أنشيلوتي: "مودريتش بمثابة هدية لعالم كرة القدم"    توقيف مواطنين فرنسيين مبحوث عنهما بموجب أوامر دولية بإلقاء القبض صادرة من طرف السلطات الفرنسية    الدار البيضاء.. الأوركسترا السيمفونية الملكية تحتفي بالفنان الأمريكي فرانك سيناترا    سفير اسبانيا .. مدينة الصويرة تلعب دورا محوريا في تعزيز الروابط الثقافية بين المغرب واسبانيا    دنيا بطمة تعود إلى نشاطها الفني بعد عام من الغياب    نقابة الصحفيين التونسيين تدعو لإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين مع التلويح بإضراب عام في القطاع    المغرب يبرز أمام المنتظم الدولي أوراشه الوطنية الإصلاحية والتزاماته بتعزيز حقوق الإنسان    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    رصاصة شرطي توقف ستيني بن سليمان    مع اقتراب رمضان.. توقعات بشأن تراجع أسعار السمك    خلية "أسود الخلافة في المغرب الأقصى".. ال"بسيج" يؤكد النوايا العدائية للتنظيمات الإرهابية تجاه المغرب    الاتحاد الأوروبي يعلن تعليق عقوبات مفروضة على قطاعات اقتصادية أساسية في سوريا    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    المهاجم المغربي مروان سنادي يسجل هدفه الأول مع أتليتيك بلباو    الذهب يحوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق وسط تراجع الدولار وترقب بيانات أمريكية    دينغ شياو بينغ وفلاديمير لينين: مدرسة واحدة في بناء الاشتراكية    وزير يقاتل في عدة جبهات دون تحقيق أي نصر!    فنلندا تغلق مكتب انفصاليي البوليساريو وتمنع أنشطتهم دون ترخيص مسبق    ائتلاف مغربي يدعو إلى مقاومة "فرنسة" التعليم وتعزيز مكانة العربية    السد القطري يعلن عن إصابة مدافعه المغربي غانم سايس    المعرض الدولي للفلاحة بباريس 2025.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما في مجال الفلاحة الرقمية    اختتام النسخة الأولى لبرنامج الدبلوم الجامعي في تقييم التكنولوجيات الصحية بفاس    فتح بحث قضائي بخصوص قتل سبعيني لابنته وزوجها ببندقية صيد    ألوان وروائح المغرب تزين "معرض باريس".. حضور لافت وتراث أصيل    وزيرة الفلاحة الفرنسية: اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي    إصابة نايف أكرد تقلق ريال سوسييداد    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    انفجار يطال قنصلية روسيا بمارسيليا    طقس بارد نسبيا في توقعات اليوم الإثنين    اتحاد طنجة يسقط أمام نهضة الزمامرة بثنائية نظيفة ويواصل تراجعه في الترتيب    السعودية تطلق أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع وصيانة الطائرات في جدة    الصين: "بي إم دبليو" تبدأ الإنتاج الضخم لبطاريات الجيل السادس للمركبات الكهربائية في 2026    الملك يأمر بنقل رئيس جماعة أصيلة إلى المستشفى العسكري بعد تدهور حالته الصحية    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة "هش" وعلينا تجنب تجدد الأعمال القتالية بأي ثمن    آزمور.. مولود نقابي جديد يعزز صفوف المنظمة الديمقراطية للشغل    غياب الإنارة العمومية قرب ابن خلدون بالجديدة يثير استياء وسط السكان    قاضي التحقيق بالجديدة يباشر تحقيقًا مع عدلين في قضية استيلاء على عقار بجماعة مولاي عبد الله    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    الوزير يدعم المغرب في الحفاظ على مكسب رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة وانطلاقة مشروع دراسة ورياضة وفق أفق ومنظور مستقبلي جديدة    قطار يدهس رجل مجهول الهوية بفاس    نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    ترامب يهنئ المحافظين في ألمانيا    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سبيلا: نزاهة الانتخابات رهان الدولة والتزام أمام حركة الشباب
المفكر المغربي ل « المساء »: المثقف لم يمت والادعاء مصدره السياسيون الذين يكرهون دوره النقدي
نشر في المساء يوم 18 - 11 - 2011

في الجزء الثاني من الحوار مع المفكر محمد سبيلا، يتحدث عن أن النقاش الذي عرفه المغرب قبل مرحلة وضع الدستور، والذي سمح بظهور مواقف
جديدة جريئة ومنتقدة، خفت حدته. كما قال إنه لا يمكن الحديث عن حداثة في المغرب وإنما عن تحديث، وقسمها إلى ثلاثة مستويات، معتبرا أن الحداثة الثقافية والفكرية عسيرة التحقق لكون تغيير المقولات الفكرية يتطلب قرونا.أما بخصوص ما قيل عن موت المثقف وتواريه فيوضح سبيلا أنه قول مرفوض وليس مصدره سوى السياسيين. وبخصوص الانتخابات القادمة يقول سبيلا إن المغرب ملزم بإنجاحها لأنه ملتزم بذلك أمام المجتمع الدولي والضمير العالمي.
