الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    النقابة المستقلة للأطباء تمدد الاحتجاج    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    الإيليزيه: الحكومة الفرنسية الجديدة ستُعلن مساء اليوم الإثنين    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنمسعود: المسألة الثقافية آخر ما تفكر فيه حكومة بنكيران
الناقدة والكاتبة المغربية أكدت أن منطق الفحولة السياسية ما زال مهيمنا ولم يتمثل بعد روح المواطنة وقيم المساواة
نشر في المساء يوم 09 - 03 - 2013

الحوار مع الكاتبة والناقدة رشيدة بنمسعود يضعك في صلب الإشكاليات الثقافية والمعرفية التي يعيشها المغرب المعاصر، ويفتح، أيضا، هوامش على قضايا المجتمع والسياسة. بنمسعود هي، بمعنى من المعاني، نموذج المثقفة المغربية المشاركة، التي لم
تكتف بالخلوة إلى الكتابة، ولا التحليق في سماء الإبداع وحده فقط، بل مزجت بين اهتمامها الثقافي الصميم وانخراطها في مشهد الحراك المغربي متنوع الصدى. ومنذ خروجها من مدينة القصر الكبير، مسقط رأسها، إلى فضاء الجامعة، ثم معترك الفضاء الأشمل لحياة ثقافية مفتوحة على أسئلة الراهن، قدمت بنمسعود نفسها كمثقفة ملتزمة، وكواحدة من الأصوات المغربية الجادة في الثقافة والإبداع.
- هل يمكن الحديث عن كتابة نسائية مغربية؟ وما هي مميزاتها وخصوصياتها؟
الأسماء النسائية التي تمارس فعل الكتابة تبقى محدودة من حيث الكم لأسباب تاريخية وثقافية، لأن حضور المرأة المغربية في مجال الرواية والشعر والقصة وكذلك في البحث الاجتماعي والعلوم الإنسانية لا يتلاءم مع الطفرة النوعية التي حققتها المرأة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي يفصح ويدل على كفاءة وجدارة عالية في الأداء والإنجاز. وفيما يخص الكتابة النسائية والتنظير لها، فقد عرف هذا الجانب اعترافا اعتباريا بالمنجز الذي تحقق في المشهد الثقافي المغربي. ومن جملة تمظهرات الكتابة النسائية، خاصة في مجال السرد، يسجل نزوع نحو أساليب البوح، رغبة من الكاتبة في الانعتاق من هيمنة التقاليد والدعوة إلى معانقة الحرية وامتلاك الحق في الاختيار والجهر في القول وتعرية الواقع، تضامنا مع الفئات الاجتماعية المسحوقة (لطيفة الزيات – رفيقة الطبيعة – فاطمة الراوي...). واستطاعت الكتابة النسائية في فترات زمنية لاحقة، باعتبارها ذائقة فنية متميزة، أن تحقق مجموعة من الإنجازات، حيث صارت تهتم بصنع معجمها الخاص الذي يميزها عن الآخر، سواء في مجال الشعر أو السرد (وفاء العمراني – لطيفة باقا – عائشة موقيظ).
بعدها صارت الكتابة النسائية في علاقة ندية مع آخرها، كما في الكتابة السجنية التي تستعيد تجربة الانتهاكات الجسيمة وسنوات الرصاص (فاطمة بيه – خديجة المروازي – زهرة رميج). وتتميز الكتابة السجنية النسائية بنكهة ذاتية مختلفة عن تجربة الرجل، تسعى إلى ترميم شروخ الذاكرة وأنسنة تجربة الاعتقال السياسي.
