقدة والخلاقة باستبعادها وبإبعادها عن الأجهزة المسيرة المسؤولة، أو باحتوائها، أو بالعمل على تحييدها، ولنا في ما صار إليه حزب الاتحاد الاشتراكي، المثل الواضح والساطع، وفي وسعنا أن نذكر أسماء لمثقفين وازنين لولا أن المقام لا يسمح بذلك، فهؤلاء وغيرهم في تنظيمات حزبية أخرى، أدركوا بِفَرَاسَتِهم أن السياسة «المخدومة» تأكلهم، وتُطفِئُ فيهم جذوة الرأي المختلف، وحرية التعبير، وأهمية السؤال والحساب. لقد شهد المجتمع المغربي، في الفترة الأخيرة، قضايا، ومشاكل شائكة دينية وسياسية، وثقافية، واجتماعية وفنية، قال فيها وزراء الأحزاب ما قالوا، وأدلى بعض الفقهاء «الدعاة» بدلائهم فيها، بينما سكت «المثقفون» سكوتا مريبا لم ينْبِسوا ببنت شفة في أمور هي من صميم الثقافة، ومن صميم دور المثقف العضوي الحر الديمقراطي. ثم عرفنا انتخابات محلية وجهوية، تصدر نتائجها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، حيث حصد الأصوات، واكتسح المدن في حين انزوت الأحزاب التاريخية إلى الركن، منكسة الرأس، حافية عارية خاوية الوفاض، ولم يسأل أحد نفسه ما السر في هذا «النجاح» الإسلاموي، والاكتساح «الرَّباني»، علما أن الجواب جاهز وَناطق يتمثل في العزوف عن التصويت، والركون في المقاهي، و«الأبراج»، بعيدا عن «صداع» الرأس، ويتمثل ثانيا في نشر الإشاعة حول الأحزاب الوطنية، ورميها، أحيانا، بما ليس فيها، وتحريض الناس على وجوب عقابها، ثم أخيرا، في تقاعس الأحزاب الديمقراطية نفسها عن خوض المعركة السياسية الانتخابية بما يليق بحزب يسمى «المثقف الجماعي»، لكن أَنَّى له ذلك، وهو مَهِيضُ الجناح، معطوبٌ تنظيميًا، ومعطل فكريا وثقافيا. إن تراجع «الحداثة»، والديموقراطية وانحسارهما، مَرَدُّه – تَعْيِيناً- إلى المثقفين الذين استمرؤوا ما هم فيه وعليه مِنْ دَعَةٍ، وأكل طعامٍ، وَمَشْيٍ في الأسواق. على أنه ينبغي أن يفْهمَ أننا لا نتحدث عن «مثقفي المنفى الداخلي» بتعبير أَدُورْنُو، ولا عن «الخطَّافين» بتعبير طه حسين، أي أولئك الذين يملؤون الإعلام العام ضجيجا وعجيجا، الذين يتكلمون في كل شيء دون أن يقولوا شيئا.
المثقف بين المسؤولية والحياد ثريا ماجدولين رغم أن الانتخابات من أهم النّظُم الديمقراطية في العصر الحديث، إلا أن ما يَسِمُ المشهد السياسي الحالي من ارتباك، وما يعمّه من أمراض مجتمعية مستعصية، كالأمية والرشوة والانتهازية، يستوجب ضرورة استعادة المثقف لدوره ووظيفته الأولى المتمثلة في تأهيل المشهد السياسي. فالمثقفون والمفكرون والفاعلون الحقوقيون، قادرون، إذا كان انخراطهم متواصلا، على رفع مستوى الوعي المجتمعي، ونشر الفكر التنويري لمواجهة التطرف والإرهاب، وتحويل خطابات الكراهية والحقد والتعصب، الناجمة في غالبيتها عن الجهل والمتح من ثقافة أحادية، إلى خطاب إنساني كوني يعلي من قيمة المواطن ويسهم في إحساسه بقيمة المواطنة، وبالتالي يجعله مستعدا للمشاركة عبر صلابة الانتماء في اختيار الأفضل لوطنه من بين السياسيين المتبارين على مصالحه. هذا الدور هو الكفيل أيضا بإعادة الاعتبار للمثقف داخل المجتمع، إذ هناك علاقة جدلية بين ما يقدمه المثقف لبلده ومجتمعه، وما يتلقاه من اعتبار داخل هذا الوطن. رغم أن الأحزاب والدولة ساهمتا معا في عزل المثقف من خلال تهميشه، والنتيجة مجتمع عاجز عن الإصلاح، وهذا ما عطّل ويعطل عجلة التنمية. وأعتقد أنه قد حان الوقت كي تفهم الدولة والأحزاب السياسية أهمية ودور المثقف في تحصين المجتمع وبلورة القيم التي تجعل منه مجتمعا مستعدا للتطور. وأن تسعى الأحزاب إلى إعلاء مكانة المثقف والاستفادة من اجتهاده وقدرته على التوعية السياسية الكفيلة بإزالة الشوائب من المجتمع، وإعادة التوازن المفقود إلى الحقل السياسي. لا بد إذن من انخراط حقيقي وعمل متواصل للمثقف في كل القضايا التي تهم المواطنين، وعلى رأسها القضايا السياسية، لأنها هي التي تحدد مصيره ومساره. ولأن المثقف المنخرط في قضايا مجتمعه هو صوت العدالة الاجتماعية والحرية وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة، عكس المثقف المكتفي بالنظر في «وجهه العزيز»، والبحث عن زيادة رصيده الأدبي… دور المثقف الآن يتجلى في أخذ زمام المبادرة لتقويم وإصلاح ما فشلت فيه السياسة، أو على الأقل، مساندة القوى التقدمية الرامية إلى بناء الدولة الديمقراطية القائمة على احترام الحريات العامة والخاصة.. وحده هذا الانخراط الفعلي قادر على مواجهة النزعة الرجعية في السياسة وفي المجال المجتمعي. المغرب الآن يشهد العديد من الاختلالات المجتمعية، من أبرزها: التمايز الاجتماعي الحاد وتلاشي الطبقة المتوسطة، والمثقف مسؤول قبل غيره لإيجاد مقترحات ملائمة للإشكالات المطروحة، ومحاولة تصويب المسار وتقويم الممارسات. لكن، من هو المثقف الذي يسعى لتحقيق هذا التغيير؟ وهل تتوفر لديه القدرة الكافية لمحاربة القوى الخفية المقاومة للتغيير ؟.. المثقف الذي نقصده ليس ذاك الذي يكتفي بحمل ثقافة عامة ومعرفة شاملة.. بل هو ذاك الذي يقوم بدور تنويري مدافع عن القيم الإنسانية العليا، مبديا جرأته واستعداده لتغيير الأوضاع الفاسدة ولرفض كل أشكال الاستبداد، هو الذي تقوده قناعاته الفكرية وليس مصلحته الشخصية… وهو أيضا المثقف النزيه الذي يُسخِّر ما اكتسبه من معرفة وثقافة في سبيل تخليق الحياة العامة وتحريرها من المصالح السياسية الضيقة. فحين تستفيق النخبة من سُباتها وتدرك أن الثقافة والعلوم، إذا لم تُسخّرا من أجل الأوطان فإن وجودها لا يكون له معنى..لا بد من توسيع جبهة المثقفين الحداثيين والديمقراطيين الذين يؤمنون بالاختلاف والتعددية، لممارسة مسؤوليتهم الثقافية تجاه الأجيال، والقيام بدورهم الإيجابي في توعية النّاخبين، من أجل اختيار الأصلح والأنسب من بين المرشّحين للانتخابات. وما من شك في أن للمثقف دورا فعّالا في هذه الظرفية الحساسة التي تمرّ بها البلاد، لكشف الثغرات والاختلالات التي تُضعف المجتمع، ومضاعفة التعبئة والتوعية في فترة الانتخابات، حيث فقدت اللغة مداليلها الصادقة وأضحت مجرة وسيلة لبيع الأوهام.. فالمثقف هنا لا ينبغي أن يكون محايدا.. باعتباره الضامن الأول لانتشار القيم العليا والتي وحدها تساهم في تثبيت الإصلاح.
تحرُّر المثقف من الحزب حميد المصباحي بعد تجربة التناوب، والتي اعتبرت حكومتها اشتراكية، وقع في المرحلة الأولى تباعد بين المثقفين والأحزاب السياسية التقدمية، حتى تلك التي لم تكن مشاركة في الحكومة، وربما ليست لها تمثيلية داخل البرلمان، ليتحول هذا التباعد إلى صراع، انتهى فيما بعد إلى ما سمي بالعزوف عن السياسة، فهل كان هذا تعبيراً عن عجز المثقف عن فرض وجوده على السياسيين، أم كان إقصاء لهم من طرف هؤلاء الذين لا يقبلون بالمثقف اليقظ، الرافض للتبعية، باسم الضرورات السياسية والحزبية؟؟ 1 – السياسة الحزبية والاحتواء ينبغي تصحيح فكرة العزوف السياسي للمثقف المغربي، فهو حاضر فيها، ولو من منطلق انتمائه لسياسة ثقافية محددة، تلك التي ترغمه، عقلانيا، على الدفاع عن نظرته لطبيعة الخدمات، التي على الدولة تقديمها للثقافة والمثقفين، وإلا صارت الدولة فاقدة لمشروع تؤطر به وجودها، وتطوره، وبذلك، فإن العزوف لم يكن إلا نتيجة لعدم قبول السياسيين الحزبيين، للمثقف كمشاغب فكري، وإبداعي، لا يقبل بأي سلطة عدا سلطة العقل. وبذلك فقد نجحت القوى السياسية التاريخية باحتواء الكثير من المثقفين المغاربة، وصاروا ساسة، بل منهم من تحمل مسؤوليات حكومية، ونسي بعدها، أو عاد لحقل الثقافة آسِفاً، بعدما أدرك مكر الساسة، وخبر رهاناتهم الهادفة للتخلص من المثقفين الرافضين للاحتواء السياسي الحزبي التَّام لهم. 2 – المثقف الرافض هو ذاك الذي عاش أوج المواجهات دفاعا عن انتمائه السياسي لحزبه، أيام كانت الأحزاب تحتاج لإيديولوجية المواجهة، والتي كان المثقف، فيها، بمثابة المنتج لها، والموجه لثقافة رفض التخريف والتقليدانية في كل صورها الثقافية المغلفة، بما عرف بالأصالة ومدبجات الدفاع عنها دينيا وعقائدياً. هذا النمط من المثقفين، تراجع بعد صراعات مريرة مع السياسيين، بل منهم من أُقْصِيَ من القيادة، وأبعد، وتَمَّ التَّحامُل عليه، وعلى منتوجاته الفكرية والإبداعية، بغية إحباطه، بل منهم من حُوصِرَتْ كتاباته، حتى على مستوى الإعلام المكتوب، فوجد نفسه مضطرا، إما للكتابة على صفحات الجرائد المستقلة، أو تجنب الخوض فيما هو حزبي، لكنه حافظ على وجوده الثقافي، وأغناه، بالاشتغال ثقافيا، وفكريا، من خلال المجتمع المدني، والجمعيات المهتمة بالتنشيط الفكري، والأدبي، وأيضا في مجال النشر. 3 – المثقف المغربي ورهان التغيير بعد أن استكملت القوى السياسية دورتها لما يزيد عن عقد من الزمن، هل أدركت ضرورة المثقف في مواجهتها لدعاة التقليد؟ هل يقبل المثقف المغربي العودة إلى صفوفها انتصارا لقيم الحرية والعدالة التي طالما دافع عنها؟. يبدو حتى بعد الانتصار الكاسح لقوى التقليد بالمغرب، أن أحزاب التحديث وقياداتها، لم تستوعب بعد أهمية المثقفين، وضرورة العودة إليهم في هذه المعارك المصيرية، وأنهم إن فقدوا هذه الصفة وتحولوا، إرضاءً لغرور الساسة، إلى سياسيين حزبيين، فلن يضيفوا شيئا، بل إنني أذهب أبعد من ذلك للمجازفة بالقول، إن المثقف المغربي باعتزاله للفعل السياسي الحزبي، استياء لا اختيارا، صار أكثر فعالية في الإبداع والفكر، واستطاع تحقيق حركية ثقافية، أرغمت أعداء الثقافة من الحزبيين، خصوصا القادة على النزول للأنشطة والحضور إلى أماكنها العامة. حقيقة، رغم ما بذله المثقفون من مجهودات بعيداً عن السياسة، تظل غير كافية، بحكم حاجة المثقف لمن يُفَعِّل رؤاه، ويدافع عنها بمؤسسات، قصد تقوية الفكرة وتجسيدها، بما يحقق الحرية، وحتى المصالح الحيوية للمواطنين، ويحفظ حقهم في الكرامة والمتعة الفنية والمعرفية، لتتسع دائرة الفعل وتصمد في وجه التخلف، والمحافظة بكل أشكالها.
تهميش السِّياسِيّ لِلْمُثقَّف حسن إغلان يبدو أنَّ الأسئلة، التي يطرحها هذا الملف، هي مجموع الأسئلة التي أفرزها اليوم الراهن المغربي، ليس فقط في هذه اللحظة، بل منذ بداية ما يسُمِّىَ بالتناوُب التوافقي، برئاسة عبد الرحمن اليوسفي. إلا أنها أسئلة ظلت تنكمش على نفسها لتختفي بالمرة، وإظهارها، اليوم، للعموم، هو نوع من الفوضى التي قد يَسْتَشْعِرُها بها البعض، لأنَّ هذه الأسئلة، عند بعض المثقفين المغاربة، مع الأسف، تمَّ السِّكوت عنها، وطَمْرُها بالمرَّة. فلم نعد نجد من يسعى للإجابة عنها، أو الخوض فيها، أو مُشاكستها، أو الدخول في تَماسٍّ معها. كما يبدو من جهة ثانية، أن الموضوعات التي كُنَّا نكتوي بنارها، في أواخر سنوات السبعينيات، خصوصاً ما سُمِّيَ بالمسلسل الديمقراطي، كانت موضوعات ترتبط بالسؤال حول المثقف العضوي، والالتزام السياسي، وعلاقة السياسي بالثقافي وغير ذلك، لكن في ما بعد الحرب الثانية للخليج، وظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، أضحى المثقف قاب قوسين أو أدنى، بمعنى لم تعد له نفس المكانة التي كانت له في السابق، ليس فقط المثقف، بل أيضاَ السياسي، وهذا يُحيلنا كذلك على نهاية الحلم، أو ما يشير إلى الانتهاء من كل الأحلام التي عشنا عليها، ورتَقَت خيالاتنا، من قبيل الثورة، والتغيير، والارتباط بالجماهير الشعبية، وحدود العلاقة بين السياسي والثقافي، واستقلال المثقف، والمثقف العضوي، وغير ذلك من المفاهيم والموضوعات الشائكة. فنظام العولمة هذا، ترسخ عندنا بطريقة فجة، وحكم علينا باعتبار ما سَنَّاه بالنهايات، مثل نهاية التاريخ، نهاية الفلسفة، ونهاية المثقف، وكأنه حقيقة نهائية. حين كنتُ أتأمل ما يجري في الحملات الانتخابية الأخيرة، لاحظتُ أنها لا زالت تجري بطريقة قديمة جداً، ولم تعد تستقطب أيّاً كان، لكن نتائج هذه الانتخابات، كانت مُوجبَة، وكانت ضرورة لِما كان في السابق. وفي هذا السياق، أنا أتساءل، هل المثقف مدعو، اليوم، إلى العودة لدوره الذي كان يقوم به من قبل، أم هو اليوم اعتزل كلية المجال العمومي، وأصبح قابعاً في غرفة الانتظارات، ينتظر الشيء المؤجَّل عنده، حتى يتحصَّل عليه، سواء كان مفيداً لواقعه، أو كان مصلحةً خاصة ينتظره، ضمن مصالح أخرى؟ كما أجد نفسي مدعواً للتساؤل، في السياق نفسه، بصدد ما يتعرض له المثقف الملتزم بقضاياه، من تهميش، من قِبَل رجل السياسة، هل هذا السياسي يخاف على وضعه، سواء كان وضعاً غَبِيّاً، أو غوغائياً، من أسئلة المثقف، ومن طبيعة دوره الذي يفرض عليه أن ينتقد، ويُسائل لا يتبع، ويخضع ويُهادِن؟ فهذا قد يكون المدخل لِما نحن فيه في علاقة المثقف بالسِّياسي، وبما يجري في الفضاء العام.