- هناك تحالفات تمت على مستوى الأحزاب، كما أن هناك برامج ووعود قدمت. كيف تقرأ هذا الوضع وآفاق السياسة في المغرب؟
يبدو لي أن وتيرة التطور السياسي متماثلة ومتناظرة، ففي كل أجزاء الحقل السياسي، سواء في الأحزاب أو في السلطة أو حتى في التنظيمات التي هي خارج الحقل السياسي، نلاحظ أن هناك بطءا في التطور، ففي المرحلة التي عشناها مند شهور، والتي شهدت نقاشا سياسيا وقانونيا واسعا جدا بمناسبة وضع الدستور الجديد، سمح بظهور مواقف جديدة ومختلفة، بل مواقف رافضة كانت لها جرأة القول والانتقاد وجرأة المطالبة بملكية برلمانية على النموذج الأوروبي، وأتيحت لها فرصة التعبير عن نفسها... يبدو لي أن هذا النقاش قد خفّت حدته. لكن من جهة أخرى يلاحظ بأن القناعات التي كانت سائدة في الحقل السياسي، وخاصة في الأحزاب التقليدية، تقول إن للنضال السياسي تاريخا عريقا في المغرب وأن له وتيرة تطور، فهم يرون بأن المغرب محكوم بوتيرة تطور طبيعي، كانت إحدى مراحلها هو ما يطلق عليه البعض الانتقال الديمقراطي أو حكومة التناوب، والتي تمثلت في انتقال السلطة من عهد إلى عهد، وكان من بين أهم خصائصها أنها شهدت انفتاحا على المعارضة واسترجاعا لها ومصالحات تاريخية كبيرة، وحاولت أن تجعل حدا لصراعات نصف قرن بين العديد من الفرقاء السياسيين. ويلاحظ أنه ربما خلال هذه الفترة تحققت بعض المكاسب، التي كان من المتعذر تحققها في مراحل الصراع حول السلطة وهي في ذروة عنفها. على العموم هذه القوى كان لديها تقييم إيجابي للتطورات التي حدثت في المغرب. ويذهب البعض إلى القول إن ما وقع من عدوى الحراك العربي كان سيكون له وقع أكبر لو أنه اندلع في مرحلة سابقة. لكن الحدث وقع في مرحلة كان المغرب قد حقق فيها نوعا من المصالحة التاريخية وتبنى حقوق الإنسان، واعتذرت الدولة تقريبا رسميا عن العنف، الذي مارسته على الحركات السياسية. كما أنه جاء في وقت أفسح فيه العهد الجديد الطريق لحرية نسبية في الانتخابات وفي تكوين البرلمان، بمعنى أن قسط الحرية الذي ظهر فيما بعد حد قليلا من الاحتقان السياسي، الذي عرفته المرحلة السابقة، التي شهدها المغرب مند الاستقلال إلى نهاية القرن العشرين. وهكذا فإن هذه التحولات التي حدثت مع العهد الجديد، سواء عبر التناوب أو عبر التصالح مع المعارضة أو عبر المصالحات المختلفة والاعتراف بحقوق الإنسان أو من خلال إقرار مدونة المرأة، جعلت العديد من الفرقاء السياسيين يرون بأن وتيرة التطور التاريخي في المغرب وتيرة معقولة، وأن تسريعها يعني تعنيفها وإدخال نوع من التشويه عليها.