- حينما نتحدث عن كتابة نسائية ألا يعني ذلك استمرار للفكر الذكوري التمييزي؟
لقد سبق لي أن تناولت بالتشريح والتفكيك مصطلح الكتابة النسائية في كتابي «المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية – بلاغة الاختلاف»، الصادر عن دار إفريقيا الشرق سنة 1994، حيث قمت بمقاربة سوسيو تاريخية ونقدية لسيرورة هذا المصطلح ومساره التطوري. كما أنني قاربت ولأول مرة في تاريخ الدراسات النسائية النقدية أشكال الصراع التي عرفها مصطلح الكتابة النسائية بين مؤيديه وخصومه، ومازال هذا الخلاف والالتباس يثير جدلا بين النقاد حتى الآن.
وأعتقد أن الدعوة إلى تأسيس كتابة نسائية يندرج بالنسبة لي في سياق استراتيجية ثقافية تؤمن بالحق في الاختلاف وامتلاك سلطة الكلمة التي حرمت منها المرأة زمنا طويلا، وأن تعمل – بعدما تحققت لها مكاسب عديدة – على بلورة وإبداع كتابة جديدة تؤسس لجمالية مغايرة، تستعير أدواتها وتقاسيمها وتفاصيلها وكيمياءها من ذاتيتها، التي كان لها تاريخ مختلف عن مسار الرجل الفحل، الذي يحجب حضور المرأة بسبب سبقه التاريخي وامتلاكه مقومات القول والفعل. في هذا الصدد، أشير إلى أن الحساسية النسائية باعتبارها قيمة فنية وجمالية تحضر حتى في كتابات الرجال (بروست – إحسان عبد القدوس...) وهناك من الكتاب الرواد من جعلوا من المرأة شخصية مركزية في إبداعهم الروائي مثل رائد الرواية العربية محمد حسين هيكل (زينب) ومحمود عباس العقاد (سارة).
- هذا التمييز بين إبداع نسائي وآخر رجالي ألا ترين أن جذوره آتية من السياسة التي تضع المرأة دائما في «دكة الاحتياط»، كما المثل الشائع: شاورها وما تديرش برأيها»؟
صحيح أن هناك ترابطا جدليا بين الصورة النمطية تجاه المرأة والمواقف النقدية التي تنزع إلى تصنيف الأدب وفق ثنائية الفوقية والدونية. هنا لابد من الإشارة إلى أن تبني مفهوم الكتابة النسائية لا يضمر ولا يبطن نظرة تجزيئية تراتبية للأدب بقدر ما هو إجراء منهجي الغاية منه معرفة كيف تمارس المرأة شغفها وشغبها من خلال فعل الكتابة، باعتبارها تاريخا وجسدا مغايرين يخولان لها الحق في المساواة والاختلاف في مجال الإبداع.
- في أي جنس أدبي ترين أن المرأة المغربية، خاصة، والعربية، عامة، تفوقت فيه؟ أفي الشعر حيث تضخم أنا الشاعر، أم في الرواية حيث الهم الجمعي؟ أم غير ذلك؟
إن الدينامية التي تميز حضور المرأة في مجالات العمل السياسي والجمعوي لم يواكبها حضور مواز في مجال الكتابة والإبداع، ونستثني في هذا السياق الإنجاز في حقل الفنون التشكيلية، الذي عرف مشاركة رائدة للمرأة منذ أواسط القرن الماضي (الشعيبية – فاطمة حسن – مريم أمزيان). بينما في مجال الكتابة عرفت المشاركة النسائية إقبالا محدودا، رغم التحاق الفتيات بالتعليم وولوجهن الجامعات، وتوفر قاعدة عريضة من الباحثات العاملات بالجامعات المغربية. هذا الواقع لا يمنع من القول بأن حضور النساء في المشهد الثقافي العربي عامة، والمغربي خاصة، كان نوعيا وطليعيا مثل الشاعرة نازك الملائكة، التي تعتبر من رائدات ومؤسسات الشعر الحر، وفدوى طرقان، ومي مظفر، وغيرهن. وفي المجال السردي نجد لائحة من الأسماء الوازنة كلطيفة الزيات، حنان الشيخ، سحر خليفة، العروسية النالوتي، وليلى أبو زيد.