لايَنْبَغِي أن نَضَع السِّياسَة في جِهَة، والثَّقافة في جِهَة أُخرى محمد وقيدي أريدُ هُنا أن أُؤكِّدُ على الانتخابات، باعتبارها مقدمةً، أو مدخلاً للديمقراطية، كما يقول روسو، بغض النظر عن دور المثقف فيها، كيفما كان هذا الدَّوْر، رغم أنَّ المثقف، كان دائماً، موجودا وحاضراً في الانتخابات. فأنا سأتحدث انطلاقاً من الفلسفة الحديثة، التي كانت تَخُوض في الديمقراطية الحديثة بحثاً، طبعاً، عن الإرهاصات القديمة التي يمكن أن تكون الديمقراطية اليونانية القديمة أبرزها. انطلاقاً من روسو، بصفة خاصة، فهو، حين تحدَّث عن الانتخابات، اعتبر أنَّ الديمقراطية تبدأ بالانتخابات، وبما أنَّ شرط الانتخابات هو ما يضمن الديمقراطية، فإنَّ هذه الانتخابات نفسها، يمكن أن تُنْهِي هذه الديمقراطية، إذا لم تَتِمّ في شروط جَيِّدَة، لأنَّه في مثل هذه الحالة، لن تكون مدخلاً للديمقراطية، بل إنْهاءً لها، أو إجْهازاً عليها. فأنا تابَعْتُ الانتخابات الأخيرة، رغم أنَّنِي لم أكن مشاركاً فيها، نظراً لظروفي الصحية، كنتُ، دائماً حاضراً ومُشاركاً، ولم أكن عازفاً، أبداً. ما لاحَظَتْهُ أنَّ الانتخابات الأخيرة، تَمَيَّزَت بشيئيْن، أولاً، أنَّ الأحزاب تنافَسَتْ في ما بينها حول المقاعد، ولكنها لم تتنازع حول الانتخابات نفسِها، حيث إنّ جميع الأحزاب المُشارِكَة، قَبِلَت نتائج هذه الانتخابات، وهذا شيء إيجابي ومُهِمّ، وهذا مدخل للديمقراطية كما قلتُ، والملاحظة الثانية التي قَلَّما انْتُبِهَ إليها، كنتُ انتبهْتُ إليها من قبل، وأيضاً تحدثْتُ عنها، هي الجهوية، فالجهوية هي، أيضاً، مدخل للديمقراطية على صعيد الجهة، فما علينا ألا أن نُشَجِّع هذا الاتجاه الذي سارت فيه هذه الانتخابات، لأنَّ هذا هو ما يمكنه أن يقودنا إلى ما هو أحسن، خاصة أنني ألاحظ أنَّ بلادنا تسير إلى الأمام، رغم أنَّ فيها صراعات، إذا لم يَتِمّ تدبيرها لصالح المنحى الديمقراطي، فهي قد تُفْرغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي. كما أنَّنِي لا أتصوَّر أنَّ المثقف كان بعيداً عن الانتخابات، فهو كان حاضرا، وموجودا، بل رأيتُ كثيراً من المثقفين، كتبوا عن الانتخابات، وناقشُوها، وتحدَّثُوا عنها، وهم يتميّزون بطبيعة الحقول التي يشتغلون فيها، من علوم اقتصادية، وعلوم سياسية، وكتاب في مجال الفلسفة والفكر، ومِنْ هؤلاء من ترشَّح في هذه الانتخابات، لأنه لا ينبغي أن نضع السياسة في جهة والثقافة في جهة أخرى. داخل الأحزاب، نفسها، نجد مثقفين، وهؤلاء كان لهم دور في الانتخابات. فاليوم نجد تنوُّعاً في شريحة المثقفين الذين كانوا مشاركين، وهم من المهندسين، والأطباء، ومن الأساتذة الجامعيين وهُم شباب، في غالبيتهم، أي في سن أقل مما كان من قبل، وهذا بدوره مؤشِّر إيجابي.
سبيلا: العديد من المثقفين يعيشون حالة صدمة أو حالة مراجعة للذات نتيجة خيبة الأمل في العديد من التجارب السياسية قال ل«المساء» : تدهور الثقافة السياسية هو نتيجة لتدهور النقاش السياسي حاوره – صلاح بوسريف – أريد أن أبدأ معك هذا الحوار بسؤال، أعتبره مُهِمّاً، اليوم، خصوصاً في سياق وَضْعِنا المغربي الرَّاهِن، وهو سؤال المدينة، وخُصوصاً مفهوم المدينة، في معناه الثَّقافيّ، وأيضاً في بُعْدَيْه السِّياسي والاجتماعي، هل تعتقد أننا اليوم، يمكن أن نتحدَّث عن المدينة، بهذه المعاني التي تعود بنا، في أصلها، إلى الإغريق، وإلى ما حدث من تطَوُّراتٍ في الحضارات، أو المَدَنِيَّات الحديثة؟ تاريخياً، لعبتْ المدن دوراً كبيراً على كافة مستويات بناء المجتمع، وأساساً في المجال الثَّقافي. أستطيع أن أقول، نحن في المغرب، لم نبلُغ هذه الذِّرْوَة، أو هذه المكانة التي لعبتها المدن الكبرى في التاريخ، حيث كانت هذه المدن، تصنع النُّخْبَةَ الحديثة، وتصنع الثَّقافَة الحديثة. كانت المدينة مُخْتَبراً مُتقدِّماً، وقيادياً، في صناعة العديد من النُّخَب، والعديد من الإبداعات والابتكارات. نحن، ربما، منذ الاستقلال، بدأ، عندنا، نوع من التحوُّل العنيف والسَّريع، تَمَثَّلَ في الانتقال من البادية إلى المدينة بوتائر كبيرة، مما جعل المدينة تتخلَّى عن وتيرة سيرها التقليدية، المُعتادَة، التي هي اسْتِدْماج النُّخَب، وصناعتُها بالتَّدْرِيج، وبناء مستويات من التَّمَدُّن بشكل مُتَدَرِّج، لماذا، لأنَّه وقع ازْدِحام واخْتِلاط سريعيْن، نتيجةَ هذا الانتقال الذي حدث من البادية إلى المدينة. في المغرب، في بداية الاستقلال، كان أغلب السُّكان من العالم القروي، اليوم، وصلنا إلى انقلاب العلاقة بين البادية والمدينة. لهذه الظاهرة السوسيولوجية، العميقة، والبعيدة، نتائج، ولَها آثار في كافَّة المجالاتِ. مثلاً في المجال السياسي، كثيراً ما يُرْجِع بعض المُحَلِّلِين السوسيولوجيين، هذه الظواهر السياسية، التي يمكن أن نقول عنها شاذَّة، أو غريبة، إلى جذورها