ولكن من جهة أخرى يقولون إننا استوعبنا الدرس من خلال الحراك العربي ووعينا بمطالب الشباب وبمطالب الفئات الاجتماعية. هذا ما يدفع إلى القول بأن الرهان سيكون على التجربة الجديدة وعلى المؤسسات الجديدة واللحظة الجديدة للديموقراطية.وهذا ما يجعلها تكون بمثابة مرحلة ثانية لممارسة الديموقراطية. وهذا ما سيحقق قطيعة مع المراحل السابقة، التي شهدت صناعة المشهد السياسي وصناعة الأحزاب وصناعة النخب وأشكالا من التحكم في الحقل السياسي. والظاهر أن القبضة الحديدية ارتخت، وأن المغرب دخل مراحل تحوّل يجب حمايتها وصيانتها من أي عدوى، إما فوضوية أو انتقامية فيها نوع من الشراسة السياسية، كما تقدم بعض النماذج العربية.
- وماذا عن المثقف الذي يقال عنه إنه ركن إلى الوراء ولم يعد له أي دور فاعل ويستشهدون على ذلك بالثورات التي قيل إنها قامت بدونه؟
القول بنهاية المثقف أو أي شيء من هذا القبيل قول متسرع، ويحتاج إلى تأمل وتدقيق، فلا شك أن هناك حيوية تاريخية ونخبا جديدة فاعلة، فليس المهم أن يبقى النموذج الذي ارتبط بالنضال والمثقف العضوي، حيث إن المثقف حاضر في الاجتماعات والإضرابات والنقابات وغيرها من الأشكال القديمة، وهذه لم تعد إلا من بقايا الفكر الاشتراكي والماركسي التي كانت سائدة في فترة من الفترات.
ولكن التجربة التاريخية للمثقف بينت أن دوره ليس دورا نضاليا بالمعنى الحركي، إذ لم يعد من المفروض عليه أن يمارس نضالا حركيا وأن يحضر الاجتماعات ويخطب ويؤم الجماهير وغير ذلك، فهذه مرحلة عفا عنها الزمن.إذ اكتشف المثقف بالتدريج وعبر عدة تجارب بأن دوره الحقيقي دور معرفي وتنويري، وهذا هو المعنى الذي نلحظه، فقد تحول كثير من مثقفينا من الحركية السياسية إلى الإنتاج الفكري.
ولنأخذ نموذجا من نماذجنا المغربية المعروفة، فالجابري مثلا في لحظة من اللحظات سلم المفاتيح الحزبية والصحفية لأصحابها وتفرغ للبحث العلمي والفكري. وفي تقديري أنه حافظ على نفس الدور النضالي، لكن بوسائل مختلفة لأنه شعر بأن النضال الحركي والسياسي ليس كافيا، وبأن مداه محدود وبأنه لما يحدث التحول يحدث في نفس الأفق ويتراجع. لذلك عاد إلى البحث والنضال على المستوى البعيد، أي النضال على مستوى الفكر والبحث في المحددات الفكرية، التي هي محددات طويلة الزمان، وتتعلق بالمدة التاريخية الطويلة من خلال البحث عن كيفية تكون هذه العقليات والذهنيات. وهذا لا يكفي كي نقول إنه يجب تحديث المجتمع، بل يجب أن نبحث في كيفية تحديث الثقافة وفي كيفية تحديث المثقفين وكيفية تحديث المناضلين أنفسهم وفي كيفية تطويرهم ثقافيا.