- هل تعتقدين أن النساء المبدعات تمكنّ من رصد الاضطهاد النفسي والاجتماعي والسياسي أيضا، وكشفه؟ أم أن إبداع المرأة يبقى رهينا بالبكاء والشكوى؟
ما تسميه عقدة الاضطهاد النفسي والاجتماعي والسياسي أُفضل تسميته ب»المهيمنة الثقافية» أو المركزية الذكورية، لكي لا أسقط في استعمال رؤية نمطية تجعل المرأة حالة مرضية وشخصية غير سوية. هذه «المهيمنة الثقافية» المبطنة لإيديولوجية الفحولة أقصت المرأة تاريخيا من مجال الفعل والإبداع والتفكير، وعندما كانت تفاجأ بظاهرة نسائية متميزة كانت تنكر عليها أنوثتها وتلحقها بقائمة الذكور، فقالوا عن الشاعرة الأندلسية ولادة إنها امرأة «رجلة». كما سبق أن قيل عن الشاعرة الخنساء إنها «امرأة بأربع خصي». ويشكل كتاب نعمان بن أبي الثناء الألوسي «الإصابة في منع النساء من الكتابة» عنوانا صارخا لهذه الرؤية الإقصائية التي همشت التراث الإبداعي والمنتوج الأدبي الكبير الذي تركته لنا النساء.
- مارست العمل السياسي ولا تزالين، فما هي الخلاصات التي توصلت إليها؟ وهل وجدت، بالفعل، شعار «المساواة» حاضرا داخل «عرين الاسود»؟ أم أن الرجال يبقون رهيني المرجعيات التقليدية؟
كان انخراطي في العمل السياسي، نتيجة سياق تاريخي مهد لي الالتحاق بالعمل السياسي، مرجعه الجو العائلي ومشاركة بعض أفراد أسرتي في العمل الوطني. كما أني عندما كنت في قسم الباكلوريا عمل بعض أساتذتي على حفزي على الانتماء الى الفعل السياسي. كما أن دراستي بجامعة «ظهر المهراز» بفاس، التي كانت تعرف مناخا نضاليا نشيطا، عمل على الرفع من إيقاع وعيي السياسي. في تلك الفترة لم يكن فيها الانتماء الى الفعل السياسي ترفا فائضا أو وسيلة للترقي الاجتماعي، بل كان ضريبة وتضحية ورسالة نبيلة تتوخى خدمة الصالح العام والرفع من وعي المواطنين والمواطنات. وأذكر بالمناسبة أن هناك عددا من الأسماء القيادية في حزب الاتحاد الاشتراكي كانت بالنسبة لي القدوة كالشهيد عمر بنجلون والمجاهد عبد الرحمن يوسفي وآخرون.
لقد شكل الحزب بالنسبة لي مدرسة للتكوين السياسي ومجالا للتواصل الاجتماعي، لكن ما يمكن أن أسجله على العمل الحزبي عموما وتجربتي السياسة المتواضعة أن منطق الفحولة السياسية يظل مهيمنا، ولم يتمثل بعد روح المواطنة وقيم المساواة كآلية لتفعيل وإثراء السياسة الحزبية. ورغم تصاعد الوعي بضرورة إشراك النساء في الأجهزة الحزبية التقريرية والتنفيذية، فإن النظرة السائدة تجاه المرأة مازالت ترى في وجودها مزاحما (حسب تعبير لاكان) للرجل في مواقع اتخاذ القرار الحزبي والسياسي، مما يجعل من مكسب مبدأ الكوطا مجرد محاولة لدمقرطة الواجهة الحزبية. كما أن أصحاب الفحولة السياسية يحتكرون المعلومة الهامة لصالحهم على حساب النساء والانفراد بصوغ المواقف والقرارات الكبرى، والتعامل معهن باعتبارهن كمًا احتياطيا ولسن فواعل مختلفة يمتلكن قيمًا مضافة.