السوسيولوجية، أي إلى هذا التَّحوُّل الذي وقع في بنية المدينة، وفي معمارها البشري، وهو ما باتَ يُعْرَف بِتَرْييِف المدينة. هذه، إذن، مرحلة انتقالية، وهي مرحلة انتقالية سَتَطُول، لأنَّ المدينة، يتعيَّن أن يتوفَّر لها وقت، لِهَضْم، ولاسْتِدْماجِ الفئات الجديدة، وترويضها على فضاء المدينة، وعلى طبيعتها الثقافية والحضارية، لذلك، وتيرة اسْتِدْماج المدينة للمُعطيات البشرية الجديدة، وفرز نُخَب جديدة بقواعد مدنية، أو في سياق ما يُسَمَّى اليوم، بالتنظيم الحضري، ويتضمَّن تخطيط المدن، وخلق فضاءات اللَّهْو، وفضاءات الثقافة، وتنظيم الوقت، أي اكتساب درجة أكبر من العقلانية. – ما تقوله عن الفضاءات، وعن التنظيم، مُهِمّ، وأساسِيّ في تَشْيِيداتِ المدينة، لكن، أنا، هنا، سأذْهَب معك إلى مفهوم، ووجُود، وربما دور الإنسان في المدينة. فيما يتعلَّق بالإنسان داخل المدينة، يبدو أنه حصل نوع من الاصطدام، والازدحام، مما خلق نوعاً من العُنْف. تَكاثُر السُّكان في المدينة بشكل فُجائيّ وسريع، أدَّى إلى صراعات زائدة عن الحَدّ، وأصبحت الحياة أكثر عُسْراً، وأصبح معنى الحياة هو الصِّراع، واكْتَسَب النَّجاح، صفة العَسْف، ووضع الرِّجْل على جُثَّة الآخر، كي تنتصر في أي ميدان من الميادين، يجب أن تَسْحَقَ الآخَر، لم نعُد أمام صراع مُنَظَّم، قائم على التَّنافُس، والتَّرَقِّي الاجتماعي التدريجي، بل أصبحنا أمام ما يُسَمّيه أحد الفلاسفة الفرنسيين، Une lutte à mort أي صراع مُمِيت، بمعنى أنَّ نتيجة هذا الصِّراع، هي قَتْل الآخر، والإجهاز عليه. ولذلك، كل مظاهر العُنف التي نُشاهِدُها اليوم في المدينة، هي ناتِجَة عن هذا الاكتظاظ المُفاجِئ والسريع الذي حدث في مدننا، والذي، أرْبَك كل الخُطَط، الخطط السياسية، الخطط الحزبية، وخُطط الدولة، ولم يعُدْ أي أحد من هذه القيادات، وهذه النُّخَب، قادِراً على تنظيم الحياة بشكل عادٍ. بل أصبح العُنف، والتَّقاتُل على كافَّة المستويات. – في هذا السياق، أريد أن أعود بك إلى الجو العام الذي مرَّت فيه الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة، ألا ترى معي بأنَّ شروط المدينة لم تتوفّر في هذه الحملات الانتخابية، وأنه بالفعل، الحملات، كانت تميل نحو، ما أشرتَ إليه، ضرورة قتل الآخر، هذا يظهر في نوع النِّقاش الذي كان عَبَثِياً، في أغلبه، ولم يكن يَصُبّ، لا في البرامج، ولا أي أفق سياسيّ، أو إيديولوجي، سواء بالنسبة لليسار، أو لغيره من الأحزاب المُرَشَّحَة في هذه الانتخابات؟. هذه الظاهرة السوسيولوجية الكبرى، تجد تفسيرها في الهجرة المُكَثَّفَة والسَّريعَة نحو المدينة، وما خَلَقَتْه من ازدحام وصراع وعُنف، ينعكس على كل المجالات، بما في ذلك المجال السِّياسِيّ، بكافة مستوياته. وطبعاً، فالمجال السياسي يبلغ ذروته في الحملات الانتخابية، لأنَّ الحملة الانتخابية، هي لحظة مكثَّفَة لمسار العمل السياسي والحزبي. عندما نتأمَّل هذا المشهد، نلاحظ أن هناك تَجَدُّداً كبيراً في البنيات البشرية للأحزاب، حيث دخلت إليها أفواج جديدة، لأسباب متعددة، لا تتعلَّق فقط، بشيخوخة، أو تقادم الأعضاء السابقين، بل ترتبط بنوع من الإرادات في إغراق الأحزاب بفئات جديدة، لأن بعض القيادات، لا يهُمُّها إلاَّ الأرقام، والأعداد، ولا يَهُمُّها النُّضْج الأيديولوجي، أو التكوين السياسي، أو غير ذلك، مما يدخل في طبيعة الحزب، وتنظيمه. فأنا حين أتحدَّث، مثلاً، عن تجربتي، فنحن في سنوات الستينيات والسبعينيات، ربما إلى حدود الثمانينيات، كان ثمن انخراط المناضل في الحزب، وأنا أتحدث، هنا، عن اليسار، هو رأس الشخص، بمعنى أنَّ كل من يدخل هذا الحزب، يعرف أن حياتَه مهددة، وبأنه سينتهي إلى السجن، أو الطَّرْد من العمل، أو غيرها من أشكال القهر والتَّضْيِيق، لكن مع تراخِي القبضة الحديدية، وتراخي الجو السِّياسِيّ أصبح الدخول إلى الأحزاب، بمثابة نزهة، وبمثابة فرصة لاقتناصِ ثمارٍ، أو زهورٍ، أو شيء من هذا القبيل، وبدأت الأحزاب، ربما تتراخى، ولم تعد قيم الكفاءة، وقيم النزاهة، وقيم النِّضال، على رأس جدول أعمال هذه لأحزاب، بل إنَّ الأحزاب أصبحت امتدادات للصِّراع الاجتماعي العام. هذا انعكس على النقاشات السِّياسِيَة، وعلى لغة النقاش السياسي، التي تحوَّلت في أغلب الأحيان، إلى قَذْف، وشَتْم، وتعريض بالآخرين، فشَخْصَنَة