لقد حصلت تحولات ناتجة عن تجربة تاريخية وعن اقتناعات ذاتية مبنية على قراءة من المثقف لواقعه، وأنا إن أعطيت مثالا بالجابري فيمكن تعميمه على جل المثقفين. وفي الحقيقة هناك مثقفون اختاروا الحركية السياسية نهائيا وتحولوا إلى سياسيين واكتفوا بهذا الدور النضالي السياسي، لكن أغلبية المثقفين اقتنعوا بأن دورهم ثقافي وفكري يراهن على المدى البعيد. أنا إذن لا أتفق مع هذا القول الذي يعكس نوعا من التبسيط، وأغامر وأقول إن هذا الادعاء مصدره السياسيين، خاصة ونحن نعرف بأن المثقفين يحافظون على الدور النقدي. وهكذا، فإن السياسيين يقولون إن هؤلاء المثقفين مجرد عدميين، بمعنى أنه لا يكفيهم ما تم تحقيقه أو ينكرون التطورات، فينزلون إلى البحث والدرس. أحد مصادر هذا الحكم هي الفئات الحركية في المجتمع، سواء الفاعلين السياسيين أو ربما رجال الإعلام والصحافة. دور المثقف إذن دور على المدى البعيد وليس دورا حركيا سياسيا آنيا.
- هل تتوقع أن تجرى الانتخابات في أجواء نزيهة؟ وفي حالة ذلك ما هي الخريطة التي يمكن رسمها؟
أتصور أن الدولة التزمت رسميا بالحياد وعدم صناعة المشهد السياسي كما عرفناه طيلة عدة عقود. فهناك التزام رسمي، لكن هناك جماعات وفئات لديها مصالح ولا تريد أن تستسلم. ولكن أعتقد أن الانتخابات القادمة ستكون أحسن من سابقاتها من حيث النزاهة والشفافية لأن هذا رهان الدولة والتزامها على نفسها أمام حركة الشباب وأمام الحراك العربي وأمام الضمير العالمي وأمام الرقيب الكوني لأن أوروبا وأمريكا وغيرها تريد نشوء مجتمعات مستقرة. وبالنسبة إليها فالاستقرار يتمثل في تحقيق الديموقراطية على المستوى السياسي، على الأقل، حتى تكون مجتمعات مسالمة. فهناك الرهان العالمي وهناك الرهان الإقليمي المتمثل في الحراك العربي وهناك الرهان الداخلي المتمثل في حركة الشباب، التي هي بمثابة ضمير إلى حد ما، ضمير سياسي وحافز سياسي. وأنا أكاد أصدق التزام الدولة، ويبدو أنها صادقة في ذلك. إنها تريد فعلا أن تتحقق نقلة نوعية في الممارسة الديموقراطية في المغرب، وأن لا تتهم من جديد بصناعة المشهد السياسي. وهنا أضيف وأقول إنه من العناصر المرجحة لهذا التأويل هو أن النظام السياسي والعهد الجديد لم يكن طرفا في الصراع كما كان في السابق.
مبدئيا في العهد الجديد ينأى القصر بنفسه عن أن يكون طرفا في الصراع، وهذه ضمانة، بالإضافة إلى الضمانات الأخرى. إذ لم يعد القصر، كما كان في السابق، يتدخل لأن المشهد السياسي كان مقسما إلى موالين ومعارضة راديكالية.هذه المسألة لم تعد مطروحة، فالأغلبية الساحقة من مكونات المشهد السياسي تدين بالولاء للنظام، فلم يعد بحاجة إلى التدخل في المشهد لصناعته لحساب هذا الطرف أو ذاك. هناك مجموعة من الضمانات الخاصة والإقليمية والدولية والمحلية، إضافة إلى الالتزام بأنه ستكون هناك انتخابات نزيهة. لكن ليس معنى هذا أن الانتخابات ستقود إلى نتائج نزيهة لأنه ليست الدولة وحدها فاعلة، ويمكنها أن تتدخل في المشهد السياسي، بل هناك مال الفساد والإفساد السياسي وليس المال الحرام كما يروج. هناك إذن. القوى المالية، هناك اللوبيات والمهربون، أي القوى التي كانت في حاجة دائمة للسيطرة على المؤسسات، وخاصة المؤسسات التشريعية. طبعا حدود حياد الدولة معروف. إنها لا تستطيع أن توجه وتحاكم الضمائر والنوايا، ولكن هذا دور الأطراف والأحزاب السياسية، لا في ممارستها وفي أدائها وفي التزامها بالحدود القانونية والأخلاقية، بل أيضا في مراقبة الحقل السياسي. هناك ضمانات قانونية، لكن هذا لا يكفي، فيجب أن يتحرك المجتمع وهيئات المجتمع المدني والأحزاب، التي يطرح عليها اليوم رهان تجديد الحقل السياسي ورهان تجديد الثقافة السياسية ورهان تجديد الأخلاق السياسية، فهي التي يتعين عليها أن تلعب دور الضمير الأخلاقي في التجربة الجديدة والانتخابات الجديدة.