- في أحد تصريحاتك قلت : «غاية عملي السياسي الانتصار لقضايا الفئات الشعبية وإنصاف المرأة». بعد هذه المدة من الممارسة السياسية هل حققت غايتك أم لا؟ و ما هي العراقيل التي حالت بينك وبينها؟
أعتقد أن الغاية من العمل السياسي في شموليته تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ الحقوق والواجبات وصون كرامة المواطن. مثل هذه الأهداف النبيلة لا تتحقق بين يوم وليلة، بل هي مسيرة طويلة من الانتصارات والانكسارات، ونحن مازلنا في حاجة إلى تكثيف الجهود وتوحيدها من أجل بلوغ هذه الأهداف الكبرى، وقد عرفت بلادنا منذ انطلاق مسلسل الانتقال الى الديمقراطية مع حكومة التناوب التوافقي تحولا إيجابيا في هذا المسار، ومع مجيء ما اصطلح عليه بالربيع العربي، انتقلنا الى منعطف جديد مع خطاب جلالة الملك في 9 مارس، الذي كان استشرافيا في مراميه وغاياته، أعقبه تعديل للدستور وإجراء انتخابات قبل أوانها وحكومة جديدة يقودها حزب بخلفية ومرجعية محافظة.
والملاحظ أن الوضع العام يتميز بالتراجع في مجال الحريات وحقوق الإنسان وانتهاك حقوق الشغيلة والفئات الشعبية المسحوقة وعجز الحكومة عن تقديم بدائل واضحة، الشيء الذي يتطلب المزيد من العمل السياسي الجاد والرصين من أجل ترسيخ المكتسبات وتحصين المصالحات التي تحققت وتدشين جيل جديد من برنامج التغيير والإصلاح.
- كنت قد علقت على برامج الحكومة الحالية بالقول:»هناك نزوع نحو تبخيس العمل الثقافي في برنامج الحكومة». هل لا تزالين على هذا الرأي بعد هذه المدة من عملها؟
المسألة الثقافية هي آخر المفكر فيه بالنسبة للحكومة الحالية لأن برنامج هذه الحكومة يعتمد على مرجعية ثقافية محافظة لا تولي أهمية للفعل الثقافي، رغم تأكيد الدستور الجديد على أهمية العمل الثقافي في التنمية الشاملة عندما نص في فصله الخامس على إنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. كما أن الكثير من المتمنيات التي جاء بها البرنامج الحكومي الأخير في المجال الثقافي بقيت حبرا على ورق. ويظهر ذلك جليا في ضعف وهزالة الميزانية المرصودة لوزارة الثقافة، بل إن بعض المواعيد الثقافية كالتحضير لمعرض الكتاب الدولي عرف في هذه الدورة ارتباكا وتأخرا في عقده في موعده. يضاف إلى ذلك الجمود الذي يهيمن على بعض المديريات والأقسام الوزارية، حيث إننا لم نسمع بوجود مبادرات ثقافية كبرى تمنح المغرب دوره الطلائعي. ورغم وجود مبادرات فردية من لدن بعض المثقفين المغاربة على المستوى العربي، فهي تبقى بدون دعم لوجيستيكي من طرف الوزارة. كما أن قسم الترجمة بالوزارة، رغم الدور الإشعاعي والحضاري المنوط به، ما يزال راكدا في زمن العولمة وثورة التقانة والرهان على مجتمع المعرفة.