الصِّراع السياسي، هذا هو المظهر الأول من مظاهر تدهور الثقافة السياسية، في الحقل السياسي المغربي، وخاصَّة عند الأحزاب. طبعاً، لم تعد البرامج، والمُثُل، والأهداف العليا، هي ذات الأولوية، بل أصبحت المواقع والاصْطِفافات، والتَّحالُفات الداخلية والمجموعات، هي التي تحظى بالألوية. عندما نقارن النقاشات التي كانت تجري في الستينيات، وفي السبعينيات، كانت نقاشات حادَّة، في قضايا وطنية، وذات طابع دولي، وأيضاً حوارات، النِّقاشُ فيها، كان يذهب إلى المفكرين والفلاسفة، في ما قالوه. اليوم، هناك، نوع من السطحية في الخطاب السياسي، وخاصَّةً في الخطاب الانتخابي، لأنه حصل تحوُّل في طبيعة اللعبة السياسية ككل، هذه اللعبة التي كانت قبل 1975 مبنية على أساس الصراع بين النظام والقوى التقدمية، من أجل تحقيق مجتمع حداثي على كافة المستويات، بعد هذا التاريخ، يعني بعد المسيرة، حصل اتِّفاق بين الأطراف السياسية على تحويل اللعبة السياسية، إلى لعبة جديدة، تتجه نحو الديمقراطية، ونحو ما سُمِّيَ آنذاك بالمغرب الجديد، ونحو اسْتِدماج النُّخَب الجديدة، عبر الانتخابات المحلية، والوطنية، بمعنى أنَّ تلك النُّخَب الرافضة، والمتمردة، والثورية التي كانت تملأ الساحة سابقاً، بدأ تدجينها، واسْتِدْراجُها في الهيئات الانتخابية المختلفة، وذلك كان هو الشِّق الثاني من الخطة التي وضعها العقل السياسي المغربي آنذاك لإخراج البلاد من مرحلة التناحُر داخل المدن، والتناحر الاحتجاجي الجماهيري، وأيضاً الانفجارات التي وقعت داخل السلطة نفسها، أو داخل أجنحتها الأمنية، أو العسكرية، فهذه هي القاعدة البعيدة المُشَكِّلَة لكل ما يحدث. – وأنت تَمُرّ في الشَّارِع أثناء الحملة الانتخابية، تَتَسَلَّم بعض الأوراق، أو بعض البرامج، هل كُنْتَ تَجِد برامج؟، هل الأحزاب كانت تُدافِع عن برامج ومُقترَحات؟، وإذا افترضْتَ أنَّ هناك برامج، فهل كانت ترقى إلى مستوى ما تطمح إليه المدينة، وما يطمح إليه الإنسان المغربي، في أُفُقِه الحداثي الذي طالما كتبتَ فيه، وكان ضمن أهم انشغالاتك الفكرية؟. من المفروض أن الانتخابات المحلية والجهوية، هي انتخابات تتركَّز حول بناء المدينة، وحول بناء القرية، أو البادية. كان من المفروض أن تُقَدَّم برامج عقلانية، تتعلق بتنظيم المدينة، وبإحداث مرافق جديدة فيها، وبعقلنة تسيير المدينة، وجعلها فضاءً مقبولاً لخدمة الإنسان، أو لخدمة السَّاكِنَة، في حين أنَّ الأوراق التي قُدِّمَت كانت خاليةً، تماماً من برامج، وهي في ذلك، إما تهرب نحو القضايا العامة، وكأن الأمر يتعلَّق بالانتخابات التشريعية، أو البرلمانية، أو تهرب إلى قضايا صغيرة جدّاً، ولا شك أنَّك ستطرح عليَّ اللغة التي كُتِبَت بها هذه المناشير، وهذه مشكلة أخرى، فأنا سأبقى في إطار المضامين، فليست في هذه الأوراق مشاريع تساهم في تحديث وتنظيم المدينة، ونحن نعرف أنَّ المحور الأساسي، في النقاش السياسي الذي دار في هذه الحملة، هو سُباب وشتائِم بين أشخاص وأحزاب، وكأنَّ كل واحد يريد أن يُحَسِّنَ صورتَه عن طريق الإساءة إلى الآخر، وتَسْوِيد صورة الآخر. هذه هي الاستراتيجية العامة، وهي استراتيجية طبعتْ المرحلة السياسية كاملةً. – هُنا، أسألك عن دور المثقف. في مراحل سابِقَة، كان المثقف حاضِراً في الانتخابات، وكان إما مُرشَّحاً، أو داعِماً، أو يكتب للتَّعبير عن رغبته في التَّغْيِير، وبالانتصار، طبعاً لليسار، بصورة عامة. اليوم يكاد المثقف يبدو أنه عازف، وغير راغب في الكلام، أو هو يَتفرَّج من بعيد على ما يجري، ولا نسمع رأيه. كيف تُفَسِّر هذا الغياب، أو هذا العُزوف؟ لاشك أن المرحلة السَّابِقَة التي سادَ فيها نوع من النِّضال الوطني التقدمي، ذِي الأفق الكوني، كانت هذه المرحلة بمثابة مرحلة يوطوبية، وكان المثقفون يجدون أنفسهم فيها، من حيث أنها تتضمَّن الحُلُمَ بمجتمعٍ جديد تسوده العدالة، وتسوده الحرية، وتسوده العقلنة والعقلانية، وتسودُه درجة من درجات التَّحديث. هذه المرحلة اليوطوبية، وَجَدَ مُثقَّفُوا اليسار أنفسهم فيها، وانخرطوا فيها بكامل جوارحهم، فكتبوا، ونشروا، وأطَّرُوا التَّجَمُّعات، وترشَّحُوا. ونحن نعرف أن عبد الله العروي ترشَّح في إحدى دوائر مدينة الدارالبيضاء، في مواجهة علي يعته. ما يعني أن المثقف كان له دور حقيقي، وملموس، ولم يكن بعيداً عما يجري، لكن هذه المرحلة