- هل تتوقع قيادة بنكيران للحكومة القادمة؟
بغض النظر عن فوز بنكيران، فالاتجاه يقبل بالديموقراطية ضمن المؤسسات والتطور الطبيعي، وفي نفس الوقت ينتقدها، وقد سمعنا الموقف المتميز لسعد الدين العثماني، فالرهان هو رهان سياسي ومجتمعي، لكنه بين نخب مثقفة، متعلمة، تحكمها رؤية، ويحكمها ضمير، ويحكمها وعي تاريخي واستبشار تاريخي، وهذا ربما هو الذي لم يستوعبه البعض. إن هناك تجديدا في الأشخاص، تجديدا في المقولات وفي الأفكار لأن الأمر يتعلق بتطور مجتمع. هل هذه الهيئات قادرة على فهم اللحظة التاريخية والاستجابة لنبض التاريخ والمجتمع والتحولات أم لا؟ يبدو لي أن الأحزاب، وخاصة الأحزاب التي لها جذور وعراقة، وغير المصنوعة أمام رهان تاريخي، وأمام امتحان واختبار تاريخي قوي.
- وماذا عن عزوف الشباب عن العمل السياسي؟
بالنسبة إلى الشباب هناك مفارقة في السياسة، هي أن الحكمة السياسية تتطلب نضجا وتتطلب تجربة طويلة، لكن في نفس الوقت هناك مطلب التجديد لأنه لا معنى أن تبقى فئات مسيطرة على المشهد السياسي والحزبي لنصف قرن. إعادة الأمل إلى الشباب ليس فقط بتجديد الخطاب، ولكن بإتاحة الفرصة لهم في الانخراط والارتقاء. وهذا هو الرهان.


الحداثة الفكرية تتطلب القبول بالاختلاف والتعدد
- كيف تنظر إلى الحداثة في المجتمع المغربي؟ هل هناك حداثة في هذا المجتمع؟ و ما هو أفقها في المغرب ومستوياتها المتعددة؟
إن نفس الحكم الذي نظرنا به إلى الحداثة السياسية يجب أن ننظر به إلى الحداثة الاجتماعية، ومن الأفضل أن نتحدث عن التحديث، لأن كلمة الحداثة «كتخلع شوية» ومخيفة. التحديث هو دينامية دخلها المجتمع المغربي كما دخلتها كل المجتمعات غير الأوروبية منذ دخول الاستعمار إلى الآن، بدرجات متفاوتة. ويجب القول بأن التحديث هو سيرورة طبيعية تبدأ بالتحديث التقني وبتحديث الآلات والأجهزة وإدخال الكهرباء والسيارات وغيرها. وهذا التحديث نسميه التحديث التقني. أما المستوى الثاني فهو التحديث التنظيمي المتعلق بتنظيم المجتمع وتنظيم الدولة وتنظيم السياسة وكافة المجالس:المجالس البلدية والتعاونيات الفلاحية والتعاضديات على المستوى المهني والطبي وغير ذلك. وهذا أسميه الحداثة التنظيمية.