- بصفتك فاعلة سياسية ما هي مؤاخذاتك على هذه الحكومة في تدبير الملفات؟ وهل ترين أنها نجحت في الامتحان وتجاوزت التوقعات التي كانت تتكهن بسقوطها؟
أوضح أولا بأني مع تجربة حكومة السيد عبد الإله بنكيران إذا كان في نجاحها خدمة لمصلحة الوطن والمشروع الديمقراطي الحداثي. لكن، على ما يبدو، هذه الحكومة ما تزال في درجة الصفر بالنسبة لإنجاز برنامجها، رغم مرور أكثر من سنة على تعيينها، حيث نلاحظ ترددا تائها في معالجة العديد من الملفات الكبرى، المرتبطة بانتظارات الجماهير، مثل صندوق المقاصة والصندوق المغربي للتقاعد. كما أن تعامل هذه الحكومة مع شعار محاربة الفساد تحول إلى خرجات إعلامية وفرجة مشهدية للتشهير بأسماء أبطال رياضيين وفنانين قدموا للمغرب عطاءهم وإبداعهم، حيث لم تقدم الحكومة إلى حد الآن أي معالجة شمولية لهذه الآفة الاجتماعية. أضف إلى ذلك أن هذه الحكومة ضدا على أهداف الدستور الجديد تنفرد لوحدها بالتحضير لبعض القوانين التنظيمية بعيدا عن إعمال مبدإ المشاركة والتشارك الذي يشدد عليه الدستور الجديد.
- على المستوى الحزبي عرف المغرب مؤتمرين لحزبين عتيدين. يتعلق الأمر بكل من حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، حيث أفضى الأول إلى انتخاب شباط والثاني إلى انتخاب لشكر. ما تعليقك على ذلك في وقت رأى البعض أن الحزبين أخلفا وعدهما مع التاريخ وضيعا على نفسيهما لحظة العودة إلى الساحة بقوة؟
أنا لا أمثل في هذا الحوار دور المحللة السياسية. كما لا يمكنني أن أنوب عن مناضلي ومناضلات حزب الاستقلال، وأن أتحدث عن قضاياهم الداخلية أو أن أعلق على مجريات مؤتمرهم الأخير. لكن بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لا أخفيك بأني أصبت بخيبة أمل لأنني، وكما هو حال جل الاتحاديات والاتحاديين، علقت آمالا عريضة على محطة المؤتمر التاسع باعتباره لحظة ديمقراطية تؤهل الحزب للوفاء بالتزاماته المجتمعية. وقد كنت من بين المتحمسين في المكتب السياسي السابق لانتخاب كل الأجهزة التنفيذية والتقريرية، مباشرة من المؤتمر، لكي يتساوى الجميع في منزلة المشروعية الانتخابية، لكن الأمور صارت عكس أحلامنا الجميلة والديمقراطية. ورغم كل ما جرى مازلت متشبثة بالأمل في صمود الاتحاديات والاتحاديين، وفي قدرة حزب الاتحاد الاشتراكي على تجاوز عثراته، وأن ينبعث من رماده إذا اتجهت القيادة الجديدة إلى المستقبل وطي صفحة الماضي القريب، عن طريق إقرار المصالحة الداخلية بين مناضلي ومناضلات الاتحاد.
- انتخاب الشكر لقيادة الاتحاد الاشتراكي خلف كثيرا من ردود الفعل، لدرجة قيل إن تزويرا تم في حزب «عمر بنجلون». ماذا رأيك في ذلك؟
الغش الداخلي شاب عملية فرز الأصوات، باعتراف الأخ عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول السابق ورئيس المؤتمر. هذه المسألة لا تحتاج الى نقاش معجمي يقوم به فقهاء اللغة حول الفرق بين الغش والتزوير، فالحلال بيّن والحرام بيّن. وقد توقعت أن يبادر الأخ إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب- اعتمادا على شرعيته الانتخابية من المؤتمر- بفتح تحقيق في عملية الغش وفي التجاوزات التي لم تحترم المساطر التنظيمية التي اتفقنا عليها في المقرر التنظيمي ووقع الإخلال بها. وأتمنى أن يتم تقويم هذه الاختلالات التنظيمية حتى يكون الحزب في مستوى استعادة المبادرة.