اليوطوبية انتهتْ، أو تقَلَّصَتْ نتيجة التَّحوُّلات التي وقعت في التجربة السِّياسِيَة، ولا تنسى أن العديد من المثقفين يعيشون حالةَ صدمة، أو حالةَ مراجعة للذَّات، نتيجة خيبات أمل كثيرة، ليس فقط في السُّلطة، بل وفي زملائهم المناضلين أنفسهم، الذين عندما انخرطوا في السلطة نَسَوْا المرحلة السابقة، ونَسَوْا البُعد الثقافي والنِّضالي، ونسَوْا دور التأطير، ودور الأيديولوجيا، ودور اليوطوبيا، وأصبحت تلك المرحلة بمثابة حلم ليلة صَيْف تبخَّر بسرعة. يجب ألا ننسى، بأنَّ الموقف المُتَحَفِّظ، حالياً، للمثقفين المغاربة، أو لعدد كبير منهم، وخاصة الذين عاشوا منهم هذه التجربة، هي نتيجة مآلات هذه التجربة، ونتيجة خيبات الأمل، ليس في النظام السياسي، ولا في النظام الانتخابي نفسه، بل نتيجة خيبة أمل في ذواتهم، وفي زملائهم، وفي أصدقائهم، وفي التحوُّلات التي حدثت، والتي بَيَّنَتْ بأن النضال من أجل الآخر، لا ينفصل عن النِّضال من أجل الذات. هذا هو القانون الذي يمكن أن نَسْتَخْلِصَه. أعطيك مثلاً بسيطا للتدليل على ما أقول. في تلك الفترة كُنَّا نعيش فترة الانتخابات، وكان هناك فيض بشري يُصَوِّت على الأحزاب التقدمية، إلى درجة أنه كان يُقال، آنذاك، لو رَشَّحْتَ قرداً في هذه الدائرة لنجح. وهذا الهيجان الاجتماعي، كان مرتبطاً بأمل، وبيوطوبيا، وبنماذج طاهِرَة، وبالإيمان بالعمل النَّضالي، وبالأمل في التغيير. مع ظهور الصراعات حول المناصب، والاسْتِوْزَار، والبحث عن مواقع، وغيرها، تبيَّن بأنه ليست كل الادِّعاءات الأيديولوجية للمثقفين، أو للسِّياسيين صادِقَة، ففيها قسط، رُبَّما، من الغَيْرِيَة، ولكنها تُضْمِرُ قسطاً دفيناً من الأنانية، والبحث عن مكاسب ذاتية، هي شبه ما تكون بجزيرة الثلج التي لا يظهر إلاَّ نصفُها الأعلى. فتدريجياً يَتَبَيَّن النصف الأسفل، أو النصف العميق، وهو تجميع المكاسب الذاتية. – أَسْتَشِفُّ من كلامك، أنَّ قبول «الاتحاد الاشتراكي» بما سُمِّيَ «التَّناوُب التوافقي»، كان بمثابة بداية النِّهاية لليسار المغربي بشكل عام، ولهذه اليوطوبية التي تكلّمْتَ عنها، وأنه هو من أتاحَ ما وَصَلْنا إليه اليوم، من هيمنة حزب «العدالة والتنمية» على المشهد السياسي، كاملاً، إلى جانب حزب آخر، يقول إنه حداثي، في حين أن الأحزاب اليسارية، تكاد تكون غير حاضرة في ما جرى، وتقَهْقَرَتْ بشكل واضح. مسألة التَّناوُب، سواء سُمِّيَ توافقياً، كما حصل، أو غير توافقيٍّ، ارتبطت بعناصر متعددة، أهمُّها مرحلة تدبير الانتقال السَّلِس، بين عهديْن. وقد تحدَّث محمد الساسي، في إحدى مقالاته، عما سُمِّيَ بدور البيولوجيا في التاريخ، وأنَّ بعض التحوُّلات هي مرتبطة، أساساً، بحياة وموت أشخاص، أكثر ما هي مرتبطة بتدبيرٍ عقلاني وإراديّ. إلاَّ أن هذا التناوب، بالشكل الذي حدث به، كان بالإمكان تدبيره، لو كانت الأحزاب منظمة، ومعقلنة، وفيها محاسبة، وهي أحزاب حداثية، بكل معنى الكلمة، وفيها آليات تنظيمية، وتوجيهية، لما حدثت الانزلاقات التي حدثت في ما بعد، حيث تبيَّن أنَّ التجربة في مرحلة أولى، حاوَلتْ أن تكون تجربة عقلانية، وتاريخيةً، ومفيدة، ولكن في مرحلة ثانية، تحوَّلَتْ إلى حرب بسوس، من أجل المكاسب، ومن أجل الحصول على بعض مظاهر التَّرَف والاستفادة. هذه الأمور لا يتحدث عنها أحد اليوم، لأن هُناك، في الثقافة المغربية ما يفرض نوعاً من التَّحَرُّز، ونوعاً من الخَجَل السياسي، أو نوعاً من التَّقِيَة، ولكن، تدريجياً، وعلى المدى البعيد، خلال أربعين أو خمسين سنةً، مع تسجيل المذكرات، ومع تطوُّر البحث في تاريخ التجربة السياسية المغربية، سَيَتَبَيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وسيتبيَّن منسوب النضال العقلاني، من منسوب النِّضال الأناني، أو النفعي الخالص، إنْ شِئْنا. – بماذا تُفَسِّر، هذا الانتشار الواسع، والتَّصوِيت الكبير، أيضاً، على حزب يعتبر نفسَه إسلامياً، رغم أنه مسؤول في الحكومة، وتعرَّض لكثير من النقد، والمُؤَاخذَات، وإنجازاتُه لم تكن مهمة، بالصُّورَة التي كانت مُتَوقَّعَة في انْتِظاراتِ المواطنين، بل إنه تراجع عن مُكتَسَباتٍ سياسية، واجتماعية، ونقابية، وأيضاً في ما يتعلق بالغلاء، وتجميد الأجُور، وتفاقُم الدَّيْن الخارجي، ومشكل الشفافية في تدبير الميزانية، وغيرها من الأعطاب الكبيرة، التي يعرفها