ثم هناك الحداثة الثقافية أو الفكرية، وهذا يتطلب درجة أكبر من العقلانية والنسبية ومن القبول بالاختلاف والقبول بالتعدد واحترام حقوق الإنسان وغير ذلك. وللتبسيط أقسّم الحداثة إلى ثلاثة مستويات: المستوى الأول أسرع وأقوى وهو المستوى التقني. وهذه الحداثة تأتي بشكل تلقائي وطبيعي، بل إننا نذهب إلى البحث عنها حتى لو كنا مجتمعات مغلقة ومتزمتة، كما هو الحال في بعض المجتمعات العربية، التي هي محافظة اجتماعيا وثقافيا، لكنها رغم درجات انغلاقها تتهافت على التقنية على كافة مستوياتها وبكل أنواعها.
ويشار إلى أنه في المراحل الأولى كان هناك موقف حذر تجاه الحداثة التقنية لدرجة أن البعض جعلها في قائمة المحرمات. لكن هذا الأمر لم يعد اليوم قائما، وهو بذلك يشكل مكسبا من مكاسب الحداثة والتحديث، فلم يعد هناك أحد يمنع أي جهاز، كما أنه لم يعد أي فقيه يجرؤ على أن يحرم أي جهاز، فالإنترنت اليوم مكتبة كونية ومحشو بكل أشكال المعرفة والأخلاق واللأخلاق والإباحية، لكن بالرغم من ذلك لم يجرؤ أي أحد على تحريمه .
إن الحداثة اليوم تكتسح المجتمعات تدريجيا وتكسب مواقع بالتدريج، وتقريبا تقضي على كل أشكال المقاومة، التي كانت تظهر ضدها في المجتمعات الممانعة. ومجتمعنا المغربي في جميع مستوياته عرف هذا الاكتساح، اكتساح الحداثة.
أما فيما يخص المستوى الثاني المتعلق بالحداثة التنظيمية، فهي محط مخاض، ونحن قبلنا بالتنظيم، تنظيم المدن والطرق، وتنظيم الدولة والجماعات، والتنظيم الترابي والقوانين والمحاكم، وهذا التحديث قطع أشواطا كبيرة وإن كانت الحداثة السياسية أو البرلمان والديموقراطية تنتمي جزئيا إلى التحديث التنظيمي.
هناك نقاشات دائرة وتدور يوميا هنا وهناك، لكن لا أحد يذهب إلى تحريم الديموقراطية، فحتى أحد الفقهاء الذي سبق أن أفتى بتحريمها تراجع عن ذلك ولم يعد يتحدث عن الأمر.
أما المستوى الثالث للحداثة والتحديث فهو المستوى الفكري والثقافي، وهو يدخل كما قلت في قلب الزمن الثقافي والفكري، وهذا الزمن الفكري، كما سبقت أن قلت، هو زمن بطيء وراسخ، حيث تغيير المقولات الفكرية أمر يتطلب قرونا. لكن بالرغم من ذلك أقول إنه مع انتشار الجامعات في المغرب بدأت تنتشر الحداثة في المجتمع المغربي، فالجامعة هي شكل من أشكال إشاعة الفكر الحديث. ويمكن أن نقول إن المغرب قطع أشواطا لا بأس بها في مجال التحديث الثقافي والفكري، فقد ظهر هناك خريجو الجامعات، على الرغم من احتفاظهم طبعا بهويتهم العربية الإسلامية، لكنهم اكتسبوا مهارات البحث العلمي ومنطقه ومتطلباته من مقدمة ومشاهدة وتحليل وغير ذلك .هذه كلها خطوات أو مسارات في هذا الدرب الكبير، الذي هو التحديث الثقافي والفكري الذي قد يتطلب قرونا . ومجتمعنا ككل المجتمعات، التي داهمتها الحداثة، يعيش، بوعي أو بغير وعي، نوعا من الصراع، وخاصة على مستوى القيم والتصورات بين الثقافة الحداثية وبين الثقافة التقليدية، ولكن تبقى المسألة مسألة اجتهاد وتكيف وتطور قد تحل مع الزمن.



حاوره - الطاهر حمزاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.