- المتابعون لمسار الاتحاد الاشتراكي يرون أن قوة الحزب كانت حينما كان مسنودا ب»جبهة ثقافية». لكن حينما تفتت هذه الجبهة وهن الحزب وأصابه ما أصابه. هل توافقين على هذه القراءة؟
لقد تميزت تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي بحضور متفاعل مع المثقفين، وارتباط النخب الثقافية بالحزب تنوع حسب المراحل التاريخية. ففي مرحلة التأسيس ساهم المثقفون في صياغة وبلورة المشروع المجتمعي الهوياتي لحزب الاتحاد الاشتراكي، وإثر تغيير وظائف المثقفين والنخب بصفة عامة صرنا نلاحظ نوعا من الانفصال بين المثقفين والحزبيين السياسيين، خاصة في مرحلة حكومة التناوب وانشغال الحزب بتدبير الشأن العام. لكن هذا السبب لا يفسر وحده ظاهرة تراجع الحزب على مستوى المشهد السياسي، فالعوامل والأسباب متعددة، منها ما هو ذاتي وما هو خارجي. وقد سبق للمجلس الوطني الحزبي أن قام بإعداد تقرير تركيبي حول هذا الموضوع، إثر الإعلان عن نتائج انتخابات 2007 التشريعية. هذا التقرير، الذي يعد بمثابة نقد ذاتي للأداء الحزبي، أتمنى العودة إليه، والاسترشاد بخلاصاته وتوجيهاته.

أدعو إلى فتح حوار وطني حول الأدوار الجديدة للثقافة في مرحلة ما بعد الربيع العربي

- كيف ترين واقع الثقافة في المغرب؟ ما هي نقط ضعفها وقوتها؟ وما هي التحديات التي تعتقدين أنها ملزمة بمجابهتها؟
واقع الثقافة في بلادنا بخير، ويدعو إلى الفخر والاعتزاز، فالنخب الثقافية بصفة عامة انخرطت منذ مرحلة الاستقلال في تأسيس الهوية المغربية، والنبوغ المغربي حاضر في جميع الفترات، والمعروف عن المثقفين المغاربة، عربيا، تميزهم بالاجتهاد الفكري والرصانة الأكاديمية، كما تعبر عن ذلك المنتوجات الفكرية التي يقبل عليها جمهور القراء في المعارض العربية. لكن المشكل الذي يعترض الجهود الثقافية يتمثل في غياب سياسة استراتيجية ثقافية تحدد مواطن الخلل وترسم الآفاق خدمة للتقدم الحضاري لبلادنا. ومن أجل وضع سياسة ثقافية ندعو إلى فتح حوار وطني حول الأدوار الجديدة للثقافة في مرحلة ما بعد الربيع العربي من أجل بلورة استراتيجية ثقافية تواكب تحولات المرحلة.
- هل ترين أن الأحزاب والمؤسسات، وضمنها وسائل الإعلام، تعطي الثقافة المساحة الهامة التي تستحقها؟
رغم أهمية الثقافة في تشكيل الهوية والشخصية المغربيتين فإن التعاطي معها يغلب عليه الطابع النفعي والانتقائي. لهذا يمكن القول إن المكون الثقافي يمثل الحلقة الضعيفة في الأداء السياسي وفي مسلسل التحول الديمقراطي، رغم ما يتميز به البعد الثقافي من دور مساعد في النهوض بالمرافق الأخرى: التعليمية والاقتصادية والسياحية والإعلامية.
وبالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي كان لنا دور في تنشيط العمل الثقافي منذ إصدار مجلة «المشروع». كما بادرنا منذ المؤتمر السادس إلى إنشاء المؤسسة الاشتراكية للدراسات والأبحاث، التي كان لها دور منفتح على المثقفين من خارج الحزب، غير أن هذه التجربة توقفت لأسباب تنظيمية.
أما على مستوى الإعلام السمعي البصري فإننا نلاحظ محدودية في البرامج الثقافية والترفيهية الجادة، التي إن وجدت، فإنها لا تُعرض إلا في منتصف الليل. كما يلاحظ تراجع للشأن الثقافي في صفحات بعض الجرائد مقارنة بفترة السبعينيات، إضافة إلى غياب المجلات الثقافية الشهرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.