الجميع؟. محاولة تفسيري، تقوم على مُعْطَيَيْن أساسِيَيْن، معطى إيديولوجي، ومعطًى أخلاقي. المعطى الأخلاقي، هو مُعْطى النزاهة، وهو نوع من العُذْرِيَة السياسية، التي ما تزال تفرض نفسَها، شِئْنا أم أبَيْنَا، بمقابل الفساد السياسي، أو الاستفادة السياسية، أو التلوث السياسي. أما العنصر الإيديولوجي، يجب أن نستحضر، وأنا هنا أحاول أن أكون سوسيولوجياً، التحوَّل الأساسي الذي حدث سنة 1967، بعد هزيمة الجيش المصري أمام الجيش الإسرائيلي، إمَّا فُسِّر آنذاك، بأنه فشل للنظرية القومية، أو للنظرية العقلانية التي حاولت أن تَحُلَّ محلَّ الإسلام السياسي، وقبل ذلك ارتبطت، أساساً، بنكبة فلسطين، ثم بانهيار العرب أمام إسرائيل، ثم حُدوث الثورة الإيرانية، التي أحْدَثَتْ زخماً دينياً في المنطقة، جاء بشكل رياح عاتية. ويمكن أن نُضيف تَسْخِير الإسلام السياسي في محاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، بحيث تَمَّ تجنيد ما سُمِّيَ بالأفغان العرب. فهذه المعطيات، هي التي أسَّسَت لِما نعيشه اليوم، فقد حصل تحوُّل تدريجي من الوعي القومي العقلاني الحداثي، إلى نوع من الإسلام السياسي، الذي يقدم نفسَه على أنَّه سيقدم حَلاًّ، أو هو الحلّ. وعلى المستوى الاجتماعي، حدث نوع من عودة الجماهير إلى الحضن المُؤَمَّن للإيمان، فقد حصل تحوُّل في البنيات السياسية، وفي الوعي السياسي للمواطِن. ما نشهده حالياً، هو أنَّ الإسلام السياسي، حَصَد نتائج هذه التَّحوُّلات التي حدثت، وقدَّم نفسَه كبديل، وكمنقذ، وكحلّ. سرعة انتشاره تعود إلى القاعدة المُعّتَقَدِيَّة العميقة لدى هذه الشعوب. فنحن لسنا جزيرةً معزولةً عن هذه التَّحوُّلات، بل إننا امتداد لها، بل إنَّنا نعيش هذه المرحلة التي هي مرحلة قد تطول وقد تَقْصُر، حسب خصوصيات التجربة العربية والمغربية. هذا هو العنصر الإيديولوجي الفاعل الذي لا نراه. فَلِتَفْسِير الأشياء، يجب أن تعود إلى عهود سابقة، ولَرُبَّما، أحياناً إلى قرون، لأنَّ هذه التحوُّلات بدأت في بدايات القرن العشرين، مع سقوط الخلافة العثمانية، وظهور الإخوان المسلمين، كجماعة تريد أن تُعيد الخلافة، وغيرها. فهذه الأشياء تنتشر، وتتوسَّع. الشيء الذي نحمد الله عليه، هو أن الجماعات الإسلامية المغربية، لم تسقط في العنف، إلا في بعض الحالات القليلة، والنادرة، وقياداتها، لم تسقط لم تَدْعُ إلى العُنْف. وأضيف، أيضاً، أنَّها لم تكتب كتابات تكفيرية، تُحرِّض على العنف والقتل، من نوع كتابات عبد السلام فرج، أو سيد قطب، وغيرهما. كما أنَّ هذه الجماعات، ليست لها كتابات مُؤَسِّسَة، باستثناء بعض كتابات عبد السلام ياسين، لأنَّ الفعل السياسي هو استثمار، إلى حَدٍّ ما، للفعل الثقافي المُؤَسِّس. المعطى الثاني، هو خِبْرةَ النظام السياسيّ المغربي، وذكاءَه، حيث اسْتَدَمَج، باكراً، الشبيبة الإسلامية، وقسماً من الحركة الإسلامية، ضمن إطار حزبي رسمي، انطلاقاً من قاعدة، أنَّ الوسيلة الوحيدة لترويض الحركات المتمردة، بما فيها الحركات ذات المعنى الديني، هو إدخالُها إلى الحقل السياسي، لأن الحقل السياسي، يُعَلِّم التَّنْسِيب، ويُعَلِّم التخطيط، ويعلم القبول بالاختلافات، فالتجربة السياسية، تُقَلِّم الأظافر، بعض الشيء، وتُلَيِّنُ الجوانب الخَشِنَة. هذه فكرة أمريكية راسخة اليوم في السياسة. ولا تَنْسَ، أيضاً، أنَّ هذه الحركة، هي في بداية ممارستها للسلطة، ولَمْ تتلوث بعد، سواء في تسيير المجالس، أو في تسيير المدن، وحتَّى على مستوى الوزارات. ربما، أنَّ لدى هذا الحزب، هَمّاً أخلاقياً، ولديه حرص، نتيجة فَحْصِه للتجربة السابقة، وأن سبب انهيار التجارب الحزبية السابقة هو التلوث والنَّهْب، وتحويل العملية السياسية إلى جَنْي مكاسب. لحدّ الآن، يبدو أن هناك وعياً أخلاقيا عند هذه الجماعة، وأنا لا أضمن أن يبقى هذا مستمراً بنفس هذه الصورة غداً أو بعد غد، ولكن لحد الآن هناك استقراء للتجربة السابقة، واستفادة من زَلاَّتِها. ولا تنس، أيضاً، أنَّ هذا الحزب اليوم، يدخل في تَحدٍّ كبير، وهو تحدي المسؤولية، على مستوى المدن، بعد أن جرَّبها على مستوى الوزارات. ولكن على مستوى المدن، وعلى مستوى القرب من الناس، هذا لُغْم كبير، وصعوبة كبرى، لا أدري إلى أين ستصل، وماذا سيكون مآلُها، فأنا ليست لديَّ معطيات لأحكم بها على هذا الحزب في هذا الموضوع.